ثقافة التعايش والسلام تجمع شباب الشرق والغرب

قدموا أطروحات عن «المواطنة ونبذ العنف» برعاية الأزهر و«كانتربري»

جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
TT

ثقافة التعايش والسلام تجمع شباب الشرق والغرب

جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن

نقاشات وأطروحات الشباب من الشرق والغرب بمقر أسقفية كانتربري في لندن، كانت محل أنظار العالم، واستمع إليها القادة الدينيون باهتمام، لتقوم المؤسسات الدينية بعد ذلك بتبنيها ودعمها ومناقشة آليات توظيفها، ووضع خطط عملية لتنفيذها وتعميم فوائدها في الشرق والغرب.
فعلى مدار 10 أيام تحاور 25 شاباً من أوروبا اختارتهم كانتربري، و25 شاباً من العالم العربي اختارهم الأزهر من عدة دول عربية، حول مفاهيم التعايش السلمي والمواطنة ونبذ العنف، والاندماج بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. بينما قدم الشباب المشاركون نماذج لمشاريع وأفكار تنموية يمكن أن تساعد في خلق بيئة يسودها التسامح والتعايش مستقبلاً.

هدف الشباب في لقاءاتهم بـ«منتدى شباب صناع السلام» خلال الفترة من 8 حتى 18 يوليو (تموز) الجاري إلى بناء فريق عالمي منهم الساعي للسلام، وذلك للمشاركة في مبادرات وفعاليات دعمها الأزهر ومجلس حكماء المسلمين بالتعاون مع أسقفية كانتربري... وجاء عقد المنتدى في إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب، التي أطلق مبادرتها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قبل عدة سنوات، بهدف مد جسور الحوار والتعاون بين الشرق والغرب، حيث تم الاتفاق خلال جولة الحوار السابقة بين الأزهر وأسقفية كانتربري، على تولي نخبة من الشباب، أصحاب المبادرات الخلاقة، قيادة جولة المنتدى كمحاولة لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى تجاه القضايا المعاصرة كـ«المواطنة والسلام ومواجهة الفكر المتطرف».

- عناوين للتعايش
ركز برنامج المحاضرات وورش العمل للشباب، التي عقدت في قصر لامبث مقر أسقفية كانتربري، وفي كلية تشرشل بجامعة كامبريدج البريطانية، على خطوات إعداد وصناعة القادة، وكيفية صناعة شبكة مجتمعية قائمة على التأثير والتفاعل بهدف إيجاد كتلة نشطة من الشباب القيادي الواعي، القادر على إحداث التغيير وصناعة المستقبل وبناء السلام، وأوجه التشابه بين النصوص الدينية في ما يتعلق بإدارة الصراعات... ودار تساؤل حول «كيف نحل المشكلات التي لا حل لها؟». واستعرض المشاركون الآليات المختلفة لحل المشكلات الصعبة بجميع أنواعها، سواء كانت مشكلات شخصية أو دينية أو مجتمعية أو عالمية. وشدد الجميع على ضرورة الاستفادة من تعاليم الأديان المختلفة التي دعت إلى السلم والسلام والمحبة والتسامح ونبذ الفرقة والصراعات.
ودار تساؤل آخر حول «ماذا عن الصراع؟»، تطرق فيه المشاركون بالمنتدى إلى الحديث عن أنواع الصراعات وأسبابها المختلفة وبعض النماذج العالمية للصراعات التي نشأت في العالم، وذلك لتعظيم الاستفادة من هذه التجارب في إدارة الصراعات، ومعرفة دور القيادات العالمية في إنهاء الصراعات.
فضلاً عن محاضرات عن «قراءة في النصوص الدينية»، و«كيف نُسامح؟»، و«العدالة التصالحية»، و«مقدمة في دراسة النص الديني»، و«مَن نحن؟ وكيف نرى أنفسنا؟»، و«الوساطة»... وتم طرح العديد من الأسئلة حول مساهمة الأديان والعقائد في صناعة السلام، وكيفية تأثر بعض النزاعات بالمعتقدات الدينية والسياسية للأطراف المنخرطة فيها. وتم استعراض تجربة مشروع توأمة المسجد والكنيسة، وهو مشروع مبنيّ على الصداقة بين مجموعة من المسيحيين والمسلمين، ويُظهر كيف يمكن للإيمان أن يصبح عاملاً محفزاً للعلاقات الجيدة مع الآخر.
على هامش المنتدى عقد شيخ الأزهر، والدكتور جاستن ويلبي كبير أساقفة كانتربري، حواراً مفتوحاً مع الشباب. وشدد شيخ الأزهر على أن «الدين واحد، وإنْ اختلفت الرسالات، فكل الأنبياء حملوا نفس الدين، مع اختلاف التشريعات، فنحن كمسلمين نؤمن بمحمد وعيسى وموسى، ولا يكتمل إيماننا إلا بذلك».
ناصحاً الشباب بتجنب الحوار في العقائد، مؤكداً أنه «لا تحاور في الدين والعقيدة وإنما الحوار في المشتركات والقيم الإنسانية مثل التسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وليس القوة أو العنف».

- ضحايا الإرهاب
قال شيخ الأزهر إن «عالمنا العربي والإسلامي لم يكد ينعم طويلاً بحياة الأمن والسلام التي تحياها بقية شعوب العالم في الشرق والغرب، حتى فقدنا السلام من جديد، ودخلنا في ما يسمى (حرب الإرهاب)، وهي نوع من الحروب جديد لا يعرف الحدود؛ وله قدرة على أن يحمل الموت والدمار إلى ضحاياه من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في المنازل والشوارع والمتاجر والمدارس والمسارح والنوادي والتجمعات، حتى المصلين والمصليات في المساجد والكنائس ودور العبادات تعقبتهم عمليات هذا الإرهاب الجديد، وأغرقتهم مع أطفالهم في دمائهم وهم يصلون... ومع هذا الرعب الجديد لم يعد أي آدمي في أي مكان على ظهر الأرض في الشرق كما في الغرب آمناً على نفسه ولا على أسرته».
لافتاً إلى أنه يتحتم القول بأن الإرهاب لا يعبر بالضرورة عن الدين الذي يقتل الناس تحت لافتته؛ بل الإرهاب هو الذي يخطف الأديان بعدما يقوم بعملية تدليس وتزوير وخيانة في تأويل نصوصها وتفسير معانيها، لينفذ بها جرائم حرّمتها الأديان والكتب المقدسة، التي يلوحون بها بإحدى اليدين بينما يعبثون بنصوصها باليد الأخرى.
وقال الدكتور أحمد الطيب خلال جلسات المنتدى: «في اعتقادي أن أولى الخطوات الصحيحة هو التقاء الغرب والشرق على مصلحة واحدة إنسانية مشتركة، ووسيلته المثلى هو الحوار الذي يصحح أولاً صورة الغرب والحضارة الغربية في مرآة العرب والمسلمين، ويصحح صورة العرب والمسلمين في مرآة الغرب، لتنفتح بعد ذلك أبواب التعارف والتسامح والبحث عن مواطِن الاشتراك والاتفاق -وما أكثرها بين الأديان والعقائد والمذاهب- ولا أشك أنكم (أي الشباب) أقدر من يحمل هذه الشعلة ويبدأ المشوار على هذا الطريق الطويل».

- حوار مباشر
من جانبه، قال كبير أساقفة كانتربري، إن «الحوار بين الأزهر والكنيسة الإنجليكانية انطلق في عام 2002، أي بعد تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 في الولايات المتحدة بعدة أشهر، وقبل نحو عام من احتلال العراق، فيما كانت الانتفاضة مشتعلة في الأراضي الفلسطينية، ولذا فإن الحوار جاء في وقت كانت الأوضاع والتحديات في الشرق الأوسط صعبة». موضحاً أن «التحديات الآن ليست بأقل صعوبة مما كانت عليه في الماضي، خصوصاً في ما يتعلق بدور وقدرة القيادات الدينية على التأثير في الجماهير، وكيفية مشاركتها في صنع السلام وبناء عالم جديد، وذلك من خلال التركيز على ما تتضمنه الكتب المقدسة من قيم وتعاليم تحض على السلام والتعايش وقبول الآخر».
حضر جلسات المنتدى عدد كبير الشخصيات المصرية والعربية والغربية، وقالت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، إن «الحوار المباشر مع الشباب كان له تأثير إيجابي كبير عليهم بما نراه من تعايش بين أتباع الأديان المختلفة... فأصبحنا نرى الفتيات والشباب يتشاركون الأحاديث الإيجابية والخلاقة، التي تنعكس على تعزيز التفاهم المشترك وتقريب وجهات النظر».
وأكد المستشار محمد عبد السلام، مستشار شيخ الأزهر، أن «منتدى شباب صناع السلام» بعث برسالة سلام من شيخ الأزهر إلى العالم أجمع مفادها «أننا إذا أردنا أن نصنع سلاماً حقيقياً ترتقي به مجتمعاتنا... فعلينا بالشباب فهم قادة المستقبل وأمل الغد»، مضيفاً: «حين التقيت هؤلاء الشباب شعرت بالأمل والتفاؤل والثقة... شباب العالم يصنعون السلام برعاية الأزهر و(حكماء المسلمين) وكنيسة كانتربري».

- العيش المشترك
في غضون ذلك، ركزت إحدى المناقشات على قضايا «التعايش السلمي والعيش المشترك». جاء ذلك في الوقت الذي أدى فيه الطلاب شعائر صلاة الجمعة الماضية، وألقى الخطبة أحد أبناء الأزهر، فيما تولى طالب أزهري آخر ترجمتها للغة الإنجليزية... وحضر الخطبة طلاب غير مسلمين، ليتعرفوا على الشعائر الدينية لدى المسلمين، حيث دار موضوع الخطبة حول محورية «قيم السلام والتعايش في الإسلام، وموقف الإسلام من حقوق الإنسان والتعايش مع غير المسلمين».
وأوفد شيخ الأزهر، مستشاره محمد عبد السلام إلى مقر انعقاد المنتدى في كلية تشرشل بجامعة كامبريدج البريطانية، رافقته خلالها سارة سيندر مستشارة كبير أساقفة كانتربري... وخلال المحاضرات استعرض المشاركون نصوصاً من القرآن الكريم والإنجيل، تحض على التعايش السلمي والعيش المشترك، ودار حوار حول كيفية تطبيقها على أرض الواقع في ظل الصراعات التي تنتشر في العالم بسبب التفسيرات الخاطئة للنصوص، أو إهمال نصوص أخرى تدعو للسلام والتعايش السلمي بين أتباع الأديان.
وركزت محاضرة أخرى بعنوان «كيف يتشابك الدين مع بيئتنا؟»، على دور الدين في السياق المحلي، وفي حياتنا اليومية، وكيفية استغلال هذا التأثير إيجابياً لنشر السلام والمودة، وخلق التعايش والاندماج الإيجابي بين الجميع، بدلاً من العزلة والصراع.
في ذات السياق، أبدى عدد من المشاركين من الشباب المصري في جلسات المنتدى سعادتهم بالحوار بين الشرق والغرب. وأشادت جهاد عامر، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، بدور «منتدى شباب صناع السلام» في تعميق مفهوم الحوار والتعارف والتسامح، مشيرة إلى أن مشاركة الشباب المتنوع الثقافات والحضارات في المنتدى شكلت عاملاً مهماً في نجاحه. موضحة أن المنتدى مثّل خطوة ينبغي أن تستكمل في دول أخرى في المستقبل القريب، لأنها تعمّق لمفاهيم متعددة، تبتغي التنمية والسلام والأمان للإنسانية جمعاء.
وقال الداعية مصطفى حسني، أحد المشاركين في المنتدى، إن «المنتدى غرس في الشباب فكرة أن الأديان لديها مشتركات كبيرة جداً، وأن البشرية يجب أن يسود بينها الحب حتى لو اختلفت في العقيدة، كما يعد المنتدى تنفيذاً للتعارف الذي أمر به الله عز وجل».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».