جذبت الجدة الهندية البالغة من العمر 107 أعوام، التي ترتدي ساريا بسيطا من القطن وتجلس في مطبخها على خلفية من حقول الأرز المفتوحة، أنظار واهتمام متابعي موقع «يوتيوب» للتواصل الاجتماعي على نحو غير متوقع، حيث وصل عدد المشتركين في قناتها إلى مليون بفضل ما تتبعه من طرق طهي تقليدية. أصبحت كاري ماستاناما الدرداء ذات الشعر الرمادي نجمة قناة طهي تحظى بشهرة ومتابعة كبيرة على موقع «يوتيوب». وتعدّ ماستاناما عبر القناة أطباقاً محلية لذيذة وتقدم نصائح من واقع خبرتها في الطهي التقليدي.
كيف أصبحت ماستاناما على «يوتيوب»؟
يعود الفضل في نجومية ماستاناما إلى حفيدها كاري لاكسمان، وهو مصمم غرافيك عمل لدى عدد من المحطات التلفزيونية. ويذكر لاكسمان: «لقد أعدت كاري البرنجال (الباذنجان) لي ولأصدقائي حين ذهبنا لزيارتها في أحد الأيام، وقد أعجبنا الطبق كثيراً إلى حد جعلني أقرر أن أعدّ مقطعاً مصوراً لها وأنشره على موقع الـ«يوتيوب»، وقد انتشر انتشاراً كبيراً. كان ذلك في أغسطس (آب) 2016. حقق المقطع نجاحاً كبيراً فور نشره، فقد أحب الناس ماستاناما، وطريقتها وأطباقها، وبدأوا يسجلون إعجابهم ويشاركون بتعليقات إيجابية مشجعة، ومن هنا بدأت رحلة نجومية الجدة.
من هي ماستاناما؟
ولدت ماستاناما في قرية في جنوب الهند، وتبنتها أسرة مسلمة لم تكن لديها بنت، وغيروا اسمها إلى ماستاناما، لكن لم ترغب الطفلة في البقاء مع أسرتها الجديدة وسرعان ما عادت إلى قريتها. رغم أنها لا تملك شهادة ميلاد تثبت سنها، قد تكون أكبر نجوم الـ«يوتيوب» سناً حيث تبلغ من العمر 107 أعوام ولها نحو 250 مقطعا مصورا عن الطهي يركز على طريقة الطهي الريفية القديمة باستخدام عناصر الطبيعة الخمسة لإعداد وجبة صحية متكاملة جيدة.
تتضمن أعمال ماستاناما في عالم الطهي طبق بيض طائر الإيمو المقلي، والدجاج مع أوراق نبات الحماض، وبرياني الدجاج المطهي في البامبو المدخن، والكاري مع أمعاء الضأن، وبيض السمان، وأرجل الماعز، ورأس الضأن، وأقدام البقر. كذلك أعدت نسخة خاصة بها من برغر الدجاج، ودجاج كنتاكي. من أكثر المقاطع المصورة انتشاراً وشعبية، إضافة إلى «البيض في الطماطم»، دجاج البطيخ، حيث حصل ذلك المقطع على 10 ملايين مشاهدة على موقع «يوتيوب»، وتظهر فيه بينما تشوي الدجاج داخل قشرة بطيخ. لا أحد يعلم كيف ومتى بلورت ماستاناما فكرة دجاج البطيخ، لكن حين فعلت ذلك حققت معدل انتشار جديد بالنسبة إلى الطهي في الخارج.
أقامت ماستاناما مطبخها في قلب أحد حقول الأرز، حيث تطبخ على موقد يعمل بالخشب ولا تستخدم سوى الأوراق الجافة والخشب في إشعال النار، وتستخدم عينيها أكثر مما تستخدم أي أدوات لتحديد مقادير كل المكونات. لقد طهت بقشور جوز الهند، ونظفت السمك تحت السماء الزرقاء الساطعة، لكن كيف تعلمت كل تلك الوصفات؟
تشتهر المنطقة، التي نشأت بها بوجه عام بالبهارات، وتقيم إلى جوار النهر منذ مائة عام، وتقول إنها قد عرفت كل تلك الوصفات وحدها. تتميز ماستاناما بطهي المأكولات البحرية، حيث تستطيع طهي أي شيء من السمك إلى القريدس والسلطعون.
فاجأت طرق الطهي البسيطة والبدائية مستخدمي الإنترنت، حيث ينتظر متابعو ماستاناما النشطون حول العالم يومياً ابتكاراتها الريفية، ولا تخيب العجوز ظنهم أبداً. ويطلق عليها جميع من اشتركوا في قناتها «الجدة».
وأوضح لاكسمان قائلا: «يحب المشاهدون أسلوبها الجاد. ولا تقل مرحلة الإعداد بالنسبة لماستاناما تميزاً عن وصفاتها، حيث تقشر الطماطم بأصابعها، ولا تستخدم سوى الجزء الداخلي. كذلك تقشر أشياء مثل الزنجبيل والبطاطس بأصابعها أيضاً. وطريقتها في كسر البيض فريدة ومتميزة».
دعابات وقصص
تزخر المقاطع المصورة، إلى جانب الطعام، بالدعابة وبنوادر وقصص من حياتها. وتتحدث في أحد المقاطع المصورة عن استفزاز شقيقيها لها على سبيل المرح أثناء مرحلة شبابها. وقالت وعلى وجهها ابتسامة تكشف عن عدم وجود أسنانها: «لمس أحدهما يدي فألقيت به في النهر. وقد طلب شقيقي مني إنقاذه، فقلت له كيف تجرؤ على لمسي. لقد أنقذته في النهاية. منذ ذلك الحين لم يستفزني أحد مرة أخرى».
في مقطع مصور آخر تروي قصة طويلة عن سقوطها وانكسار أسنانها. وتعاني ماستاناما من المياه البيضاء في عينيها، ويقول الأطباء إنها قد تفقد بصرها إذا حاولوا إجراء لها جراحة على حد قول لاكسمان.
مع ذلك سواء كان لديها أسنان أم لا إنها تحب الدجاج الذي تطهوه، وتأكل قليلا، لكنها تستمتع بالطهي. في نهاية كل مقطع مصور تقدم الطعام بحب إلى أبنائها وأحفادها وآخرين يعملون في حقول الأرز، فهي لا تطهو كميات صغيرة.
يبدو أن ماستاناما تستمتع بشهرتها، ففي آخر مقاطع مصورة لها، جعلها لاكسمان ترتدي نظارات شمسية أنيقة، وترسم علامة النصر بإصبعيها. لا تتعلق مشاهدة المقاطع المصورة ماستاناما بالنسبة لجمهورها المنتشر حول العالم بتعلم الطهي فحسب، حيث يهتمون أيضاً بتلك الطاهية النشيطة التي لا يبدو عليها ذلك العمر المتقدم. يحصل كل مقطع مصور على آلاف التعليقات، كثير منها كتبه أشخاص يحاولون تجربة وصفاتها في المنزل، ويطلبون إضافة ترجمة إنجليزية للمقاطع المصورة. كذلك تتلقى ماستاناما رسائل من معجبين لها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحتى باكستان. وقد أرسلوا إليها مؤخراً مالا وهدايا بمناسبة عيد ميلادها السابع بعد المائة. وحصلت ماستاناما على إسوارات وخمس قطع ساري، وأقامت بما حصلت عليه من مال مأدبة في قريتها.
أسرار حياتها في مقاطعها
أخبرت السيدة الجريئة المشتركين في قناتها بقصة زواجها المبكر في سن الحادية عشرة وبعدم التحاقها بالمدرسة. وقد أصبحت ماستاناما أرملة في الثانية والعشرين من العمر، وبدأت تناضل وحدها من أجل تربية أطفالها الخمس (أربعة صبية وفتاة)، فعملت بأجر يومي في حقل الأرز من أجل فقط إطعام نفسها وصغارها. وفقدت أربعة من أطفالها الخمس بسبب تفشي وباء الكوليرا، حيث لم يبق على قيد الحياة سوى ابنها الأكبر ديفيد، الذي فقد بصره.
وتشارك ماستاناما معجبيها في إحدى الحلقات بقصة من حياتها، حيث قالت: «كان زوجي رجلا لطيفا، وأفتقده أحيانا. سألته على فراش الموت كيف سأتمكن من البقاء والاستمرار وحدي أنا وأطفالي الخمس؟ أمسك يدي وقال لي إنني امرأة ذكية وقوية وسوف أتمكن من الصمود».
تقوم راجشري، حفيدة ماستاناما، بدور مساعدة الطاهي، رغم أن ماستاناما لا تحب الحصول على المساعدة، لكن نظراً لتصوير مشهد الطهي بالكامل دون قطع، تقبل تلك المساعدة. يتم تصوير المقاطع في أماكن رائعة وخلابة، ولا تكتفي ماستاناما بالحديث خلال المقاطع المصورة فحسب، بل تعطي تعليمات أيضاً. إنها تضيف بهارات الماسالا بنفسها، ولا يتم تقديم الطبق في صورته النهائية إلا بعد أن تتذوقه. تعتقد ماستاناما أنها تطهو بشكل طبيعي وعفوي، حيث تحدد المقادير بعينيها، وتستند في تقييمها للطبق إلى ذائقتها.
مع نشر محطتي الـ«بي بي سي» و«الجزيرة» قصة تلك المرأة المئوية ازدادت شعبيتها. ويعمل كل من لاكسمان وشريناث على إخراج مقطع عن المخلل الذي تعدّه ماستاناما. ويعتزمان إطلاق اسم «مخلل الطعام الريفي» عليه، وهو يشمل الطعام النباتي وغير النباتي، ليتم شحنه وتوصيله على مستوى العالم.