قيادات التطرف خارج حسابات إعادة التأهيل

نظرة واقعية إلى الممكن والمتعذّر في مسألة مكافحة الإرهاب

أطباق التقاط لـ«داعش» عبر الأقمار الصناعية في الرقة بعد خسارة التنظيم وهروب قياداته (غيتي)
أطباق التقاط لـ«داعش» عبر الأقمار الصناعية في الرقة بعد خسارة التنظيم وهروب قياداته (غيتي)
TT

قيادات التطرف خارج حسابات إعادة التأهيل

أطباق التقاط لـ«داعش» عبر الأقمار الصناعية في الرقة بعد خسارة التنظيم وهروب قياداته (غيتي)
أطباق التقاط لـ«داعش» عبر الأقمار الصناعية في الرقة بعد خسارة التنظيم وهروب قياداته (غيتي)

يقول الفيلسوف اليوناني القديم سقراط «العلم هو الخير والجهل هو الشر»، بمعنى أن الوقوع في الشر يأتي نتيجة الجهل، ما قد يدل على إمكانية إعادة تأهيل الأشخاص الذين وقعوا في هاوية التطرّف فانتموا لتنظيم إرهابي... لكن هل ينطبق هذا المبدأ على الإرهابيين والمتطرفين النازعين إلى العنف الدموي، لا سيما بحق المدنيين الأبرياء.
عودة المقاتلين الأجانب من مناطق النزاع تطرح مسألة ما إذا كان من الممكن إعادة تأهيلهم، وبالأخص، أولئك الذين انضموا لتنظيم متطرف نتيجة جهل تسبب بسوء اختيار. ولقد تكثف الاهتمام بأسباب الانضمام للتنظيمات الإرهابية تحديداً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وذلك من أجل معرفة إمكانية إعادة تأهيلهم من عدمه حسب الأسباب التي أدّت لذلك التطرف، فقد كانت في السابق مرتكزة على مسببات سياسية أو دينية تحتم ضرورة القتال من أجل البقاء.
إلا أن ذلك لم يعد السبب الأبرز، لا سيما أن غالبية المجتمعات أصبح لديها وعي بمدى خطورات الجماعات المسلحة على الشعوب لتضررها من الهجمات الإرهابية. وهذا حاصل اليوم ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط أو في مناطق النزاع الأخرى، وإنما في العالم أجمع، نتيجة قدرة التنظيمات الإرهابية على نشر أعضائها في مناطق مختلفة من العالم، حتى وإن كانوا ذئاباً منفرداً دون وجود بيئة خصبة تحتضنهم.

التسلسل الهرمي للإرهابي
تختلف إمكانية إعادة تأهيل مقاتل من عدمه، حسب موقعه في التسلسل الهرمي للتنظيم، فكلما ارتقى عضو التنظيم إلى أعلى الهرم استحال إعادة تأهيله وقد تشبع بمبادئ التنظيم وأصبح جزءاً من صنّاع القرار فيه. على سبيل المثال، يستحيل تصور شخصية مثل خالد شيخ محمد، أحد أبرز قيادي تنظيم «القاعدة»، والمسؤول عن التخطيط لـ29 عملية إرهابية؛ تضمنت الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك وتفجيرات بالي في عام 2002، تائباً عن انتمائه للتنظيم، وراغباً في الاندماج في مجتمع والإصلاح فيه. وكان صيت شيخ محمد قد ذاع بعد الرد الذي نطق به في المحكمة الأميركية حين سئل إبّان محاكمته عما إذا كان يفهم أنه سيواجه عقوبة الإعدام فأجاب: «هذا ما أتمناه وما أردته طويلاً عندما حاربت الروس في أفغانستان».
مثل هذه الشخصيات التي صعدت هرم التنظيم يستحيل أن يعطى فرصة لإعادة تأهيله، إذ إنه يفضّل الموت على ذلك. كذلك يستحيل تصوّر احتمال إعادة تأهيل أمثال الناطق باسم تنظيم داعش الإرهابي «أبو محمد العدناني» الذي قتل في عام 2016. وقد دشّن كلمات صوتية عديدة هدفها الحث على الانضمام إلى التنظيم على نسق: «الآن الآن جاء القتال» و«قل موتوا بغيظكم». أمثال هذا وذاك شخصيات وصلت إلى قمة الهرم، وساهمت في تطوير استراتيجيات القتال والتجنيد، ولم تتحقق لها مكانة قيادية لولا تمتعها بدرجة من الثقافة والقدرة على الإقناع.
على الرغم من ذلك، ما زال يظهر من يحاول التخفيف من شيطنة الإرهابيين المتسببين بالكوارث التي أودت بحياة العديد ممن لم يستحقوا الموت. عليا غانم، والدة مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، التي رفضت على مدى سنوات عديدة التحدث عن ابنها، ظهرت أخيراً بعد مضي سبع سنوات على قتل ابنها لتصفه بأنه كان طفلاً خجولاً ومتفوقاً في دراسته، تحول إلى شخصية مندفعة وشديدة التدين في بداية عشريناته حين أصبح - حسب تعبيرها - «رجلاً آخر مختلفاً»، في إشارة إلى تأثره بـ«جماعة الإخوان» ومن ثم اعتناقه للفكر المتطرف. في هذا الكلام إيحاء بأن مؤسس «القاعدة» نفسه كان ضحية تأثره بآخرين، وكأن في ذلك وقوعاً في حلقة مفرغة من توجيه الاتهامات لتأسيس التنظيم أو من هو الجلاّد ومن يعد الضحية، إذ قد يكون الجلاّد ذاته عبارة عن ضحية هو الآخر، وإن كان ذلك في منظور والدته. أما مَن لا يحمل صفة قيادية في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مثل الانتحاريين العاديين فهو أقل قدرة على إقناع الآخرين بمبرراته، فعلى سبيل المثال تظهر وصية السعودي المنتمي لتنظيم داعش الذي فجر نفسه بمسجد الصادق في الكويت، عبر التسجيل الصوتي الذي ظهر له، غير مقنعة البتة. لقد كان كلامه حديثاً محشواً بآيات وكلمات مبهمة مثل «أبشروا بالدم. أبشروا بالموت»، موجهاً إياه للفئة التي قام بشيطنتها، فيما يذكر محاولاً طمأنة أعضاء تنظيم داعش هاتفاً: «أبشروا يا إخوة الدين والعقيدة فإنكم على حق وألا إن نصر الله قريب».

عامل الأزمات النفسية
من جهة أخرى تظهر التنظيمات الحديثة مثل «داعش» احتضانها لأولئك المنغمسين في أزمات سلوكية شخصية أو نفسية، وكأن الانضمام لجماعة ستنتشله من حالة الوهن التي يمرّ بها حتى وإن كان مجرد مجرم ليست له توجهات دينية أو سياسية مفضية للإرهاب.
ولقد لوحظ هذا الأمر من خلال عمليات «الذئاب المنفردة» التي تبدو أشبه بعمليات إجرامية عادية مثل حالات الطعن والدهس، على نسق ما قام به الإرهابي الفرنسي من أصل شيشاني حمزة عظيموف (21 سنة) في باريس وقد أظهر ميلاً سابقاً للتطرف، من طعن للمارة بالقرب من دار الأوبرا بباريس. ولقد تبنى تنظيم داعش الحادثة مع أنها كانت عملية عشوائية هوجاء. كذلك شن البريطاني خالد مسعود (52 سنة) هجوماً انتحارياً أخرق أمام مبنى البرلمان البريطاني أسفر عن مقتله إلى جانب مقتل ثلاثة آخرين، ولم تتجاوز سوابقه عمليات إجرامية مثل حمل سلاح أو اعتداء على أفراد دون أي دليل على ميله للتطرف. وهذا ما يشير إلى عامل الأزمات النفسية والسلوكية لـ«الذئاب المنفردة» المغرر بها، والمتأثرة بالتنظيمات الإرهابية، ومنها إشكالية شعور بعض الأفراد المنتمين للأقليات بالنبذ في تلك المجتمعات، وهنا تبرز أهمية احتضانهم ودمجهم في المجتمع.
هذا الجانب الأخير تفاوتت طرق معالجته بالأخص مع عودة المقاتلين الأجانب من مناطق النزاع، ما بين التعامل الناعم والعقاب التأديبي الذي وصل إلى سحب الجنسيات ومنع العودة إلى أوطانهم. وتعتبر «مذكرة روما لإعادة تأهيل المجرمين في عام 2012» من أبرز المساعي العالمية الجدية لسن قوانين دولية غير ملزمة تؤيد الدول المكافحة للتطرف في جهودها من أجل التخلص من التطرف في السجون. ومن جهة أخرى، ظهرت وطبقت تجارب عدة دول اختارت أسلوب القوة الناعمة لمكافحة التطرف مثل «برنامج المناصحة السعودي» الذي أسس في المملكة العربية السعودية عام 2006، وتضمن البرنامج إعادة تأهيل المتطرفين من خلال «المناصحة»، ومن ثم تزويدهم بالمهارات الوظيفية وكذلك إعادة دمجهم في المجتمع. وثمة دول أخرى اختارت اعتماد نهج مماثل منها سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا.
ويرى خبراء في هذا المجال أنه لا بد من معرفة خلفيات وحيثيات انضمام المقاتلين للتنظيمات المتطرفة المنساقة نحو الإرهاب. ومن الضروري أيضاً معرفة ما إذا كان سبق لمن يوقفون بتهم الإرهاب اقتراف أعمال جنائية سابقة تستلزم محاكمتهم عليها، من أجل محاولة اكتشاف ما إذا كانت لديهم قابلية ارتكاب هجمات إرهابية، أم إن ما فعلوه جاء نتيجة للتضليل والتغرير بهم، أو حتى وجود ظروف جعلتهم في بيئة إحباط وتطرف كحال أبناء الأهالي القاطنين في مناطق النزاعات الساخنة مثل سوريا والعراق. والمعروف أن كثيرين ممن يشكلون الفئة الأخيرة أجبروا رغم إرادتهم على الانضمام للتنظيمات المتطرفة في نطاق سعيها لتعويض نقص عدد المقاتلين في صفوفها، وهو ما حدث لـ«داعش» بعد استهدافه من قبل قوات التحالف الدولية.
ثم إن هناك كثيرين من أبناء المتطرفين العائدين من مناطق النزاع تأثروا بمشاهد العنف، وظهرت أيضاً أساليب استقطاب عديدة للأطفال من أجل أدلجتهم وإنتاج جيل جديد أكثر بطشاً وقسوة ممن انضم للتنظيم في سن كبير، لا سيما أن من الأصعب إقناع شخص نشأ على العنف والتطرف بأن تلك السلوكيات لا أخلاقية وغير صائبة إذا كان أحد والديه منتمياً للتنظيم، أو جرى اختطافه وتربيته عليه.
إن البيئة تعد مكاناً خصباً لنمو التطرف أو درئه، وهذا ما لوحظ أخيراً في الهجمات التي استهدفت كنائس في مدينة سورابايا الإندونيسية حين نفذت أسرة إندونيسية بأكملها لتشمل الأم والأطفال الهجمات الانتحارية. إن «أدلجة» أسرة بأكملها تجعل من الصعب إقناع مرتكبي العمليات الإرهابية بلا أخلاقيتها، وهذا بعكس الحالات التي تلقى رفض المجتمع المحيط بها، مثل ما حدث مع والد الإرهابي السعودي فواز عبد الرحمن الحربي، حين تواصل الوالد مع السلطات الأمنية السعودية نتيجة ارتيابه في تصرفات ابنه، بعدما حمل أسلحة وغادر منزله من أجل تنفيذ عملية إرهابية بمحافظة البكيرية في السعودية. وكانت النتيجة القبض عليه والإشادة بذلك إعلامياً. مثل هذه الواقعة تؤكد ضرورة الاهتمام بكسب القلوب والعقول في أي مجتمع، والتأكيد على رفضه للإرهاب من أجل منع احتضان أهالي ذلك المجتمع أي منتم للتنظيمات الإرهابية.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».