تراث القاهرة التاريخية يعاني من {شبح} الماس الكهربائي

سينما ريفولي الشهيرة قبل اشتعال الحريق بها
سينما ريفولي الشهيرة قبل اشتعال الحريق بها
TT

تراث القاهرة التاريخية يعاني من {شبح} الماس الكهربائي

سينما ريفولي الشهيرة قبل اشتعال الحريق بها
سينما ريفولي الشهيرة قبل اشتعال الحريق بها

يقول المثل الشعبي المصري بأن «الباب المقفول يرد القضاء المستعجل»، ولكن الواقع يشير إلى أن مصائب الحرائق في مباني القاهرة التاريخية تحدث دائما خلف الأبواب المغلقة.
كانت أحدث المصائب حريق سينما ريفولي التاريخية، والمغلقة منذ عام 2014. الذي تسبب فيه «ماس كهربائي» مجهول الأسباب مساء الثلاثاء الماضي، وكأن مباني القاهرة التاريخية المغلقة على موعد كل فترة مع نفس السبب الذي دمر قبل نحو خمس سنوات مبنى تاريخيا آخر لا يقل أهمية، وهو مبنى محكمة جنوب القاهرة في منطقة باب الخلق.
وقبل حريق المحكمة بسنوات قليلة كان قد تم نقل جلساتها جزئيا إلى محكمة زينهم الجديدة، أما سينما ريفولي فقد توقفت تماما قبل سنوات من الحريق عن تقديم خدماتها الثقافية، لتتحول إلى مأوى للباعة الجائلين.
وكما كان حريق المحكمة في أبريل (نيسان) 2013 صادما لمجتمع القضاء في مصر، كان حريق سينما ريفولي في أغسطس (آب) 2018 صادما للفنانين والمثقفين والمهتمين بقطاع السينما.
ولا تقل أهمية سينما ريفولي التاريخية عن أهمية محكمة باب الخلق، فإذا كانت المحكمة قد أنشئت في عام 1883 على نسق قصر الأمير عمر طوسون بشبرا، وارتبط اسمها بالكثير من المحاكمات التاريخية منها محاكمة الرئيس الراحل أنور السادات عام 1948 في قضية اغتيال الوزير أمين عثمان، فإن سينما ريفولي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1950.
ويحكي الناقد السينمائي رامي عبد الرازق في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بعضا من الأحداث التاريخية التي ارتبطت بهذه السينما التاريخية، ومنها أنها شهدت حضور الزعيم جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر حفلاً لكوكب الشرق أم كلثوم في أكتوبر (تشرين الأول) عام ١٩٥٥، حيث تغنت كوكب الشرق وقتها بعدد من الأغنيات منها «قصة حبي» للشاعر أحمد رامي وألحان رياض السنباطي.
ويضيف عبد الرازق أن هذه السينما أيضا، كانت مسرحا لحفلات الربيع الشهيرة، فمن داخلها كان الموسيقار الكبير فريد الأطرش يحيي حفلة «عيد الربيع» كل عام، قبل أن يبدأ العندليب عبد الحليم حافظ إحياء حفل الربيع من نفس المكان في ربيع 1971.
ولم تمنع هذه القيمة التاريخية مظاهر الإهمال عن السينما، كما لم تمنعها من قبل عن محكمة باب الخلق، الأمر الذي دفع عبد الرازق إلى القول متخوفا: «يبدو أننا سنكون على موعد قادم مع ماس كهربائي يدمر سينما أخرى تاريخية أخرى مغلقة في وسط القاهرة.»
وحتى لا يحدث ما يتخوف منه عبد الرازق، لا يرى الكاتب يوسف القعيد، عضو لجنة الثقافة الإعلام بمجلس النواب، سوى حل واحد فقط، وهو إعادة تأهيل هذه المباني المغلقة لتقوم بأدوارها الثقافية من جديد.
ويقول القعيد لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام تم هدم سينما فاتن حمامة التاريخية، واليوم تتعرض سينما ريفولي للحريق، والمصيبة القادمة قد تكون من نصيب سينما أخرى تاريخية أو مبنى تراثي مهم، طالما ظلت هذه المباني غير مستغلة».
ويضيف: أحذر من الآن، أن لدينا 4 دور سينما تاريخية في ميدان السيدة زينب مغلقة، وقد نستيقظ يوما على حريق يشب في إحداها، لأن الأماكن المهجورة لا يوجد بها أمن صناعي».
من جانبه، لا يملك جهاز التنسيق الحضاري من الأدوات ما يمكنه من التعامل مع التحذير الذي أطلقه القعيد، باستثناء تحرير محاضر بالتعديات التي تحدث على المباني التراثية.
وتقول د. سهير حواس مستشار الجهاز لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحرر محاضر بالمخالفات، وفق حق الضبطية القضائية الممنوح لنا للحفاظ على المباني التراثية، ولكن إزالة المخالفات مسؤولية الشرطة، وأجهزة الحكم المحلي».
وتضيف: «قمنا بدورنا لحماية سينما ريفولي المسجلة كمبنى أثري وفق القانون 144 لسنة 2006. وحررنا مخالفات بالتشويه الذي يحدث في مداخلها بسبب الباعة الجائلين، ولا نملك أكثر من ذلك».
والحل من وجهة نظر النائب علي عبد الواحد، عضو لجنة الإدارة المحلية في البرلمان المصري، هو إصدار تشريع يتيح نقل ملكية هذه الأماكن التراثية للدولة، على أن يتم تعويض أصحابها ماديا.
ويقول عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط»: «في دور الانعقاد القادم للبرلمان المصري قد أتقدم بمقترح قانون يسمح بذلك للحفاظ على ذاكرة مصر التاريخية في القاهرة».
ويرى عضو لجنة الإدارة المحلية أن قيام الدولة بإعادة تأهيل هذه المباني بعد أن تؤول ملكيتها إليها سيدر دخلا كبيرا، لا سيما بعد التطوير الذي ستشهده القاهرة خلال السنوات المقبلة مع انحسار الزحام عنها بسبب نقل الوزارات والهيئات الحكومية للعاصمة الإدارية الجديدة.
يشار إلى أنه قد أغلقت عشرات السينمات في القاهرة قي السنوات العشر الأخيرة، من بينها «غرين بالاس، والنزهة الصيفي، ورويال الجديدة وأواسيس والكورسال الجديدة وألمظ، والترجمان1 والترجمان2 والحرية بالخانكة وفينوس، والأهلي بشبرا الخيمة والحدائق ونيوستار، وسينما ومسرح الجزيرة بالمنيل».


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».