ناصيف زيتون يغنّي «أعياد بيروت» في سهرة استثنائية

حفل غنائي اتّسم بالدينامية والحضور الشّبابي

ناصيف زيتون على خشبة مسرح «أعياد بيروت»
ناصيف زيتون على خشبة مسرح «أعياد بيروت»
TT

ناصيف زيتون يغنّي «أعياد بيروت» في سهرة استثنائية

ناصيف زيتون على خشبة مسرح «أعياد بيروت»
ناصيف زيتون على خشبة مسرح «أعياد بيروت»

لا تشبه حفلة ناصيف زيتون على مسرح «أعياد بيروت» أياً من تلك التي شهدتها العاصمة في هذا الموسم. فالمغني السوري الملقب بـ«أبو إلياس» استطاع أن يشعل أجواء بيروت بباقة من أغانيه القديمة والجديدة والمرفقة بحضور باهر لمطرب شاب حققت أغنيته الأخيرة «منو شرط» 36 مليون مشاهدة، محدثاً معها الفرق على الساحة.
ومنذ اللحظات الأولى لإطلالته التي ارتدى فيها لباساً رياضياً بعيداً عن أي مظهر رسمي، كان من البدهي أن يستشعر الجمهور أنّ الحفل سيكون شبابياً بامتياز. وبدت علامات الاعتزاز بالنفس على محيّاه عندما لاحظ حضور جمهور احتشد بالآلاف للتمتع بأغانيه. فردّدها معه منذ وصلته الموسيقية الأولى حتى ختام السهرة. ومع أغنية «ما بدّي أحسب ولا فكر» التي تلتها «نامي ع صدري» استهل ناصيف زيتون الحفلة التي أشعل فيها ليل بيروت لأكثر من 90 دقيقة. وتوجه بعدها بكلمة مقتضبة مرحّباً بالحضور وشاكراً القيمين على الحفل «الدني عم تحطني بمطارح أكثر مما أستاهل»، متمنياً أن يُمضي الناس برفقته وقتاً ممتعاً.
لم يهدأ ناصيف زيتون ابن الثلاثين ربيعاً طيلة وقت السهرة من بث الحماس وجرعات الطاقة والنشاط بين جمهوره. فقدم استعراضاً غنائياً يمكن وصفه بالاستثنائي للدينامية التي اتسم بها والحضور الشّبابي الكثيف الذي ملأ مقاعد الحفل. فغنّى ورقص الدبكة والسالسا وتمايل مع نوتات الجاز التي تلون بعض أغانيه. كما رفع يديه بحركة بدهية يشكر حب الناس له أكثر من مرة ويغمر بها وجهه مرات أخرى متذوقاً طعم شهرته على طريقته. ولم يتوان عن القفز بالهواء والجلوس على أحد مكبرات الصوت والتقاط «سيلفي» مع معجبيه وممازحتهم، وكذلك ارتجال كلمات قريبة إلى قلوبهم في قفلات عدد من أغانيه. ولم ينس كذلك توجيه تحية إلى والده الراحل منذ فترة قصيرة، مناجياً إياه وهو يهمس على الميكروفون «أخ يا أبو إلياس» جامعاً ما بين اللقب الذي عُرف به منذ بداياته تيمناً باسمه وبين حالة النجاح التي كان يعيشها على المسرح في تلك اللحظات. وفي أغنية «يا عاشقة الورد» للراحل زكي ناصيف خرج ناصيف زيتون عن إيقاع أغانية الشّبابية لينشدها بأسلوب مبتكر يلائم طبقات صوته التي أثنى عليها في بداياته الراحل وديع الصافي عندما رافقه غناءً على مسرح خشبة برنامج الهواة «ستار أكاديمي» الفائز بلقبه في عام 2010، كما كان يقف أحياناً كثيرة مبهوراً بتفاعل جمهوره معه في أغاني «يا قمر» و«عندي قناعة» و«بربك» فيتقاسم معه مقاطع الغناء من دون توقف إلى حد جعله يغيّر وجهة الميكروفون المثبّت على ركيزة حديدية وسط المسرح نحوه كأنّه نجم الحفل.
خاطب زيتون الناس بلسان حالهم في كلمات أغانٍ انطبعت في ذاكرتهم «مش عم تظبط معي» و«خلص استحي» و«قدا وقدود». وفي هذه الأخيرة قدم تحية إلى بيروت عندما استعمل مقطعاً منها «إيه بحبك إيه ودخلك يا ربى تحميلي ياها أنا معاها وشو ما صار عليها أنا قدا وقدود يا بيروت». فعلا التصفيق وصراخ الجمهور وهو يهتف فرحاً «بيروت بيروت».
وضمن لوحات غنائية منوعة انطبعت بديناميكته اللافتة وحماس جمهور لم يتعب من مواكبته غناءً وحركة مستمرة، وجد الحضور صعوبة في أن يشيح بنظره عن زيتون المتنقل على المسرح يميناً ويساراً. فوقوفه لأول مرة على خشبة مهرجانات «أعياد بيروت» أحدث شرارة من الحب والانسجام وصلت إلى حدّ الذّوبان بينهما.
وفي أغنيته الشهيرة «منو شرط» بلغت نسبة الحماس أوجها بين الحضور الذي التزم الصّمت وهو يستمع إلى صوته الصادح في بدايتها وليتغير المشهد كلياً عند مقطع «انت ياللي بعشق فيك كل شي بتكرهي حتى نقصك كامل عندي بشوف حالي فيه»، لتقوم الدنيا ولا تقعد إلى حين انتهائه من إنشادها. وفي نهاية الحفلة وعكس زملائه الذين سبقوه على الخشبة نفسها، قلب ناصيف معادلة تقديم الأغنية الوطنية في مستهلها لينشد «بكتب اسمك يا بلادي» لإيلي شوري مهدياً إياها لبلده سوريا وليرسم معها مسك ختام سهرة لا تُنسى من سهرات بيروت الصيفية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».