مدينة شفشاون المغربية... الجوهرة الزرقاء

تعانق الجبال وتتجمل بالفنون

ساحة «وطاء الحمام» المفضلة لدى السياح
ساحة «وطاء الحمام» المفضلة لدى السياح
TT
20

مدينة شفشاون المغربية... الجوهرة الزرقاء

ساحة «وطاء الحمام» المفضلة لدى السياح
ساحة «وطاء الحمام» المفضلة لدى السياح

كثُر الحديث عن مدينة شفشاون أو «الشاون» المغربية في السنوات الأخيرة، وانتعشت سياحتها. السبب أنها لم تعُد سراً لا يعرفه سوى قلة من الناس، بعد أن تغنى الشعراء والمغنون بجمالها، وبعد أن احتلت المركز السادس ضمن أجمل مدن العالم. حتى المغاربة لم يكونوا يعرفون عنها الشيء الكثير منذ أكثر من عقد من الزمن، ثم جاء المغني نعمان لحلو فغنى أغنيته الشهيرة «شفشاون يا النوارة»، أي «يا وردة»، في فيديو كليب صُور في أزقتها وبين بيوتها ليفتح عيونهم على سحرها وجاذبيتها.
والحقيقة، أن السفر إليها، تجربة فريدة تُغذي كل الحواس. فهي بمثابة لوحة فنية مرسومة باللونين الأزرق والأبيض، من جدران البيوت والبنايات والشوارع، مروراً بالأبواب والنوافذ والسلالم، وصولاً إلى أعمدة الكهرباء والمزهريات التي تزين أبواب البيوت. وعندما يمتزج الأزرق بلون السماء ومياه شلالاتها العذبة فإن السحر يكتمل ويجد الزائر نفسه مرتمياً في أحضانها لا يريد أن يفارقها.
تقول الروايات، إن لونها الأزرق يعود إلى أن الأندلسيين والموريسكيين الذين نزحوا إليها من الأندلس بعد تعرضهم للتطهير الديني والعرقي ضد غير المسيحيين. أرادوا أن يكون هذا اللون رمزاً للسلام والتسامح، ولم يكونوا يعرفون أنهم بهذا ساهموا في لقبها الحالي بـ«الجوهرة الزرقاء».
لكن سحرها لا يقتصر على لونها فحسب، فهي تشتهر أيضاً بهدوئها وبطيبة أهلها الذين ورغم اختلاطهم بالسياح من جميع أرجاء العالم، مُتشبثون بطبيعتهم الجبلية الأصيلة، سواء في معاملاتهم مع الغير أو في أزيائهم أو أسلوب حياتهم البسيط. فمما يزيد من روعة المشهد فيها أن الأزقة الجبلية المتفرعة في جميع أنحاء المدينة الصغيرة لا تخلو من النساء «الجبليات» اللواتي يرتدين الزي الجبلي التقليدي الخاص بالمنطقة، وهو عبارة عن قبعة تقليدية واسعة من القش مزيّنة بالألوان، وثوب أبيض مخطط بالأحمر يتم لفه حول الخصر، وآخر ملون يوضع فوق الأكتاف. أزياء الرجال أيضاً مثيرة للنظر؛ إذ يعتمدون جلباباً صوفياً بصنع يدوي مع قبعة تعتبر أساسية بالنسبة لأي «جبلي». وعادة ما يعرضون سلعاً محلية الصنع في الأزقة لكل راغب في تجربة وجبات عضوية بنكهة جبلية، أو إكسسوارات فضية أو من الطين وغيرها. ثم إن لطف وحسن المعاملة التي يتحلى بها أهل شفشاون نساء ورجالاً، سواء عند بيع معروضاتهم أو عند تقديم يد المساعدة للغرباء؛ الأمر الذي لا يُشعرهم بالغربة أو بأنهم في حاجة إلى الاحتياط أو الحذر، الذي يجب التسلح به في بعض المدن السياحية الكبيرة، لتجنب محاولات الاحتيال والنصب.

مراكز جذبها

أول سؤال يتبادر إلى ذهن أي مسافر، ما الأماكن التي عليه ألا يُفوّتها على نفسه؟ والجواب في هذه الحالة تحديداً، إن كل خطوة في شفشاون، سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة، متعة ومفاجأة سعيدة. كل ما يحتاج إليه زائرها أن يتمتع ببعض اللياقة البدنية التي تُمكنه من التجول في الأزقة، صعوداً وهبوطاً، بسبب طابعها الجبلي. غير ذلك، فإن المدينة تحمل بين أزقتها الكثير من المفاجآت البصرية الجميلة، سواء كانت باباً أم نافذة مزينة بالأزهار أم معالم تستحضر المعمار الأندلسي، مثل «سقايات» شرب الماء العذب من أعماق الجبال، التي انتبه أهل شفشاون إلى أهميتها في إضفاء الجمال على مدينتهم فأنشأوها وزيّنوها على الطريقة الأندلسية بالفسيفساء المغربي، وطبعاً باعتماد اللونين الأزرق والأبيض. في نهاية الطريق، صعوداً، سيصل السائح إلى قمة المدينة وأعلى نقطة فيها، تسمى «رأس الماء»، حيث يصب منبع من داخل الجبل على شكل شلال تتوسطه ساحة واسعة يمر منها الماء. ملاذ رائع للاستراحة من مشقة المشي تحيط به أشجار التين والكرز والزيتون.
وليس بعيداً عن «رأس الماء» يوجد جسر تعرض فيه النساء والرجال منتجات محلية الصنع، عبارة عن لوحات لرسامين محليين أو أزياء محلية، فضلاً عن إكسسوارات صغيرة للذكرى تصور المدينة بأشكال مختلفة.
لمحبي الفن التشكيلي أيضاً نصيب في شفشاون. فبين زقاق وآخر سيُصادفون ورشة للتشكيل جعلها فنانون تشكيليون ملجأ يُنفسون فيه عن فنيتهم. واللافت أن أغلبهم عاشق للون الأزرق، بحيث يجعلون من جدران البيوت القديمة أحياناً أرضية، أو بالأحرى كنفس لرسم لوحات تزيدها جمالاً وتميزاً. وقد تعدت جاذبيتها الفنانين التشكيليين إلى فناني الكاريكاتير، من المغرب وخارجه ممن اختاروها مقراً لاجتماعهم السنوي لهدوئها الذي يساعد على الإبداع.
غير بعيد عن نبع «رأس الماء» شيدت «القصبة» وهي النواة الأولى لشفشاون ومركزها الثقافي والفني. كانت في السابق مقراً لإدارة السجن والجيش والمخزن، حيث يحيط بها سور عالٍ تتوسطه عشرة أبراج شيدت على النمط الأندلسي، بينما هي اليوم فضاء لعرض منتجات الحرف التقليدية والحلي والخزف. وتضم حديقتها الكبيرة المزينة بحوضين كبيرين على النمط الأندلسي، متحف إثنوغرافي يعرض لوحات من تاريخ المدينة ولمحات من طريقة عيش سكانها عبر التاريخ.
ولا يمكن التحدث عن جولة في شفشاون دون زيارة ساحة «وطاء الحمام» التي تقع في مركز المدينة القديمة. فهي المكان المفضل للسياح، بمقاهيها ومطاعمها المُظللة بالأشجار والمقابلة للمسجد الأعظم، وديكورها الجبلي البسيط؛ الأمر الذي يبعث شعوراً مريحاً في نفوس الراغبين في الاستمتاع بملامح المدينة، الثابتة والمتحركة، وهم يحتسون كؤوس الشاي بالنعناع.
وسميت ساحة «وطاء الحمام» بهذا الاسم لأنها كانت قديماً مخصصة لمحال ومخازن حبوب الزرع، وبسبب ذلك كان يتخذ الحمام من الساحة موطناً له لالتقاط الحبوب. وتعد الساحة المكان الوحيد المنبسط وسط المدينة؛ إذ إن كل مكان في شفشاون عبارة عن منعرجات والتجول فيها لا يمكن أن يكون إلا صعوداً أو نزولاً.


مقالات ذات صلة

سفر وسياحة ملابس رائعة التصميم (إنستغرام)

كرنفال البندقية... تقليد سنوي وفرصة لكسر القيود الاجتماعية

في كل عام يقام كرنفال البندقية في مدينة البندقية Venice بإيطاليا، ويبدأ عادة قبل أسبوعين من «أربعاء الرماد» (أول يوم في الصوم الكبير في التقويم المسيحي)

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة إير تاغ مفيدة لتقصي مكان الحقيبة في أي وقت (الشرق الاوسط)

كيف تتعرف على حقيبة سفرك بسرعة؟

تشير آخر الإحصاءات بنسبة فقدان حقائب السفر إلى بلوغها نحو 7.6 في المائة لكل 1000 مسافر. لهذا السبب يحاول كثيرون تفادي هذه المشكلة من خلال اتباع أساليب مختلفة.

فيفيان حداد (بيروت)
عالم الاعمال رمضان استثنائي في «كورتيارد من ماريوت» الرياض

رمضان استثنائي في «كورتيارد من ماريوت» الرياض

يقدم فندق كورتيارد من ماريوت – الطريق الدائري الشمالي تجربة رمضانية لا تُضاهى، تجمع بين الأجواء الروحانية، والمأكولات الفاخرة، والخدمات الراقية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر (أدوبي)

يسافر أفراد «الجيل Z» أكثر من جيل طفرة المواليد رغم ادعائهم المتكرر أن البيئة تشكل أولوية قصوى

كشف استطلاع للرأي أجرته هيئة الطيران المدني في بريطانيا أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ينظرون إلى الأسعار المرتفعة باعتبارها أكبر عقبة أمام السفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كرنفال البندقية... تقليد سنوي وفرصة لكسر القيود الاجتماعية

ملابس رائعة التصميم (إنستغرام)
ملابس رائعة التصميم (إنستغرام)
TT
20

كرنفال البندقية... تقليد سنوي وفرصة لكسر القيود الاجتماعية

ملابس رائعة التصميم (إنستغرام)
ملابس رائعة التصميم (إنستغرام)

في كل عام يقام كرنفال البندقية في مدينة البندقية Venice بإيطاليا، ويبدأ عادة قبل أسبوعين من «أربعاء الرماد» (أول يوم في الصوم الكبير في التقويم المسيحي)، وينتهي الثلاثاء (اليوم الذي يسبق يوم «أربعاء الرماد»). وهذا العام بدأت الفعاليات التحضيرية في الـ14 من فبراير (شباط) على أن يبدأ المهرجان فعلياً في الـ22 من الشهر الحالي وحتى الرابع من مارس (آذار).

يشتهر هذا المهرجان كونه يشد السياح من كل بقاع العالم، ففيه لا تسقط الأقنعة، بل تُخفى الوجوه، وتتساوى النفوس؛ فقد كانت تستخدم قديماً لإخفاء هوية الأشخاص وتجاوز الفوارق الاجتماعية، مما يسمح للجميع بالمشاركة بحرية دون تمييز بين النبلاء والعامة.

مهرجان يشارك فيه السياح من كل بقاع العالم (إنستغرام)
مهرجان يشارك فيه السياح من كل بقاع العالم (إنستغرام)

أما اليوم فيشارك في المهرجان السياح وأهالي المنطقة للاحتفال بعادات يعود تاريخها إلى القرن الـ12 ولا تزال البندقية تحافظ عليها وتحتفل بها وتستفيد منها من الناحية السياحية لما يدره المهرجان من أموال على قطاع الضيافة والفنادق.

بدأ الاحتفال رسمياً بهذا المهرجان عام 1162، بعد انتصار جمهورية البندقية على مدينة أكويليا، حيث بدأ السكان بالرقص والاحتفال في ساحة سان ماركو. مع مرور الوقت، تحول هذا الحدث إلى مهرجان سنوي مليء بالموسيقى والأزياء الفاخرة.

إلا أنه تم حظر الكرنفال في 1797 بعد سقوط جمهورية البندقية على يد نابليون، وظل غير رسمي حتى عام 1979، عندما أعادت الحكومة الإيطالية إحياءه ليصبح حدثاً سياحياً عالمياً يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.

مهرجان تاريخي يقام كل سنة في البندقية (إنستغرام)
مهرجان تاريخي يقام كل سنة في البندقية (إنستغرام)

يستمر المهرجان لمدة أسبوعين، ويشمل: مسابقات الأقنعة لاختيار أجمل تصميم، ويقدم عروضاً موسيقية وحفلات راقصة في القصور التاريخية، واستعراضات ومواكب تنكرية في شوارع وساحات البندقية وجسورها الجميلة.

يعد المهرجان اليوم رمزاً للثقافة والفن والتراث الإيطالي، وهو تجربة لا تُنسى لمحبي الأجواء الساحرة والتاريخية.

ارتداء الأقنعة في كرنفال البندقية له جذور تاريخية تعود إلى قرون عديدة، وكان يهدف إلى تحقيق عدة أغراض، منها الاجتماعية والسياسية وحتى الترفيهية.

من أقدم المهراجانات وأشهرها في العالم (إنستغرام)
من أقدم المهراجانات وأشهرها في العالم (إنستغرام)

1. المساواة بين الطبقات الاجتماعية

خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، سمحت الأقنعة للناس، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية، بالاختلاط بحرية دون خوف من التمييز. فقد كان الفقراء والنبلاء يرتدون الأقنعة ليصبح الجميع متساوياً في الاحتفالات.2. الحرية في التصرف بلا قيود

كان ارتداء القناع يمنح الناس فرصة لكسر القيود الاجتماعية، مما يسمح لهم بالتصرف بحرية أكبر، سواء في الاحتفالات أو حتى في بعض الأحيان للتهرب من القوانين الصارمة.

3. السرية وإخفاء الهوية

استخدمت الأقنعة أيضاً لأغراض سرية، حيث كان بإمكان الأشخاص الالتقاء والتواصل دون الكشف عن هويتهم، مما أتاح لهم ممارسة أنشطة قد تكون غير مقبولة اجتماعياً في الأوقات العادية.

4. الترفيه والغموض

مع مرور الوقت، أصبحت الأقنعة عنصراً أساسياً في المهرجان، حيث تضيف جواً من الغموض والجمال والدراما إلى الاحتفالات، مما يجعلها أكثر إثارة وسحراً.

5. تقليد ثقافي مستمر

بعد إعادة إحياء المهرجان في القرن العشرين، أصبحت الأقنعة جزءاً لا يتجزأ من تقاليده، حيث يتنافس المشاركون على تصميم أجمل وأفخم الأقنعة، ما يجعلها رمزاً عالمياً للكرنفال.

اليوم، الأقنعة الفينيسية ليست مجرد وسيلة لإخفاء الهوية، بل هي رمز للجمال والفن والتاريخ.

أشهر أنواع الأقنعة الفينيسية:

Bauta: يغطي الوجه بالكامل مع فك بارز يسمح بالكلام وتناول الطعام بسهولة.

Colombina: نصف قناع يغطي العينين والأنف، وغالباً ما يكون مزيناً بالفصوص والريش.

Medico della Peste: قناع الطبيب ذو الأنف الطويل، وكان يُستخدم في الأصل خلال الطاعون، لكنه أصبح جزءاً من المهرجان.

في كرنفال البندقية، هناك العديد من الأنشطة والفعاليات المميزة التي تجعل المهرجان تجربة ساحرة، ومن أهمها:

1. مسابقة أجمل قناع (La Maschera Più Bella)

تُقام هذه المسابقة في ساحة سان ماركو، حيث يتنافس المشاركون على لقب «أجمل قناع» من خلال ارتداء أقنعة فنية مذهلة مستوحاة من التاريخ والفن.

2. موكب افتتاح الكرنفال (Festa Veneziana sull’Acqua)

يبدأ الكرنفال بعرض مذهل على القوارب في قناة «كاناريغيو»، حيث تمر الزوارق المزينة بألوان زاهية وسط أجواء موسيقية ساحرة.

3. طيران الملاك (Il Volo dell’Angelo)

أحد أكثر العروض شهرة، حيث تقوم فتاة ترتدي زياً رائعاً بالتحليق من برج جرس سان ماركو نحو ساحة الاحتفال، وهي لحظة ينتظرها الجميع.

4. العروض التنكرية والمسيرات

تمتلئ شوارع البندقية بفعاليات رقص تنكرية واستعراضات ضخمة يرتدي فيها المشاركون أزياء من العصور الوسطى والباروك.

5. حفلات القصور الفاخرة

تُقام حفلات تنكرية حصرية داخل قصور البندقية التاريخية، مثل حفلة Il Ballo del Doge التي تُعرف بأنها الأكثر فخامة في العالم.

6. عروض الشوارع والموسيقى الحية

تنتشر في المدينة عروض بهلوانية، موسيقية، ومسرحية يقدمها فنانون محترفون، مما يجعل كل زاوية في البندقية نابضة بالحياة.

تجدر الإشارة إلى أنه من الضروري القيام بحجز الفنادق وتذاكر المشاركة في المهرجان والحفلات في القصور مسبقاً بسبب الإقبال الشديد عليها وعدد الغرف الفندقية المحدودة.