الفيلسوف الفرنسي آلان باديو يدعو إلى تشكيل «بروليتاريا مترحلة»

يعتقد أن الرأسمالية المعولمة خلقت تقسيمات طبقية عالمية جديدة

الفيلسوف الفرنسي آلان باديو يدعو إلى تشكيل «بروليتاريا مترحلة»
TT

الفيلسوف الفرنسي آلان باديو يدعو إلى تشكيل «بروليتاريا مترحلة»

الفيلسوف الفرنسي آلان باديو يدعو إلى تشكيل «بروليتاريا مترحلة»

ما السبب الحقيقي وراء كل ذلك العنف الذي يتخذ شكل القتل الجماعي وبطريقة درامية ومتفننة في قتل الناس والتنكيل بهم؟
للجواب على هذا السؤال أصدر الفيلسوف الفرنسي المعاصر آلان باديو كتابا بعنوان: «شرنا يأتي مما هو أبعد، التفكير في مذبحة نوفمبر (تشرين الثاني)» وهو في الأصل محاضرة مذاعة على اليوتيوب، وقد قام بترجمتها إلى العربية الدكتور محمد هاشمي وأصدرته مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» سنة 2017، وهو مذيل بحوار مع آلان باديو بخصوص الموضوع.
ما الأطروحة التي يدافع عنها آلان باديو؟ وكيف يقارب موضوع العنف المستشري في كل بقاع العالم؟
بداية يقدم لنا الفيلسوف تصوره لبنية العالم المعاصر كالآتي:
لا نزاع حول الانتصار الهائل للرأسمالية المعولمة، فهي عادت إلى طاقتها الأولى وحيويتها التي توقفت جراء الكبح الشيوعي. وهذه الرأسمالية أصبحت كبنية ضخمة تشتغل بمنطق كاسح وتتجاوز منطق الدول لتدار بمنطق العصابات، فالعالم بات يعج بالشركات العابرة للقارات التي أصبحت كوحوش ساحقة ورساميل بعضها يتفوق على الدول، وغدت في كثير من الأحيان عائقا نحو الاستثمار وجنوح الرأسمال، مما جعل البنية الرأسمالية تعمل على إضعاف وإهلاك الدول وإفشالها لترك سريان الاجتياح والالتهام يشتغل دونما قيود. بل والأكثر من ذلك فهي أصبحت تسعى نحو التدمير المنهجي لكل التدابير ذات الأبعاد الاجتماعية وكل الإجراءات التي تصب في الخير العمومي.
يؤكد آلان باديو على أن: «منطق رأس المال أصبح منفلتا» فـ«الليبرالية قد تحررت» خلال الثلاثين سنة الأخيرة، ونحن نتفرج ونقف مكتوفي الأيادي. فحتى الشيوعية التي كانت تعد بديلا أصبحت من الهوان والمرض إلى درجة الخجل من ذكر اسمها، بل هي محرمة على المستوى العام.
إن الرأسمالية بمخالب شركاتها أصبحت قادرة على تمزيق الدول وشل كل مقاومة محتملة وجعل كل شيء سلعة وبيع وشراء فحتى «داعش» كانت مجرد قوة تجارية بالنسبة لها، فهي تبيع في النفط والقطن.
إن هذه الرأسمالية المعولمة صنعت لنا بحسب الفيلسوف تقسيمات طبقية عالمية جديدة وهي:
أولاً: طبقة «أوليغارشية» قليلة العدد وتسيطر على النسبة الكبرى لثروات العالم وهي المحركة لبنية الاكتساح وهي جشعة ومتوحشة وتستعمل كل الوسائل للحفاظ على مصالحها.
وثانياً: طبقة متوسطة ينعتها بالذات الغربية وهي تتقاسم الفتات من ثروات العالم أي نسبة 14 في المائة وهي المتمركزة في أوروبا وبعض البلدان النامية وهي معتدة بنفسها وفي الوقت نفسه تعيش خوفا من ضياع ما لديها، إذ تقتطع منه الأوليغارشية كل مرة، ناهيك على تشبثها بآيديولوجيات تبريرية لضمان لقمة عيشها القليل ولكن الأمن. إلى حد أن الديمقراطية بحسب الآن باديو لم تعد سوى إدارة خوف هذه الطبقة.
وثالثاً: نجد الحشود الهائلة من البشر والتي لا مكان لها في العالم الرأسمالي الجديد، لأنها لا هي من فئة الإجراء ولا من فئة المستهلكين، فهي خارج السوق العالمية، هذه الحشود تنقسم بدورها إلى ذاتين هما: ذات راغبة في الغرب وتتوق إليه وتشتهي التملك والمشاركة في كل ما يعرض من مغريات وصور في كل الأمكنة للرخاء الرأسمالي، وذات عدمية انتقامية ومدمرة، عجزت عن الحصول على ما لدى الغرب فانقلب الحب كرها وحقدا وحسدا.
إذن بحسب الفيلسوف الآن باديو، ليس الإسلام هو سبب العنف والتفجيرات والمذابح التي نراها في العالم، بل هي سلوكات تعبر عن الرغبة في الانتقام من السيطرة الرأسمالية العاملة على الإقصاء ووضع الملايين من البشر خارج النعيم الاستهلاكي. أما الإطار المقدس والنزعة الماضوية فهو غطاء آيديولوجي يوظف لتبرير القتل.
فما المخرج من هذه القبضة المحكمة للرأسمالية المعولمة؟ يقترح الآن باديو حلا والمتمثل في ضرورة تشكيل بروليتاريا مترحلة تجمع كل العاملين والمثقفين بالكون وتعمل بنفس منطق الرأسمالية الحالي وهو العبور في كل القارات، مجتهدة في خلق مقاومة وبدائل تصب في الخير العام ليستفيد كل البشر من ثروات المعمورة، وهو ما يوفر على البشرية الكثير من الألم والعذاب.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».