الطقس الساخن يقتل آلاف الأسماك ويغير مواعيد الدبابات السويسرية

اليابان تفكر في تطبيق توقيت صيفي... وكاليفورنيا تكافح الحرائق

تجمع الناس في بركة الأمواج بحديقة كاريبيان باي المائية في يونغين خارج العاصمة الكورية الجنوبية (أ.ف.ب)
تجمع الناس في بركة الأمواج بحديقة كاريبيان باي المائية في يونغين خارج العاصمة الكورية الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

الطقس الساخن يقتل آلاف الأسماك ويغير مواعيد الدبابات السويسرية

تجمع الناس في بركة الأمواج بحديقة كاريبيان باي المائية في يونغين خارج العاصمة الكورية الجنوبية (أ.ف.ب)
تجمع الناس في بركة الأمواج بحديقة كاريبيان باي المائية في يونغين خارج العاصمة الكورية الجنوبية (أ.ف.ب)

قال متحدث باسم الجيش السويسري، أمس الاثنين، إن وحدات الدبابات غيرت من مواعيد مهماتها في البلاد لتعمل في مواعيد ليلية، بغرض حماية الطرق. وقال المتحدث باسم الجيش، دانيال رايست لوكالة الأنباء السويسرية (إس دي إيه)، إن المركبات الخاصة بالجيش والتي يبلغ وزن الواحدة منها 57 طنا، لم تعد قادرة على السير على جميع أنواع الطرق خلال فترة النهار، نظرا لأن الارتفاع الحالي لدرجات الحرارة يتسبب في التأثير على درجة صلابة الإسفلت.
وأضاف أنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلى أن تحدث الدبابات حفرا وتعرجات على الطريق. وقد بلغت درجة الحرارة العالية التي شهدتها سويسرا هذا العام، 2.‏36 درجة في سيون بجنوب غربي البلاد، أمس الأحد. ومن المتوقع أن تسجل درجات الحرارة ارتفاعا أكبر خلال هذا الأسبوع. كما عمل الجيش على التأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة، من خلال تعديل مواعيد الأنشطة الشاقة - مثل تدريبات السير لتتم في الصباح الباكر أو في وقت متأخر من المساء. وأوضح رايست أن هناك تعليمات لقادة الجيش بالسماح لجنودهم بأخذ قسط من الراحة من أجل شرب المياه.
إلى ذلك قالت جمعية المصائد السمكية السويسرية لوكالة الأنباء الألمانية أمس الاثنين إنه تم انتشال طن من الأسماك
النافقة من الجزء العلوي من نهر الراين على الحدود بين ألمانيا وسويسرا، على الرغم من اتخاذ تدابير لإبقائها حية خلال موجة حارة.
وكانت معظم الأسماك الميتة من أسماك التملوس الرمادية، التي تعيش في المياه التي تصل درجة حرارتها إلى 23 درجة مئوية، ولكن المياه في نهر الراين العلوي قد وصلت إلى 27 درجة مئوية بسبب موجة حر اجتاحت أجزاء كبيرة من أوروبا على مدى الأسبوعين الماضيين. وعملت الجمعية على منع نفوق الأسماك من خلال إنشاء ستة أحواض اصطناعية من المياه الباردة. ولجأ الآلاف من الأسماك للاحتماء في الأحواض الأسبوع الماضي.
وقال خبير الأسماك السويسري صامويل جروندلر إنه من المرجح أن ترتفع حصيلة الأسماك النافقة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستصل إلى 50 ألفا، وهو نفس العدد الذي نفق خلال موجة حر عام 2003. وقال جروندلر إن «التوقعات قاتمة». وسجلت ألمانيا اليوم الأعلى حرارة حتى الآن هذا العام الأسبوع الماضي، حيث بلغت درجات الحرارة 5.‏39 درجة مئوية في مدينة برنبورغ شرقي البلاد. وتسعى السلطات الألمانية جاهدة للتعامل مع الحرارة، حيث تقوم فرقة الإطفاء في براندنبرغ بري الأشجار لحمايتها من الجفاف، وتراجع منسوب مياه نهر إلبه إلى مستوى قياسي.
ومن جهة أخرى قال مسؤولون إن الطقس الحار يشكل تهديدا مستمرا لأطقم الإطفاء التي تكافح حرائق خارجة عن السيطرة في أرض جافة بشمال كاليفورنيا وذلك مع هبوب الرياح والارتفاع الكبير في درجات الحرارة والفرص شبه المعدومة لهطول المطر هذا الأسبوع.
وقال براين هيرلي، خبير الأرصاد بمركز التوقعات الجوية في كولدج بارك بولاية ماريلاند التابع للهيئة الوطنية للأرصاد الجوية، أمس الاثنين: «الطقس حار وجاف جدا وسيظل هكذا».
وأضاف أن درجة الحرارة بلغت 43 درجة مئوية في بعض مناطق وسط وشمال كاليفورنيا وإن هناك هبات لرياح سرعتها 24 كيلومترا في الساعة يمكنها أن تنشر ألسنة اللهب والجمرات المشتعلة.
وقال مسؤولون إن حريق غابات هائلا خارجا عن السيطرة في شمال كاليفورنيا يعرف باسم (مندوسينو كومبليكس) دمر 68 منزلا وأجبر الآلاف على الفرار وأصبح خامس أكبر حريق في تاريخ الولاية. ودمر الحريق أكثر من 266900 فدان.
وحريق مندوسينو واحد من 17 حريقا كبيرا مستعرا في مناطق مختلفة بكاليفورنيا مما دفع الرئيس دونالد ترمب الأحد لإعلان «كارثة كبيرة» في الولاية وأمر بتوفير التمويل الاتحادي لمساعدة الجهود في المناطق المنكوبة، حسب «رويترز».
وقال مسؤولون في شركة باسيفيك جاز آند إلكتريك إن حريقا آخر، هو (كار فاير) المستعر منذ أسبوعين تقريبا، أدى إلى وفاة شخص آخر السبت وهو متدرب يدعى جاي أييتا عمره 21 عاما.
وهو سابع شخص يلقى حتفه في هذا الحريق المستعر في منطقة شاستا ترينيتي إلى الشمال من سكرامنتو والذي أتى على أكثر من 160 ألف فدان. وبحلول مساء الأحد، تمكنت أطقم الإطفاء من احتواء 43 في المائة من كار فاير وبدأت السلطات في السماح لبعض السكان بالعودة.
إلى ذلك، قالت صحيفة سانكي اليابانية أمس نقلا عن عدة مصادر إن اليابان تفكر في تطبيق التوقيت الصيفي العام المقبل خلال دورة الألعاب الأولمبية التي تقام في طوكيو في 2020 للسماح بإقامة المسابقات الرياضية خلال الساعات التي يكون فيها الطقس ألطف في الصباح الباكر.
وأضافت الصحيفة أنه بموجب هذا الاقتراح سيقوم الحزب الديمقراطي الحر الحاكم بزعامة رئيس الوزراء شينزو آبي بتقديم التوقيت ساعتين فيما بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) من العام المقبل على أساس تجريبي لحل أي مشكلات تظهر نتيجة هذا التغيير قبل تنفيذ مماثل خلال دورة طوكيو في 2020.
واليابان من الاقتصادات الرئيسية التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة التي لا تطبق نظام التوقيت الصيفي خلال أشهر الصيف. وقالت الصحيفة إن التطبيق المقترح لن يسري إلا على عامي 2019 و2020.
وأثارت موجة حر شديد في اليابان تساؤلات بشأن قرار تنظيم أولمبياد 2020 خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس، وهما عادة أشد شهور السنة من حيث الحرارة والرطوبة، والأخطار الصحية التي يشكلها ذلك على الرياضيين والجمهور.
وكان يوشيرو موري رئيس أولمبياد طوكيو 2020 قد طلب سابقا من آبي تطبيق التوقيت الصيفي لأن ذلك سيسمح بإقامة المسابقات المقرر تنظيمها في الصباح، مثل الماراثون، في ساعات يكون فيها الطقس ألطف.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)