محبو اللغة الصوربية يقطعون مسافات طويلة من أجل دراستها في ألمانيا

تتحدث بها أقلية عرقية سلافية يقدر عددها بنحو 60 ألف نسمة

محبو اللغة الصوربية يقطعون مسافات طويلة من أجل دراستها في ألمانيا
TT

محبو اللغة الصوربية يقطعون مسافات طويلة من أجل دراستها في ألمانيا

محبو اللغة الصوربية يقطعون مسافات طويلة من أجل دراستها في ألمانيا

يبدو الفصل الدراسي الكائن في مدينة باوتسن في القطاع الشرقي من ألمانيا مثل أي فصل آخر، غير أن الطلاب المشاركين فيه جاءوا من مختلف أنحاء العالم لدراسة موضوع غير عادي، وهو اللغة الصوربية التي تتحدث بها أقلية عرقية سلافية يقدر عددها بنحو 60 ألف نسمة، وتعيش في إقليمي لوساتيا العليا والسفلى من ألمانيا، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
وأحد هؤلاء الطلبة ياباني يدعى ريو أوميدا 28 عاما ويقيم في فنلندا، ويقول «لأنني كنت دائما مهتما بدراسة اللغات السلافية، قمت بالتالي برحلة إلى مدينة باوتسن»، وجاء الطلاب الآخرون من الولايات المتحدة وجمهورية التشيك وبولندا وصربيا، كما أنه من بينهم طلاب ألمان.
وينظم «معهد الصوربية» بمدينة باوتسن الدورة الدراسية الصيفية لدراسة هذه اللغة كل عامين، ويجري المعهد أبحاثا حول اللغة الصوربية وتاريخ وثقافة الصوربيين الذين يعرفون أيضا باسم «ويندز» أو الونديين وهو اسم تاريخي للسلاف الذين يعيشون بالقرب من مناطق الاستيطان الجرمانية.
وعاش الصوربيون في المنطقة الممتدة بين نهري إلبي وأودر لقرون إلى أن تم إخضاعهم واستيعابهم من جانب الألمان في أواخر العصور الوسطى، وذلك وفقا لما هو مدون في الموسوعة البريطانية. ومع ذلك احتفظ الصوربيون بهويتهم العرقية وبلغتهم التي تكتب بأبجدية ذات أصل لاتيني.
وتتضمن الدورات الدراسية التي تنظم في مدينة باوتسن على مدى أسبوعين هذا العام خمسة مستويات مختلفة، ثلاثة منها للمبتدئين، ويشارك فيها 47 دارسا تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 70 عاما وينتمون إلى 13 دولة. ويتعين على المشاركين في الدورة أن يكونوا قادرين على تلخيص فصل كامل من كتاب باستخدام مفردات خاصة بهم.
ويراقب المعلم وهو عالم لغوي متخصص في علوم اللغات طريقة نطق الطلاب للمفردات وقدرتهم على الاشتقاق وتصريف الأفعال، ثم يهز رأسه راضيا. ويتم تنظيم الدورات الصيفية لتعليم اللغة الصوربية وثقافتها عادة كل عامين منذ عام 1967. وبدأت هذه الدورات جامعة ليبزج، ومنذ عام 1992 بدأ «معهد الصوربية» في تنظيمها. وشارك بالفعل في هذه الدورات حتى الآن أكثر من 500 مدرس وطالب وصحافي ومترجم من 30 دولة ينتمون لجميع قارات العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».