«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

ضرب في 3 دول بقارتين خلال يوم واحد لإثبات الوجود

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
TT

«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)

تكبد «داعش» التنظيم الإرهابي الأكثر دموية خلال السنوات الماضية، خسائر هائلة في سوريا والعراق أخيراً بسبب هجمات التحالف الدولي وجيوش الدول، وهذه الخسائر أضحت تهدد «خلافته المزعومة»، لذلك لجأ إلى «عمليات خاطفة» في 3 دول مختلفة هي «باكستان، وسوريا، وكندا» في قارتين خلال يوم واحد فقط، كمحاولة لإثبات الوجود وأنه باقٍ ويتمدد.
يقول خبراء عسكريون واستراتيجيون، ومختصون في الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد «داعش» في أكثر من قارة ليشعر الإعلام أنه موجود، وأنه لم يندثر، وأنه يخرج من مناطق تمركزه في العراق وسوريا لمناطق خارجية. لكن الخبراء أكدوا أيضاً «أننا أمام تمددات عسكرية سريعة ومتلاحقة تتمثل في مجموعات قتالية منفردة تأخذ القرار أحياناً بشفرة عن بُعد، أو بشفرة كلامية، أو بعملية نُفذت في منطقة أخرى... ومن المتوقع أن تكون هناك عمليات أخرى قادمة في الطريق».
- بيانات متتالية
ففي بيانات متتالية عبر حسابات التنظيم الإرهابي على تطبيق «تليغرام»، أعلن يوم 25 يوليو (تموز) الحالي تبنيه مسؤوليته الهجوم الانتحاري الخاص بصدم دراجة نارية لمركبة تابعة للشرطة قرب مركز اقتراع، وقتل انتحاري 29 شخصاً على الأقل بمدينة كويتا الباكستانية.
والبيان التالي كان بشأن سوريا، حيث تبنى التنظيم هجوماً استهدف محافظة السويداء في الجنوب، أوقع أكثر من 100 قتيل. والثالث كان تبنيه تنفيذ إطلاق النار في مدينة تورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا، وتسبب ذلك في مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين بجروح.
ويقول مراقبون إن «تلك الأعمال متوقعة من التنظيم، خصوصاً وأن (داعش) منذ بداية ظهوره عام 2014 وهو يركز على العمليات خارج حدود الأماكن التي يسيطر عليها، وعمل على ذلك منذ أن بدأ يضربه التحالف العربي على حدوده، فاعتمد استراتيجية (التأمين الحدودي)، وهي تقوم على ضرب الأذرع الخارجية، حتى يخف من الضغط على الأماكن المسيطر عليها».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تمدد (داعش) في أكثر من قارة، ليشعر الإعلام أنه موجود؛ لكنه في الحقيقة ينحسر ويختفي».
بينما أكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «إعلان تبني العمليات الثلاث في يوم واحد تأكيد (مزيف) على وجوده وأنه لم ينتهِ»، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في تلك «العمليات الخاطفة» فهي تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً.
ويرجح خبراء أيضاً نزوح مقاتلي تنظيم داعش إلى بلاد المغرب العربي، بحثاً عن ملاذ آمن، وهرباً من هزائم سوريا والعراق. مؤكدين أن عدد مقاتلي «داعش» القادمين من بلاد المغرب يتراوح بين ثمانية آلاف وأحد عشر ألف مقاتل... وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المستهدفة لتمركز أعضاء التنظيم، بما يشكل تحدياً أمنياً كبيراً للجزائر وللدول الأوروبية التي تتاخمها، ويُلقي بالمخاوف في قلوب تلك الدول الأوروبية بسبب انطلاق محتمل لموجات الهجرة، وطلب اللجوء إذا ما تمكن التنظيم الإرهابي من فرض سيطرته على مناطق من الجزائر.
وقال المراقبون إن «التنظيم ليس له مخرج الآن في ظل الخسائر المتكررة وفقدان الأراضي التي كان يستولي عليها، سوى الفرار بعناصره الباقية، والبحث عن أراضٍ جديدة في أي مكان لالتقاط الأنفاس».
- أجيال «داعش»
من جانبه، أوضح عبد المنعم، أن «داعش» فكرة، فالدول تستطيع ضرب الجزء العسكري؛ لكن الأفكار لا تموت، والإرهاب فكرة، ومواجهته بتحصين العقول.
وأضاف، أن الأفكار التي تكونت عند «داعش» خلال الثلاث سنوات الماضية، اعتمدت على صناعة جيل مكون من نساء ورجال وأطفال وشباب، الذين يتعاملون مع القضية (الجهادية) من خلال آيديولوجية... وهذا الجيل تم عمل إعداد له في مناطق الصراع، و«داعش» يستخدم آليات جديدة منذ عامين كانت غير متوفرة أو غير منتشرة بين التيارات (الجهادية) الأخرى، منها، الذئاب المنفردة، والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «المنفردين»، ويحاول أن يبث التنظيم الرعب بهذه الذئاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، وإطلاق الشائعات في المجتمعات المنفتحة الكبيرة، مثل إشاعة «حدوث انفجار كبير في أحد الأماكن العامة ليدخل الرعب في نفوس الغربيين - أي العدو - من وجهة نظر الدواعش».
وحذر الخبراء من خطورة مراوغة تنظيم داعش الإرهابي الآن، والقيام بعمليات إرهابية في دول كثيرة من العالم عن طريق «الذئاب المنفردة» التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.
- «ذئاب الدواعش»
«الذئاب المنفردة» هو تعبير يقصد به تحول شخص أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود أي رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
المراقبون قالوا أيضاً إن «الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ لكنهم ينفذون هجمات مسلحة بدوافع عقائدية، سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة، أو بالطرق البدائية مثل سكين المطبخ أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات.
وقال اللواء قشقوش، يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال شبكة الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على استراتيجيات التنظيم والأهداف التي يضعها بهدف شن هجمات إرهابية، ويكمل توفر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت مهمة تدريب أفراد «الذئاب المنفردة» من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح، وغيره من التدريبات العسكرية التي تحول هؤلاء الأشخاص لمنفذين ماهرين.
- رسالة العدناني
يشار إلى أن الناطق باسم تنظيم «داعش» أبو محمد العدناني دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح متاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيميا.
وأضاف عمرو عبد المنعم: «نجد أن هذه العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً، وهو يستخدم حالياً النساء والأطفال وكبار السن، ويستخدم الوسائل غير التقليدية».
لافتاً إلى أن «داعش» ينحصر ولا يموت، وهذه لعبة سياسية تستخدمها القوى الكبرى، التي تستطيع أن تقضي على التنظيم بسهولة؛ لكن تُبقى التنظيم في أماكن بسوريا والعراق وليبيا، ليكون فزاعة للعالم العربي وبعض القوى الأخرى.
موضحاً أنه لا بد أن نقرأ انحسارات «داعش» وتمدده في إطار الآليات الفكرية لهذا التنظيم، ولا نقرأها من المنظور العسكري البحت... وحالياً موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ضرب الكثير من الحسابات التابعة لـ«داعش»، وأيضاً على «فيسبوك»، و«تليغرام» هناك مشروعات لضرب حسابات «داعش» وبدأ ينحسر في بعض المناطق، وبالتالي كل هذا سوف ينعكس على الأرض.
- تجنيد إلكتروني
حذر الخبراء في هذا الصدد أيضاً من أن «داعش» عقب هزائمه على الأرض بات يسعى لإقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين.
وقال صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تركيز داعش على تبني الهجمات في الدول أخيراً تتماشى مع تكثيف وتيرة الهجمات من قبل المتعاطفين معه». لافتاً إلى أنه يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«تليغرام» لتدبير الهجمات الإرهابية، وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي بلغة مفهومة لهم، وغالباً تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة، مضيفاً: أن عناصره يلجأون إلى حصول المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت، حيث إن 80 في المائة من مخزونهم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
في غضون ذلك، حذرت تقارير عالمية من أن استراتيجية «النكاية والإنهاك»، التي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي، تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، خاصة مع صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة، وأماكن اختفائهم والأماكن المستهدفة بالعمليات الإرهابية، وهو ما يسبب وقوع الكثير من العمليات الإرهابية التي تهز كيان الدول وتضرب استقرارها وتهدد مواردها الاقتصادية، وتدفع الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى الهرب خوفاً من التعرض لتلك العمليات. وأكد الخبراء، أن لجوء «داعش» إلى هذه الاستراتيجية يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.


مقالات ذات صلة

تركيا اتفقت مع الأردن والعراق وسوريا على «تحالف رباعي» ضد «داعش»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال ندوة حول المرحلة الانتقالية في سوريا ضمن مؤتمر ميونيخ للأمن بحضور وزير الخارجية في الإدارة السورية أسعد الشيباني (الخارجية التركية)

تركيا اتفقت مع الأردن والعراق وسوريا على «تحالف رباعي» ضد «داعش»

اتفقت تركيا والأردن والعراق وسوريا على آلية للتعاون المشترك ضد تنظيم «داعش» ترمي أنقرة من خلاله إلى تحقيق هدف آخر يتعلق بوقف الدعم الأميركي للوحدات الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر يتحدث للصحافة حول هجوم الطعن في فيلاخ... الأحد (د.ب.أ)

النمسا تحت الصدمة غداة «هجوم داعشي» نفذه لاجئ سوري

خيَّمت أجواء من الصدمة في النمسا، الأحد، غداة هجوم بسكين نفّذه طالب لجوء سوري في فيلاخ بجنوب البلاد، وأودى بفتى وجرح 5 أشخاص آخرين، في حين أعلن وزير الداخلية…

«الشرق الأوسط» (فيينا)
آسيا قوات من «طالبان» خلال دورية بالقرب من بوابة الدخول إلى «مطار حميد كرزاي الدولي» في كابل بأفغانستان يوم 31 أغسطس 2021 (رويترز)

تقرير أممي: كابل تواصل تقديم الدعم اللوجيستي والمالي لحركة «طالبان» الباكستانية

كشف تقرير صادر عن فريق الدعم التحليلي للأمم المتحدة عن أن كابل مستمرة بتقديم الدعم اللوجيستي والمالي لـ«طالبان» الباكستانية؛ مما يؤدي لزيادة الهجمات الإرهابية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - إسلام آباد - كابل)
أوروبا شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

قتيل و4 جرحى طعناً بهجوم «إسلاموي» في النمسا

قُتل فتى في الـ14، وجُرح 4 أشخاص آخرين طعناً، في هجوم في جنوب النمسا، السبت، على ما أفادت الشرطة التي أوقفت طالب لجوء سورياً، يبلغ 23 عاماً.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
المشرق العربي رئيس إيمانويل ماكرون يتحدث مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلال المؤتمر الدولي حول سوريا في مركز المؤتمرات الوزاري بباريس (إ.ب.أ)

مؤتمر باريس لدعم سوريا مستعد للكثير مقابل تعهدات وضمانات

مؤتمر باريس لدعم سويا مستعد للكثير ولكن مقابل تعهدات وضمانات وفرنسا ستعيد فتح سفارتها في دمشق وماكرون يؤكد استعداد بلاده للمساعدة في الحرب على الإرهاب.

ميشال أبونجم (باريس)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».