بعد انهيار جسر جنوة توقفت دورة الحياة

مذيع بريطاني يتعرض لانتقادات بعد تقرير حول الجسر

جنوة تبدو غداة المأساة كأنها تعرضت لهزة أرضية
جنوة تبدو غداة المأساة كأنها تعرضت لهزة أرضية
TT

بعد انهيار جسر جنوة توقفت دورة الحياة

جنوة تبدو غداة المأساة كأنها تعرضت لهزة أرضية
جنوة تبدو غداة المأساة كأنها تعرضت لهزة أرضية

يجاور جزء من الجسر المنهار كومة أنقاض وبقايا سيارات أو شاحنات متروكة في الخلاء، فالمنطقة الكائنة تحت المرفق الذي انهار الثلاثاء في جنوة تبدو غداة المأساة كأنها تعرضت لهزة أرضية.
وتنهمك فرق الإطفاء، حيث شارك 400 في العمليات، منذ الثلاثاء (صباح الأربعاء) في البحث عن أحياء بين الأنقاض، بمساعدة الكلاب وآلات الحفر. وواصلت رافعتان كبيرتان، صفراء وسوداء، خلال الليل، المساعدة في رفع الأنقاض والوصول إلى تجاويف يمكن أن يكون ضحايا قد علقوا فيها.
وأعلن الدفاع المدني الأربعاء حصيلة جديدة بلغت 39 قتيلا، بينهم 3 أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و13 عاما، و15 جريحا، بينهم 12 بحال الخطر. ولا يزال هناك عدد من المفقودين.
وفي الصباح الباكر، قال إيمانويلي غيسي، مساعد قائد رجال الإطفاء في منطقة بيمونتي: «لم نفقد الأمل في العثور على أحياء». وأضاف: «خلال الليل، تم العثور بين الأنقاض على 3 ضحايا قضوا نحبهم خلال الليل». ولم يعد قائما الجسر المعروف جدا في جنوة ويناهز ارتفاعه 45 مترا. وقد انهار أكثر من 200 متر منه ظهر الثلاثاء. وباتت رافعتان من الإسمنت تقفان وجها لوجه، هما ما تبقى من هذا البناء الإسمنتي الذي يفوق طوله الكيلومتر والمشيد في منطقة قريبة من جنوة في أواسط الستينات.
وبقيت شاحنة خضراء مجمدة في الجانب الأيسر من الجسر على بعد أمتار من الهاوية. وقبل ثوان قليلة كان سائقها يتخوف أيضا من سقطة مميتة.
وعلى الجانب الآخر، يبدو الجسر مثل حوض للغوص. والجسر معلق على ارتفاع عشرات الأمتار فوق مبان سكنية ضخمة وردية اللون وصفراء في حي سامبيردارينا. وأجلي سكانها الثلاثاء خوفا من سقوط هذه القطعة من جسر موراندي أيضا.
وقال باسكوالي رانييري (86 عاما) الذي ينتعل صندلا ويرتدي قميصا أسود: «كنت في بيتي وبدأت كل البنايات تهتز. كان هذا أسوأ من هزة أرضية». وعلى غرار سكان الحي الذين يناهز عددهم 400. اضطر هذا الثمانيني المقيم في بناية من 5 طبقات في أنريكو بورو، تحت جسر موراندي، إلى المغادرة على وجه السرعة.
وقد تعذر عليه صباح الأربعاء العودة إلى منزله لتدبير أموره للسكن. وقال: «نمت في منزل عائلتي، لكن هذا الأمر سيستمر أشهرا. أوافق على إمكانية حصول مخاطر، لكني أستطيع العودة إلى منزلي، لا أريد أن يتبنوني». وأضاف: «لقد قطعوا التيار الكهربائي»، معربا عن القلق من تعفن المواد الغذائية في ثلاجة منزله. لكن اثنين من عناصر الشرطة يؤمنان الحراسة ولا يستسلمان لتوسلات عشرات السكان الذين يأملون منذ الفجر في أن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم.
وقالت العجوز غراتسيا بيستوريو (83 عاما): «لم أتمكن من النوم، ولم آكل شيئا». وهي تأمل أيضا في استعادة بعض الثياب للتبديل. وأضافت بقلق: «ثمة أيضا أشخاص يتعين عليهم تناول الأدوية». ويتوافر لبرونا ميلاتشي (53 عاما) مزيد من الحظ. فشقتها تقع بالضبط قبل الحاجز الأمني.
وأوضحت هذه المترجمة: «أمس، كنت قد ذهبت إلى المركز التجاري للتسوق عندما سمعت الناس يتحدثون عن انهيار الجسر».
وأضافت: «تركت كل شيء وعدت راكضة تحت المطر لأتأكد من أن هرتيّ ما زالتا على قيد الحياة وأن المبنى ما زال قائما. شعرت بخوف شديد». على مسافة 200 متر من الجسر المنهار، يقف عجوز فضل عدم ذكر اسمه، يقيم في سقيفة مثبتة بين النهر وخط السك الحديد، داخل المنطقة التي تطوقها الشرطة. وقال: «قبل 15 يوما، أنجبت القطة، أقطع 6 كيلومترات كل يوم بدراجتي الصغيرة لإطعام القطط المعكرونة والدجاج؛ كيلا يفوتهم أي شيء».
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي أحد مقدمي البرامج الإخبارية في شبكة «آي تي في» التلفزيونية البريطانية بسبب تقرير عن انهيار جسر جنوة للسيارات في إيطاليا، حيث احتوى التقرير على دعوة «وقحة» للمشاهدين البريطانيين للتفكير في إجابة على السؤال: «كم عدد المرات التي قمنا فيها جميعا بقيادة مركباتنا عبر جسر؟».
وقال المذيع توم برادبي في تقريره، موجها سؤال آخر للمشاهدين: «هل خطر على بالك أبدا أنه قد يسقط بالفعل من تحتك؟»، وذلك في بداية برنامج «نيوز آت تن». وقال المذيع: «حسنا، اليوم في جنوة، سقط أحدها (الجسور)، مع عواقب مدمرة».
وقال برادبي : «يا إلهي... هكذا صاح شهود عيان عندما انهار كل شيء تماما... ماذا حدث؟ نعود إلى الأيام التي أقيم فيها للبحث عن أدلة». وكتب ميلكو زانيني، وهو محاضر في جامعة جنوة، في تغريدة موجهة إلى برادبي إنه «كره» العرض. وكتب زانيني: «كان لدينا 37 قتيلا و16 مصابا، وفي رأيي فإن بعض التعاطف سيكون موضع تقدير». وجاء في تغريدة أخرى تنتقد برادبي: «الأخبار ليست المكان المناسب لمثل هذا الموقف الوقح والمتعجرف!». وكتب تيم مارتن، أحد سكان لندن، في تغريدة أيضا: «ماذا بعد (يا) توم برادبي، أنت تعرف أن انهيار جسر جنوة مأساة وليس تلك القصة المسلية في النهاية». ووجه مستخدم آخر لـ«تويتر» تحت اسم «الباكر» سؤالا قال فيه: «توم برادبي، أي نوع من العرض للكارثة الإيطالية كان ذلك؟». وكتب الباكر أيضا: «صحافة صادمة بلا قلب على الإطلاق... إن لم تكن كلماتك فإن كاتب السيناريو يحتاج إلى وظيفة جديدة!». ولم يعلق برادبي ولا «آي تي في» على الفور على الانتقادات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».