«حماس» تستنفر وتحتفظ بالرد على القصف الإسرائيلي «في الوقت المناسب»

«اتصالات صعبة» و«تهديدات» بعد مقتل 3 من «القسام»... وعباس كامل يتحدث إلى هنية

عامل كهرباء يتفحص الأضرار التي أحدثها القصف الإسرائيلي لأحد نقاط المراقبة التابعة لـ«حماس» (أ.ف.ب)
عامل كهرباء يتفحص الأضرار التي أحدثها القصف الإسرائيلي لأحد نقاط المراقبة التابعة لـ«حماس» (أ.ف.ب)
TT

«حماس» تستنفر وتحتفظ بالرد على القصف الإسرائيلي «في الوقت المناسب»

عامل كهرباء يتفحص الأضرار التي أحدثها القصف الإسرائيلي لأحد نقاط المراقبة التابعة لـ«حماس» (أ.ف.ب)
عامل كهرباء يتفحص الأضرار التي أحدثها القصف الإسرائيلي لأحد نقاط المراقبة التابعة لـ«حماس» (أ.ف.ب)

أبقت حركة حماس على استنفار عام في صفوف مقاتليها في قطاع غزة، متعهدةً بالردِّ على قتل إسرائيل 3 من عناصرها، في قصف استهدف مجموعة من «كتائب القسام» يوم الأربعاء، ردّاً على قنص جندي إسرائيلي على الحدود، وذلك على الرغم من جهود تثبيت وقف إطلاق النار وإعلان الفصائل الفلسطينية الأخرى التزامها التهدئة.
وقال القيادي في حماس خليل الحية، إن «المقاومة سترد على جرائم الاحتلال بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب وفي المكان المناسب، بما يحقق لشعبنا الحرية ورفع الحصار». وأضاف الحية خلال تشييع 3 من عناصر «القسام»: «من حقنا الرد على جرائم الاحتلال وقتله المتعمد لأبناء شعبنا»، وتابع: «قادرون على أن نردَّ الصاع بمثله».
وجاءت تصريحات الحية على الرغم من الجهود المصرية وجهود مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف، من أجل تثبيت وقف إطلاق نار جديد.
وبخلاف المرات السابقة، لم تعلن «حماس» العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار، في مؤشر واضح على اتصالات معقَّدة هذه المرة.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن الحركة رفضت التجاوب مع الوساطات في بداية الأمر، وسط غضب شديد على تعمد إسرائيل خرق وقف إطلاق النار في كل مرة، وقتلها عناصر من «حماس».
وتعهَّدت «حماس» بالردِّ على قتل 3 من عناصرها، جاء بعد قليل من إعلان «كتائب القسام»، الجناح العسكري للحركة، حالة «الاستنفار القصوى» في صفوفها. وقالت الكتائب في بيان، إنها «تعلن عن رفع درجة الجهوزية للدرجة القصوى، واستنفار جميع جنودها وقواتها العاملة في كل مكان، بعدما أقدمت قوات الغدر الصهيونية مساءً على قصف نقطة لمجاهدي قوة حماة الثغور». وأضافت «القسام»: «ليعلم العدو بأنه سيدفع الثمن غالياً من دمائه، جراء هذه الجرائم التي يرتكبها يومياً بحق شعبنا ومجاهدينا». ودعت «كتائب القسام» في بيانها: «جميع فصائل المقاومة، من خلال الغرفة المشتركة التي نحن جزء منها، إلى رفع الجهوزية والاستنفار للدرجة القصوى».
وكانت إسرائيل قتلت عناصر «القسام»، في قصف شرق غزة: «ردّاً على إطلاق نار من القطاع باتجاه جنود إسرائيليين».
وقال الجيش الإسرائيلي، إنه استهدف «مواقع عسكرية لحماس» بعدما أصيب جندي إسرائيلي بجروح متوسطة، في حادثة إطلاق نار على حدود غزة قرب «كيسوفيم».
وردّاً على الهجوم الإسرائيلي، أطلق فلسطينيون، صباح أمس، 9 قذائف، سقطت ثمانية منها في مناطق غير مسكونة، فيما أسقط نظام القبة الحديدية الصاروخ التاسع.
وجاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، بعد توجيهات صادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إن إسرائيل تخوض معركة «اختبار إرادة» مع «حماس»، وسوف تقوم بما هو ضروري لحماية مواطنيها.
وكان نتنياهو أجرى، في وقت متأخر الأربعاء، مشاورات أمنية حول الأوضاع في محيط قطاع غزة، شارك فيها كل من وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، ورئيس هيئة الأركان الجنرال غادي ايزنكوت، ورئيس جهاز الشابك نداف ارغمان، ومسؤولون من الأمن القومي.
وقال وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، إن إسرائيل على وشك عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة. وأضاف عضو المجلس الوزاري المصغر، أمس: «لا يوجد حل مثالي مع غزة يُسهِم في تغيير الواقع الحالي، ولذلك فإننا نقترب من معركة واسعة النطاق مع حركة (حماس)».
وتابع أردان خلال مقابلة مع إذاعة «كان» الإسرائيلية، «إن لم تفهم (حماس) هذا من خلال موجات الهجمات الأخيرة، التي توقفت بسبب وسائل سياسية، سوف نضطر إلى العودة لعملية عسكرية لن تتوقف حتى يدفعوا الثمن نفسه الذي دفعوه في عملية (الجرف الصامد)، وحتى أكثر من ذلك».
واتفق الوزير وعضو المجلس الأمني المصغر يوفال شتاينتس، مع أردان، وحذر من «جولات عنيفة». وقال شتاينتس: «في الفترة الأخيرة وقف إطلاق النار غير مستقر، لكن بتقديري، ستكون هناك جولات عنيفة أخرى حتى نصل إلى أحد حلَّين: أما وقف إطلاق نار وتسوية اقتصادية إنسانية، أو التدهور وعملية عسكرية واسعة».
وعلق شتاينتس على التهديد الذي أطلقته «كتائب القسام» قائلاً: «نحن غير معنيين بالحرب، لكننا بالطبع لن نرتدع، تهديدهم لا يثيرني بشكل خاص. أعتقد أنه من جهة في (حماس) يفهمون بأنهم تعرضوا لضربات، وسوف يتلقون ضربات أخرى أكثر قوة. هم دائما يهددون، لكنهم خائفون ويشعرون بالتهديد». وحول إمكانية إطلاق إسرائيل عملية عسكرية واسعة، قال: «إن لم يكن هناك مفر، إذن نعم، سوف نخرج إلى عملية كبيرة، سترافقها ضربات شديدة لحماس وباقي منظمات المخربين هناك. لكن آمل أن نتجنب هذه الإمكانية».
أما عضو المجلس المصغر الوزير يسرائيل كاتس، فهدد «حماس» قائلاً: «في وسعنا تدمير غزة لو أردنا ذلك». ومع تصاعد وتيرة التهديد بين الطرفين، وصل إلى قطاع غزة، أمس، مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، والتقى فوراً، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية. وقالت مصادر في «حماس» إن «الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة سيطر على اللقاء». ولم يعلن ميلادينوف أو هنية بعد اللقاء عن الوصول إلى أي اتفاق. لكن زعيم «حماس»، تلقى، بعد ذلك، اتصالاً من رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، الموجود في واشنطن وبحث مع مسؤولين أميركيين هناك وضع غزة الإنساني. وطلب كامل من هنية تجنيب القطاع حرباً جديدة. وقالت مصادر إن الأمور تسير نحو تثبيت تهدئة جديدة.
وأعلنت الفصائل الفلسطينية لاحقاً، التزامها باتفاق التهدئة التي وقعتها في القاهرة عام 2014 برعاية مصرية، مشدّدة على حق الشعب ومقاومته في الدفاع عن نفسه في مواجهة عدوان الاحتلال.
وحملت الفصائل في بيان تلاه القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش الاحتلال الإسرائيلي، مسؤولية اختراقه لاتفاق التهدئة 2014 والتداعيات المترتّبة على عدوانه.
لكن «حماس» لم تكن جزءاً من هذا الإعلان. والتصعيد الحالي هو الثاني بعد 5 أيام فقط.
ونجحت مصر الأحد الماضي في منع حرب جديد في قطاع غزة، بعدما كانت إسرائيل على وشك إطلاق عملية عسكرية هناك، ردّاً على قتل جندي لها على الحدود.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.