* مرّ المشهد الليبي خلال العقد الماضي، بمحطات متعدّدة من المبادرات والمسارات بقيادة الأمم المتحدة لحل أزمة الانقسام السياسي والعسكري، لكن مآل هذه المبادرات انتهى بحسب متابعين والوضع القائم إلى «لا شيء».
فمنذ سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، تشهد ليبيا انقسامات يغذيها انتشار الجماعات المسلحة ذات الولاءات المتغيرة. وعلى الرغم من أن بعض المبعوثين الأمميين، الذين تعاقبوا على ليبيا، امتلك رصيداً من الخبرة السياسية في إدارة مثل هذه الأزمات، فإن استحضار التجارب لم يكن كافياً لإنقاذ مبادراتهم في البلاد، ووضع حد لدوامة الانقسام السياسي والعسكري.
كانت بداية رحلة الليبيين الطويلة مع مسارات الحلول الدولية مع المبعوث الأممي الأسبق برناردينو ليون (إسباني)، الذي ساهم في جمع غالبية الأفرقاء السياسيين لتوقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وغادر منصبه وسط جدل حول الاتفاق الذي أنتجه.
وبعد رحيل ليون عن منصبه، ورث خلفه المبعوث الأممي مارتن كوبلر (ألماني) «الجدل» القائم، إلا أنه تمكّن من تحقيق خطوة محدودة على طريق تطبيق «اتفاق الصخيرات»، حين بدأ المجلس الرئاسي لـ«حكومة الوفاق» برئاسة فائز السراج، في شغر الفراغ الحكومي في مارس (آذار) عام 2016، إلى جانب استحداث المجلس الأعلى للدولة كغرفة برلمانية ثانية.
بعدها، في فترة ولاية المبعوث الأممي الأسبق الدكتور غسان سلامة (لبناني)، ورغم استمرار الانقسام السياسي والعسكري في البلاد، حدث تقدّم ملموسٌ في ملفات المصالحة والحوار، وإجراء تعديلات على «اتفاق الصخيرات». لكن الحرب على العاصمة الليبية (2019 - 2020) لم تُمهل سلامة لتفعيل خطته؛ إذ كان يسعى إلى عقد «مؤتمر جامع» للأفرقاء الليبيين بمدينة غدامس، لكن المعركة التي شنها «الجيش الوطني الليبي» على طرابلس أطاحتها. ومع نزع فتيل «حرب العاصمة» طرابلس جاءت استقالة سلامة المفاجئة في مارس 2020 لـ«أسباب صحية»، مخلّفة مبادرة بمسارات اقتصادية وعسكرية وسياسية، وانطباعاً جاهر به عن «فساد الطبقة السياسية في ليبيا».
وهنا وصلت ملفات الأزمة الليبية إلى حقيبة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز، التي عُيّنت نائبة رئيس البعثة، ثم رئيسة للبعثة عام 2020، قبل أن يختارها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مستشارة له للشأن الليبي في أواخر 2021.
لقد كانت نقطة التحول المهمة في مرحلة وليامز هي رعاية الأمم المتحدة «ملتقى الحوار السياسي الليبي» في جنيف، الذي انتخب محمد المنفّي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً للوزراء، وكان من المقرّر أن تجرى على أثره انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، قبل إلغائها.
لم تستسلم وليامز أمام الإخفاق في عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بل طرحت مبادرة في مارس 2022 تقضي بتشكيل لجنة من ستة أعضاء من مجلس النواب، ومثلهم من «المجلس الأعلى للدولة»، غير أن الصراع السياسي عطّل مخرجاتها بالتوافق على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
كذلك، لم يكن المبعوث الأممي التالي، السنغالي عبد الله باتيلي، أفضل حظاً من سابقيه، حين باءت بالفشل دعوته الأطراف الخمسة الكبار في ليبيا إلى حوار سياسي بين الأطراف الرئيسة في الأزمة، وتحديداً في منتصف نوفمبر 2023. دعوة باتيلي شملت، حينذاك، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس «المجلس الأعلى للدولة» محمد تكالة، والدبيبة، بالإضافة إلى قائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي. ويبدو أن باتيلي أدرك وصول مهمته إلى «طريق مسدودة»، فآثر هو أيضاً الاستقالة بعد سنة ونصف السنة من تحركات في حلقة مفرغة بين الأفرقاء الليبيين، تاركاً مهامه إلى نائبته ستيفاني خوري، التي طرحت بدورها مبادرة حل سياسي في ديسمبر الماضي.
الآن، بانتظار مآلات مبادرة خوري، لا تزال تقديرات المتابعين في حيرة بين تفسيرين لهذا الإخفاق الأممي: أولهما هو افتقاد الآليات التي يمكن من خلالها التعاطي مع تأزم الموقف في ليبيا... والآخر أنها مقيدة بتكليفها من قِبل مجلس الأمن؛ ما يجعل دورها قاصراً على ممارسة أدوار الوساطة بين أطراف الأزمة، وفق رأي «مركز المستقبل للدراسات».