ثقافة التعايش والسلام تجمع شباب الشرق والغرب

قدموا أطروحات عن «المواطنة ونبذ العنف» برعاية الأزهر و«كانتربري»

جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
TT

ثقافة التعايش والسلام تجمع شباب الشرق والغرب

جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن
جانب من جلسات الشباب خلال منتدى «صناع السلام» في لندن

نقاشات وأطروحات الشباب من الشرق والغرب بمقر أسقفية كانتربري في لندن، كانت محل أنظار العالم، واستمع إليها القادة الدينيون باهتمام، لتقوم المؤسسات الدينية بعد ذلك بتبنيها ودعمها ومناقشة آليات توظيفها، ووضع خطط عملية لتنفيذها وتعميم فوائدها في الشرق والغرب.
فعلى مدار 10 أيام تحاور 25 شاباً من أوروبا اختارتهم كانتربري، و25 شاباً من العالم العربي اختارهم الأزهر من عدة دول عربية، حول مفاهيم التعايش السلمي والمواطنة ونبذ العنف، والاندماج بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. بينما قدم الشباب المشاركون نماذج لمشاريع وأفكار تنموية يمكن أن تساعد في خلق بيئة يسودها التسامح والتعايش مستقبلاً.

هدف الشباب في لقاءاتهم بـ«منتدى شباب صناع السلام» خلال الفترة من 8 حتى 18 يوليو (تموز) الجاري إلى بناء فريق عالمي منهم الساعي للسلام، وذلك للمشاركة في مبادرات وفعاليات دعمها الأزهر ومجلس حكماء المسلمين بالتعاون مع أسقفية كانتربري... وجاء عقد المنتدى في إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب، التي أطلق مبادرتها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قبل عدة سنوات، بهدف مد جسور الحوار والتعاون بين الشرق والغرب، حيث تم الاتفاق خلال جولة الحوار السابقة بين الأزهر وأسقفية كانتربري، على تولي نخبة من الشباب، أصحاب المبادرات الخلاقة، قيادة جولة المنتدى كمحاولة لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى تجاه القضايا المعاصرة كـ«المواطنة والسلام ومواجهة الفكر المتطرف».

- عناوين للتعايش
ركز برنامج المحاضرات وورش العمل للشباب، التي عقدت في قصر لامبث مقر أسقفية كانتربري، وفي كلية تشرشل بجامعة كامبريدج البريطانية، على خطوات إعداد وصناعة القادة، وكيفية صناعة شبكة مجتمعية قائمة على التأثير والتفاعل بهدف إيجاد كتلة نشطة من الشباب القيادي الواعي، القادر على إحداث التغيير وصناعة المستقبل وبناء السلام، وأوجه التشابه بين النصوص الدينية في ما يتعلق بإدارة الصراعات... ودار تساؤل حول «كيف نحل المشكلات التي لا حل لها؟». واستعرض المشاركون الآليات المختلفة لحل المشكلات الصعبة بجميع أنواعها، سواء كانت مشكلات شخصية أو دينية أو مجتمعية أو عالمية. وشدد الجميع على ضرورة الاستفادة من تعاليم الأديان المختلفة التي دعت إلى السلم والسلام والمحبة والتسامح ونبذ الفرقة والصراعات.
ودار تساؤل آخر حول «ماذا عن الصراع؟»، تطرق فيه المشاركون بالمنتدى إلى الحديث عن أنواع الصراعات وأسبابها المختلفة وبعض النماذج العالمية للصراعات التي نشأت في العالم، وذلك لتعظيم الاستفادة من هذه التجارب في إدارة الصراعات، ومعرفة دور القيادات العالمية في إنهاء الصراعات.
فضلاً عن محاضرات عن «قراءة في النصوص الدينية»، و«كيف نُسامح؟»، و«العدالة التصالحية»، و«مقدمة في دراسة النص الديني»، و«مَن نحن؟ وكيف نرى أنفسنا؟»، و«الوساطة»... وتم طرح العديد من الأسئلة حول مساهمة الأديان والعقائد في صناعة السلام، وكيفية تأثر بعض النزاعات بالمعتقدات الدينية والسياسية للأطراف المنخرطة فيها. وتم استعراض تجربة مشروع توأمة المسجد والكنيسة، وهو مشروع مبنيّ على الصداقة بين مجموعة من المسيحيين والمسلمين، ويُظهر كيف يمكن للإيمان أن يصبح عاملاً محفزاً للعلاقات الجيدة مع الآخر.
على هامش المنتدى عقد شيخ الأزهر، والدكتور جاستن ويلبي كبير أساقفة كانتربري، حواراً مفتوحاً مع الشباب. وشدد شيخ الأزهر على أن «الدين واحد، وإنْ اختلفت الرسالات، فكل الأنبياء حملوا نفس الدين، مع اختلاف التشريعات، فنحن كمسلمين نؤمن بمحمد وعيسى وموسى، ولا يكتمل إيماننا إلا بذلك».
ناصحاً الشباب بتجنب الحوار في العقائد، مؤكداً أنه «لا تحاور في الدين والعقيدة وإنما الحوار في المشتركات والقيم الإنسانية مثل التسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وليس القوة أو العنف».

- ضحايا الإرهاب
قال شيخ الأزهر إن «عالمنا العربي والإسلامي لم يكد ينعم طويلاً بحياة الأمن والسلام التي تحياها بقية شعوب العالم في الشرق والغرب، حتى فقدنا السلام من جديد، ودخلنا في ما يسمى (حرب الإرهاب)، وهي نوع من الحروب جديد لا يعرف الحدود؛ وله قدرة على أن يحمل الموت والدمار إلى ضحاياه من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في المنازل والشوارع والمتاجر والمدارس والمسارح والنوادي والتجمعات، حتى المصلين والمصليات في المساجد والكنائس ودور العبادات تعقبتهم عمليات هذا الإرهاب الجديد، وأغرقتهم مع أطفالهم في دمائهم وهم يصلون... ومع هذا الرعب الجديد لم يعد أي آدمي في أي مكان على ظهر الأرض في الشرق كما في الغرب آمناً على نفسه ولا على أسرته».
لافتاً إلى أنه يتحتم القول بأن الإرهاب لا يعبر بالضرورة عن الدين الذي يقتل الناس تحت لافتته؛ بل الإرهاب هو الذي يخطف الأديان بعدما يقوم بعملية تدليس وتزوير وخيانة في تأويل نصوصها وتفسير معانيها، لينفذ بها جرائم حرّمتها الأديان والكتب المقدسة، التي يلوحون بها بإحدى اليدين بينما يعبثون بنصوصها باليد الأخرى.
وقال الدكتور أحمد الطيب خلال جلسات المنتدى: «في اعتقادي أن أولى الخطوات الصحيحة هو التقاء الغرب والشرق على مصلحة واحدة إنسانية مشتركة، ووسيلته المثلى هو الحوار الذي يصحح أولاً صورة الغرب والحضارة الغربية في مرآة العرب والمسلمين، ويصحح صورة العرب والمسلمين في مرآة الغرب، لتنفتح بعد ذلك أبواب التعارف والتسامح والبحث عن مواطِن الاشتراك والاتفاق -وما أكثرها بين الأديان والعقائد والمذاهب- ولا أشك أنكم (أي الشباب) أقدر من يحمل هذه الشعلة ويبدأ المشوار على هذا الطريق الطويل».

- حوار مباشر
من جانبه، قال كبير أساقفة كانتربري، إن «الحوار بين الأزهر والكنيسة الإنجليكانية انطلق في عام 2002، أي بعد تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 في الولايات المتحدة بعدة أشهر، وقبل نحو عام من احتلال العراق، فيما كانت الانتفاضة مشتعلة في الأراضي الفلسطينية، ولذا فإن الحوار جاء في وقت كانت الأوضاع والتحديات في الشرق الأوسط صعبة». موضحاً أن «التحديات الآن ليست بأقل صعوبة مما كانت عليه في الماضي، خصوصاً في ما يتعلق بدور وقدرة القيادات الدينية على التأثير في الجماهير، وكيفية مشاركتها في صنع السلام وبناء عالم جديد، وذلك من خلال التركيز على ما تتضمنه الكتب المقدسة من قيم وتعاليم تحض على السلام والتعايش وقبول الآخر».
حضر جلسات المنتدى عدد كبير الشخصيات المصرية والعربية والغربية، وقالت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، إن «الحوار المباشر مع الشباب كان له تأثير إيجابي كبير عليهم بما نراه من تعايش بين أتباع الأديان المختلفة... فأصبحنا نرى الفتيات والشباب يتشاركون الأحاديث الإيجابية والخلاقة، التي تنعكس على تعزيز التفاهم المشترك وتقريب وجهات النظر».
وأكد المستشار محمد عبد السلام، مستشار شيخ الأزهر، أن «منتدى شباب صناع السلام» بعث برسالة سلام من شيخ الأزهر إلى العالم أجمع مفادها «أننا إذا أردنا أن نصنع سلاماً حقيقياً ترتقي به مجتمعاتنا... فعلينا بالشباب فهم قادة المستقبل وأمل الغد»، مضيفاً: «حين التقيت هؤلاء الشباب شعرت بالأمل والتفاؤل والثقة... شباب العالم يصنعون السلام برعاية الأزهر و(حكماء المسلمين) وكنيسة كانتربري».

- العيش المشترك
في غضون ذلك، ركزت إحدى المناقشات على قضايا «التعايش السلمي والعيش المشترك». جاء ذلك في الوقت الذي أدى فيه الطلاب شعائر صلاة الجمعة الماضية، وألقى الخطبة أحد أبناء الأزهر، فيما تولى طالب أزهري آخر ترجمتها للغة الإنجليزية... وحضر الخطبة طلاب غير مسلمين، ليتعرفوا على الشعائر الدينية لدى المسلمين، حيث دار موضوع الخطبة حول محورية «قيم السلام والتعايش في الإسلام، وموقف الإسلام من حقوق الإنسان والتعايش مع غير المسلمين».
وأوفد شيخ الأزهر، مستشاره محمد عبد السلام إلى مقر انعقاد المنتدى في كلية تشرشل بجامعة كامبريدج البريطانية، رافقته خلالها سارة سيندر مستشارة كبير أساقفة كانتربري... وخلال المحاضرات استعرض المشاركون نصوصاً من القرآن الكريم والإنجيل، تحض على التعايش السلمي والعيش المشترك، ودار حوار حول كيفية تطبيقها على أرض الواقع في ظل الصراعات التي تنتشر في العالم بسبب التفسيرات الخاطئة للنصوص، أو إهمال نصوص أخرى تدعو للسلام والتعايش السلمي بين أتباع الأديان.
وركزت محاضرة أخرى بعنوان «كيف يتشابك الدين مع بيئتنا؟»، على دور الدين في السياق المحلي، وفي حياتنا اليومية، وكيفية استغلال هذا التأثير إيجابياً لنشر السلام والمودة، وخلق التعايش والاندماج الإيجابي بين الجميع، بدلاً من العزلة والصراع.
في ذات السياق، أبدى عدد من المشاركين من الشباب المصري في جلسات المنتدى سعادتهم بالحوار بين الشرق والغرب. وأشادت جهاد عامر، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، بدور «منتدى شباب صناع السلام» في تعميق مفهوم الحوار والتعارف والتسامح، مشيرة إلى أن مشاركة الشباب المتنوع الثقافات والحضارات في المنتدى شكلت عاملاً مهماً في نجاحه. موضحة أن المنتدى مثّل خطوة ينبغي أن تستكمل في دول أخرى في المستقبل القريب، لأنها تعمّق لمفاهيم متعددة، تبتغي التنمية والسلام والأمان للإنسانية جمعاء.
وقال الداعية مصطفى حسني، أحد المشاركين في المنتدى، إن «المنتدى غرس في الشباب فكرة أن الأديان لديها مشتركات كبيرة جداً، وأن البشرية يجب أن يسود بينها الحب حتى لو اختلفت في العقيدة، كما يعد المنتدى تنفيذاً للتعارف الذي أمر به الله عز وجل».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».