«ذاتِك»... متحف رقمي يوثق نضال المرأة المصرية

بدأ بفكرة عام 2008 وتحول الى معرض في 2011

الصورة الرئيسية على موقع متحف النساء (ذاتِك)
الصورة الرئيسية على موقع متحف النساء (ذاتِك)
TT

«ذاتِك»... متحف رقمي يوثق نضال المرأة المصرية

الصورة الرئيسية على موقع متحف النساء (ذاتِك)
الصورة الرئيسية على موقع متحف النساء (ذاتِك)

للمرأة المصرية تاريخ طويل في النضال والكفاح وحتى الحكم، لكن كتب التاريخ لم توثق هذا الدور لأسباب مختلفة بعضها سياسي والآخر يتعلق بالأفكار والعادات والتقاليد، ليصبح التنقيب عن دور المرأة في حقب تاريخية معينة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من القش، ومع ازدياد دور المرأة في الحياة، والمطالبات المتكررة بتمكينها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ظهرت فكرة إنشاء متحف لها يوثق تاريخها ويحكي بطولاتها على مر العصور، فكان موقع «ذاتِك» متحفاً رقمياً يروي قصة كفاح المرأة المصرية.
بدأت فكرة المتحف قبل نحو 10 سنوات، تحديداً عام 2008، وقالت ياسمين إبراهيم، باحثة في النوع الاجتماعي، ومؤسسة متحف «ذاتِك»، لـ«الشرق الأوسط»: «في تلك الفترة تركت عملي في إحدى المنظمات الحقوقية وبدأت أبحث عن شيء أفعله، فوجدت جامعة سويدية، تطلب أبحاثا للمشاركة في مؤتمر عن النساء في الفترة من 1400 إلى 1900، فأرسلت لهم رغبتي في كتابة بحث عنهن في مصر خلال تلك الفترة، فرحبت الجامعة بالفكرة». لكن المشكلة كانت في عدم وجود مواد ومعلومات عن المصريات في تلك الفترة، وأوضحت ياسمين إبراهيم: «بحثت في كل المراجع ولم أجد شيئاً، حتى عثرت صدفة على مذكرات محمد فريد، تلميذ مصطفى كامل، وجدت بها جزءا عن نازلي فاضل، حيث كتب محمد فريد ينتقد كيف كانت تلك المرأة تنظم صالونا في بيتها وتجلس فيه مع الرجال أمثال محمد عبده وسعد زغلول وجمال الدين الأفغاني»، وتضيف: «قررت الكتابة عنها والبحث عن نساء أخريات مثلها، وبدأ شغفي بجمع تاريخ النساء المصريات، اللاتي أهمل كتابة تاريخهن لاعتبارات دينية وثقافية».
واصلت ياسمين إبراهيم البحث عن تاريخ النساء، لكن التجربة لم تتضح إلا خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، حيث قررت في تلك الفترة تنظيم أول نشاط لها في هذا الاتجاه، وكان معرضاً بعنوان «ثائرة»، عرضت فيه مجموعة من الصور عن مساهمات النساء في الثورة، من ثم بدأت المشوار بتأسيس مؤسسة مجتمع مدني لتحقيق حلمها بعمل متحف رقمي للنساء.
وبتصفح موقع «ذاتِك»، نجده يتضمن مجموعة من المشروعات المرتبطة بالنساء تحت اسم «إبداعات النساء»، من أهمها مشروع «تصميمها»، و«علي صوتك»، و«600»، و«ملاذي»، إضافة إلى مشروع «ثائرة»، ومعرض «زي»، ويعتمد الموقع على عرض قصص النساء مدعوماً بالصور والمعلومات، إضافة إلى بعض المعارض التي تُنظم لمقتنيات بعض الشخصيات، وحتى الآن وثق المتحف قصة 30 سيدة معظمهن من العصر الحديث، وفقاً لياسمين إبراهيم، حصلت على بعض مقتنياتهن عبر تبرع الأسرة، كما حدث عندما تبرعت حفيدة الفنانة زوزو حمدي الحكيم، أول امرأة مصرية تدخل معهد الفنون المسرحية، بمقتنياتها للمتحف.
لكن الاعتماد على توثيق تاريخ النساء والبحث عن قصصهم ومقتنياتهم لعرضها سواء على الموقع أو في معارض لم يكن كافيا، فبدأت ياسمين إبراهيم في تطوير الفكرة عبر مشروع «تصميمها» الذي تعمل من خلاله على تمكين المرأة بمساعدتها على بيع الحرف والمشغولات اليدوية.
وقالت ياسمين إنه «خلال زيارتها للواحات، استمعت إلى حكايات مريرة عن الصعوبات التي تواجهها النساء في الترويج لمشغولاتهم وحرفهم اليدوية، فقررت تنفيذ مشروع تصميمها»، واتسعت الفكرة لتشمل توثيق الزي المصري التقليدي الذي شارف على الانقراض، وهي تسعى أيضاً لبيع هذه الحرف خارج مصر.
وفي إطار تمكين المرأة، يضم الموقع أيضا، قسماً لمشروع «علي صوتك»، وهو ورشة أفلام وثائقية يهدف لرفع الوعي بقضايا المرأة عبر الفيديو، من خلال تدريب الفتيات على إنتاج هذه الأفلام، وقد أنتجت أفلاماً مثل «من الألم جاءت»، و«تسلم إيديكي»، و«تابوه»، تناقش قضايا مثل الختان وعمل المرأة، ومؤخرا بدأت ياسمين تنظيم دورات تدريبية لزيادة مهارات المرأة في مجالات التصميم والفنون والتكنولوجيا.
وتواصل ياسمين إبراهيم العمل في تطوير الفكرة والمتحف، فهو وفقا لها «لم يحقق عُشر ما تتمناه»، فدائما ما تقف عقبات أخرى أمام استكمال المشروع بعضها مادي، وبعضها متعلق بنقص المعرفة بمهارات أساسية لتطوير المتحف، لذلك بدأت ياسمين في تعلم فنون التصوير والفيديو لتطوير أدوات عرض تاريخ النساء الذي تبرع في توثيقه باعتبارها باحثة، وتسعى لتوسيع نشاط المتحف ليصبح متحفاً حقيقياً للمرأة، وليس رقمياً فقط.
وتوجد متاحف المرأة في عدد من دول العالم، وخلال السنوات الماضية ظهرت مبادرات دولية لتشجيع إنشاء متحف للمرأة في الشرق الأوسط، ونظم متحف المرأة في الدنمارك عام 2016، مؤتمراً بهذا الخصوص شارك فيه ممثلون عن المجتمع المدني من مصر والأردن ولبنان، لكن الفكرة لم تسفر حتى الآن عن إنشاء مثل هذا المتحف، ليقتصر الأمر على مبادرات أو معارض مؤقتة تعرض جزءاً من تاريخ النساء، أو متحفاً رقمياً يوثق بعض حكاياتهن.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض