محطات على طريق الشقاق والوفاق

محطات على طريق الشقاق والوفاق
TT

محطات على طريق الشقاق والوفاق

محطات على طريق الشقاق والوفاق

في الطريق الممتدة بين شقاق دام لسنوات طويلة، ووصولاً إلى الوفاق بين إثيوبيا وإريتريا، تظهر محطات بارزة لأحد أطول وأقدم الصراعات في تاريخ أفريقيا الحديث، وبخاصة أنها كانت طريقة مُعبدة بدماء أكثر من مائة ألف قتيل... وهذه هي أشهر تضاريسه:

1961: بدأت الشرارة الأولى لحرب استمرت نحو ثلاثين سنة، رفعت فيها أسمرة لواء الاستقلال عن أديس أبابا واستخدمت أدوات المقاومة المسلحة التي قادتها «جبهة التحرير الإريترية»، في حين استماتت إثيوبيا دفاعاً عن منفذ حيوي واستراتيجي وبحري مهم، وشهدت سنوات السبعينات تطورات دامية تنوعت بين الكر والفر، وخلفت موجة من فرار الإريتريين من بلادهم جراء تلك المواجهات.

1991: باتت المساعي الإريترية للاستقلال قريبة من التحقق بعد سقوط نظام الزعيم العسكري الإثيوبي منغيستو هايله مريام الإثيوبي، وذلك بعدما أسفرت التفاعلات الداخلية الإثيوبية عن تمكن «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية» من إدارة البلاد بعد فرار منغيستو، وشهد العام نفسه التوصل إلى اتفاق بين البلدين لحل المشكلات العالقة، باستثناء مسألة الاستقلال.

1993: نظمت الأمم المتحدة و«جبهة تحرير إريتريا» استفتاءً على الاستقلال عن إثيوبيا، وجاء أغلبيته الكاسحة لصالح الاستقلال، وبموجب اعتراف أممي نالت استقلالها.

1998: عادت إلى الواجهة من جديد الخلافات بين أديس أبابا وأسمرة، لكن هذه المرة لم تكن بشأن معركة الاستقلال التي حسمت، بل كانت صراعاً حدودياً على «مثلث بادمي» على الحدود المشتركة. وعادت المواجهات المسلحة بين الجارتين اللدودتين، ودخلت على خط التهدئة قوى أممية ودولية وقارية، لكن رغم جهود التوصل على محاولات التهدئة ووقف القتال، فإن مشكلات الحدود المتنازع عليها لم تتوقف، وكذلك الاشتباكات وإن تراوحت قوتها.

2000: في مايو عادت المواجهات للاشتعال من جديد، غير أنه تم توقيع اتفاق بالجزائر في يونيو من العام نفسه. وكان يقضي بتحقيق السلام الشامل، برعاية قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، تعمل على إرساء الاستقرار في المنطقة المتنازع عليها، كما أمكن التوصل إلى اللجوء للتحكيم الدولي لتسوية النزاع الحدودي، رفضت أديس أبابا نتائجه، كما سحبت الأمم المتحدة قواتها في عام 2008.

2016: تبادلت إريتريا وإثيوبيا القصف على الحدود المتنازع عليها، لكن سرعان ما تم احتواء الوضع وتهدئة الموقف بعد سقوط مئات الجنود ضحايا.

أبريل 2018: رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبيي أحمد يعلن رغبة أديس أبابا في إنهاء النزاع وإحلال السلام بين البلدين.

يونيو 2018: تبادلت إريتريا وإثيوبيا الاتهامات ببدء اشتباكات محدودة بين جنود الطرفين في منطقة حدودية.

يوليو 2018: تبادل رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد والرئيسي الإريتري أسياس أفورقي الزيارات الثنائية، وأعلنا رغبة مشتركة توجت بإعادة افتتاح سفارة لأسمرة في أديس أبابا. وكذلك سحبت إريتريا قواتها من مناطق التوتر. ووقع زعيما البلدين إعلاناً مشتركاً للسلام والتعاون.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.