قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

قراءة في فحوى محادثات ترمب ـ بوتين

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة
TT

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

استحقت القمة التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب في العاصمة الفنلندية هلسنكي، أخيراً، وصف «الحدث الأبرز في الموسم السياسي» الذي أطلقه سفير روسيا لدى واشنطن أناتولي أنطونوف. فهي ستدخل في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية كواحدة من القمم الأكثر إثارة للجدل، مع أنها «لم تكن تقليدية» وفقاً لتعليق أكثر من متابع روسي؛ إذ إنها عُقدت من دون جدول أعمال واضح، وترك الحوار فيها ليسير وفقاً لمزاج الرئيسين ورغبتهما الشخصية. وكذلك، لم يصدر في ختامها وثيقة مشتركة، على الرغم من أن العمل على إعدادها استغرق بعض الوقت - من الجانب الروسي على الأقل - كما اتضح لاحقاً، لكن لم يوضح الطرفان سبب تجاهلها. أما العنصر الأهم، فهو أن القمة لم تخرج بقرارات أو اتفاقيات موثقة، وهذا أمر كان متوقعاً بعدما خفض الطرفان سقف التوقعات خلال الأيام التي سبقتها.
هي قمة «تاريخية» بسبب ملابسات انعقادها بعد طول انتظار، وبسبب الأداء اللافت للرئيسين في المؤتمر الصحافي الختامي، الذي أثار زوبعة لم تهدأ في الأوساط الأميركية، ولأنها فتحت نافذة أمل في وضع «خريطة طريق» لتطبيع العلاقات، على الرغم من كل التعقيدات التي تحيط بعلاقة البلدين وتراكم الملفات الخلافية بينهما.

عندما أعلن الكرملين قبل القمة الأميركية - الروسية في هلسنكي مباشرة، أن الجانب الروسي يتطلع لتبادل الآراء في الملفات الخلافية، ومحاولة فهم حقيقة مواقف كل طرف بشكل أفضل؛ بهدف وضع آليات مشتركة للحوار، كان يحدد بدقة السقف الروسي المطلوب من هذا اللقاء.
لذا؛ انصب تركيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاستماع بدقة لتقويمات نظيره الرئيس دونالد ترمب لعدد من الملفات العالقة، وسرّبت وسائل إعلام روسية ومقربون من الكرملين بعض التفاصيل التي رافقت مسار المحادثات في الجلسة المغلقة أولاً، ثم في الإطار الأوسع بعد انضمام فريقي الرئيسين إلى المحادثات. ووفقاً للمصادر، فإن الرئيس الأميركي لم يبدِ اهتماماً كبيراً بالتوسع في ملفات ساخنة، مثل سوريا وأوكرانيا، وتناول الأولى بحديث سريع ركز على مواصلة التنسيق الأمني والعسكري وضمان أمن إسرائيل، متجاهلاً الخوض في تفاصيل الرؤية الأميركية للتسوية السياسية الممكنة. وفي ملف أوكرانيا تجاهل ملف القرم تماماً، وتحدث بعبارات عامة عن «إطار مينسك» ومتطلبات تثبيت وقف النار. وتوسع أكثر، في المقابل، في الحديث عن الصين بصفتها «التحدي المشترك» أمام روسيا والولايات المتحدة، وتناول ملف العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من زاوية التنافس التجاري.
وفي الملف الإيراني، كان ترمب أكثر وضوحاً وقوة، وتكلم عن «خطر» السياسات الإقليمية الإيرانية، و«التهديد» الذي تشكله قدرات إيران النووية والصاروخية. وفي وقت لاحق برزت إشارات إلى أن الرئيسين بحثا مسألة منع وقوع مواجهة إسرائيلية - إيرانية بشيء من التوسع. في حين غاب ملف التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية نهائياً. وأفرد الزعيمان مساحة لمناقشة العلاقة الثنائية وآليات تجاوز المرحلة الصعبة وانعدام الحوار، كما تطرق الحديث بشيء من الإسهاب إلى ملف الأمن الاستراتيجي ومسائل سباق التسلح.
إذا صحت التسريبات أو على الأقل جزء منها، فإن الحوار تجنّب إثارة ملفات خلافية كبرى، مثل التدخل الروسي في انتخابات الولايات المتحدة والاتهامات لنشاط أجهزة الاستخبارات الروسية في بريطانيا وأوروبا، والموقف من التصعيد المتواصل عسكرياً بين روسيا وحلف الأطلسي في المناطق الحدودية، بالإضافة إلى سياسات روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، وخصوصاً جورجيا وأوكرانيا. واللافت في هذه التسريبات أنها اقتصرت على مواقف ترمب حيال بعض القضايا، ولم تتناول الآراء التي طرحها بوتين في المقابل.

- نتائج محدودة... لكن مهمة
رغم ذلك، أوحت تصريحات الرئيسين خلال المؤتمر الصحافي المشترك في ختام القمة، بأن الحوار كان أكثر شمولية وعمقاً مما أوحت به التسريبات الإعلامية، مع أنها ثبتت الانطباع بأن المحادثات لم تكن «صعبة ومعقدة» خلافاً لتوقعات بعض الأطراف في السابق. وأظهر الرئيسان ارتياحاً واضحاً لمسار المباحثات، وقال بوتين، إنها انعقدت في أجواء «بنّاءة وإيجابية»، معتبراً أنها مثلت الخطوة الأولى في «إزالة الأنقاض» عن العلاقات بين البلدين. وشدد بوتين أيضاً على ضرورة توحيد روسيا والولايات المتحدة جهودهما الرامية لمواجهة التهديدات المشتركة بالنسبة لهما، مشيراً إلى أن أبرزها «الانعدام الخطير لتوازن آليات الأمن الدولي والاستقرار، والأزمات الإقليمية، وتمدد التهديدات النابعة عن الإرهاب والجرائم العابرة للقارات، وزيادة مشكلات الاقتصاد العالمي، والمخاطر البيئية وغيرها». وقال، إن المحادثات، عكست «رغبتنا المشتركة مع الرئيس ترمب في إصلاح الوضع السلبي في علاقاتنا الثنائية، ورسم الخطوات الأولى لمعالجتها وإعادتهما إلى الدرجة المقبولة من الثقة، والعودة إلى المستوى السابق للتعاون بشأن جميع القضايا التي تمثل اهتماماً مشتركاً». وقد تكون النتيجة الأبرز التوافق على تشكيل «لجنة خبراء» معنية بتطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، تضم خبراء في السياسة من روسيا والولايات وعلماء ودبلوماسيين سابقين، و«من شأن تلك اللجنة العمل على إيجاد القواسم المشتركة والتفكير في اقتياد التعاون إلى طريق التقدم الإيجابي المستدام».
أيضاً، أكد بوتين ضرورة أن يضع الطرفان على طاولة البحث رزمة الملفات المتعلقة بالأمن الاستراتيجي ومسائل تقليص التسلح، موضحاً أن الرؤية الروسية تقوم على جمع مسائل تمديد سريان معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، وعملية نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، والاتفاق حول تقليص الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ومسألة نشر السلاح في الفضاء في رزمة واحدة لمعالجتها من خلال حوار مفتوح بين الجانبين. كذلك، شدد الرئيس الروسي على أهمية تعزيز التعاون الأمني الاستخباراتي الثنائي، وذكر أن روسيا اقترحت على الولايات المتحدة إعادة تشكيل فريق عمل مشترك لمكافحة الإرهاب؛ بهدف «وضع الاتصالات بين جهازي الاستخبارات على أساس منظم».
في المقابل، حديث ترمب ما كان بعيداً في جوهره عن إشارات بوتين إلى آليات مشتركة للعمل، مع أنه اختار أن يبدأ حديثه في المؤتمر الصحافي بشن هجوم على «وسائل الإعلام والديمقراطيين» الذين «يريدون تدمير فرص الحوار المهم لقضايا العالم»، وتعهد بفعل ما يرى أنه «يصب في مصلحة الولايات المتحدة والعالم رغم الانتقادات». وقال ترمب، إنه بحث مع بوتين مجموعة من القضايا الملحة المختلفة، ذات الأهمية بالنسبة لكلا البلدين، و«أجرينا حواراً منفتحاً ومثمراً». وشدد على أن «الحوار البنّاء بين الولايات المتحدة وروسيا يعطي فرصة لتمهيد الطريق نحو السلام والاستقرار في العالم»، وأردف موضحاً «الخلافات بين بلدينا معروفة، وناقشتها بشكل مفصل مع الرئيس بوتين».
هذا، ويرى خبراء روس أن تأكيد الرئيسين على الحوار والاقتراحات التي قدّمت حول إنشاء لجان ومجموعات عمل مشتركة - رغم أنها تواجه تعقيدات في الولايات المتحدة - تشكل نتيجة مهمة للقمة. لكن، مقابل الارتياح الواسع الذي برز لدى المعلقين الروس لنتائج القمة الأولى بين الرئيسين، والتأكيد على حاجة الطرفين إلى التقدم على أكثر من محور لتثبيت الأجواء الإيجابية، ومواجهة الاعتراضات القوية أميركياً وأوروبياً وأطلسياً، شككت مصادر روسية في قدرة الرئيسين على القيام بتنفيذ سريع لاتفاقاتهما بشأن فتح أوسع حوار ممكن بين الطرفين على المستويات الدبلوماسية، والعسكرية، والأمنية، وأوساط رجال المال والأعمال.

- هاجس التدخل الروسي
من جانب آخر، لم تخرج ردود الفعل لدى النخب الأميركية على نتائج القمة عن التوقعات التي سبقتها. إذ كان الشعور المسيطر لدى النخب الروسية بأن خصوم ترمب سيعملون على عرقلة كل محاولاته للتقدم تجاه روسيا. ولا تخفي أوساط روسية أن أداء ترمب وتعليقاته اللاذعة ضد خصومه في المؤتمر الصحافي المشترك مع بوتين لعبت دوراً في مفاقمة الموقف وتأجيج حال الاستياء، ولا سيما أنه تجنب الإشارة إلى أي ملف خلافي مع بوتين، ودافع عن فكرة «عدم تدخل» روسيا في مسار انتخابات 2016. وأدى التراجع السريع لترمب عن بعض أقواله بعد عودته إلى واشنطن إلى تقليص سقف توقعات الكرملين، على الأقل خلال المرحلة القصيرة المقبلة، مع أن أوساط الكرملين ما زالت تعوّل على قدرة الرئيس الأميركي على تجاوز السجالات الحالية والشروع بتثبيت مواقفه. ولقد جاء حديث أناتولي أنطونوف، السفير الروسي لدى واشنطن، عن أنه سيكون من الصعب على ترمب، تنفيذ الاتفاقيات التي توصل إليها مع نظيره الروسي بسبب «المقاومة الشديدة التي سيجدها من قبل المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام الأميركية» ليؤكد أن روسيا ليست متعجلة لتثبيت النتائج النهائية للقمة.
وقال السفير للصحافيين «علينا عند تقييم الآفاق، أن نكون دقيقين وحذرين للغاية، وأكرر كلمة للغاية». وتابع، إنه بسبب «المزاج القوي» لدى بعض الأوساط ضد سياسات ترمب حيال روسيا بات يخشى قول أي شيء إيجابي عن الرئيس الأميركي.
عكست هذه العبارات بدقة الآلية التي تسعى موسكو لتنفيذها في مواجهة الحملة القوية ضد نتائج القمة. ومع أن بوتين خرج خلال لقاء مع الدبلوماسيين الروس بعد القمة عن المألوف، ووجّه عبارات نارية ضد النخب الديمقراطية في الولايات المتحدة، واتهمها بـ«ترويج الأكاذيب والتضحية بمصالح ملايين الأميركيين لحسابات سياسية ضيقة»، فإن موسكو ما زالت تتوقع تراجعاً تدريجياً في عاصفة الانتقادات، وترى أن ترمب بصفته رأس السلطة التنفيذية سيكون قادراً على مواجهة هجوم الكونغرس وبعض وسائل الإعلام، والشروع بتنفيذ جزء على الأقل من التفاهمات توصل إليها مع بوتين. وفعلاً، من وجهة النظر الروسية، حملت الإشارات التي أعقبت القمة ما يؤكد صحة هذا الرهان، وبينها إعلان وزارة الدفاع الأميركية استعداد الوزير جيمس ماتيس للقاء نظيره الروسي سيرغي شويغو، وهو سيكون الأول منذ سنوات على هذا المستوى. بالإضافة إلى إعلان البيت الأبيض أنه يدرس إمكانية السماح لمحققين روس باستجواب مواطنين أميركيين على الأراضي الأميركية، تشتبه موسكو في أنهم على علاقة بنشاطات غير مشروعة في روسيا، وفقاً لما قالته المتحدثة باسم الإدارة الأميركية سارة ساندرز، التي أضافت إنه «نوقش هذا الموضوع خلال قمة بوتين ترمب، لكن لم تُقدم أي تعهدات أو التزامات من جانب الولايات المتحدة. ويعمل الرئيس مع فريقه في هذا المجال». ويذكر أن بوتين كان اقترح السماح لمحققين أميركيين بالتحقيق مع شخصيات روسية متهمة بالتدخل في الانتخابات الأميركية مقابل السماح للمحققين الروس بإجراء تحقيق مماثل مع شخصيات أميركية وجهت ضدها موسكو اتهامات.

- {الأطلسي} والاتحاد الأوروبي
التعليقات الأولى الصادرة عن أطراف أوروبية، بينها شخصيات حكومية في بولندا وغيرها من البلدان التي تنتقد التقارب مع موسكو، عكست استياءً شديداً بسبب إحجام ترمب عن طرح موقف علني واضح ضد السياسيات الروسية في أوروبا، وتحركات القوات الروسية على الحدود مع عدد من هذه البلدان. وجاءت تصريحات ترمب عن أن قمته مع بوتين «كانت أنجح من قمة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)» لتصب الزيت على النار في هذا الاتجاه. إذ سرعان ما برزت تصريحات نارية حول «تقويض التضامن الأورو - أطلسي» وتجاهل ترمب مخاوف جدية بالنسبة إلى الأمن الأوروبي والأطلسي.
وهنا، ذكرت أوساط روسية، أن أزمة العلاقة مع «ناتو» والتوتر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لم يكن من المنتظر أن تجد حلاً مباشراً خلال القمة الروسية - الأميركية، وهذا مع إقرار بأن ما أعلنه ترمب وبوتين بعد محادثاتهما لم يتطرق إلى عمق الأزمة الروسية – الأطلسية، باستثناء إشارات عابرة إلى مناقشة ملف الأمن الاستراتيجي. وهذا أمر يثير قلق بعض البلدان الأوروبية التي تخشى من تراجع واشنطن عن نشر قوات وأنظمة صاروخية في بلدان مثل بولندا ورومانيا من دون الحصول على ضمانات كافية من الكرملين الذي يقوم بتعزيز الدفاعات الصاروخية في غرب روسيا. وتوقعت أوساط روسية أن تظل هذه المشكلة من التعقيدات الأساسية أمام العلاقة الروسية – الأطلسية. ثم إن المرور سريعاً على ملف أوكرانيا وإغفال موضوع ضم القرم يثير بدوره مخاوف إضافية من أن التوتر في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، - وخصوصاً أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا - وتوتر العلاقة بسبب ذلك بين موسكو وبروكسل، سيلحظ في معدلات نمو بدلاً من التراجع. وكان لافتاً أن بوتين صرح بعد القمة مباشرة بأنه «غير مقبول قيام (ناتو) بضم جورجيا» متعهداً بأن بلاده ستتخذ «تدابير للدفاع عن مصالحها وأمنها في حال تم تنفيذ هذه الخطوة» التي كان «ناتو» تعهد بها في قمته الأخيرة.

- إيران... ملف خلافي
وحول الملف النووي الإيراني، أقر الرئيسان بأن الخلاف ما زال قائماً، ولم تبرز خلال القمة إشارات إلى آليات يمكن أن يقوم بها الطرفان لتقريب وجهات النظر في هذا الشأن. ومقابل تأكيد بوتين وجهة نظر بلاده بخطأ انسحاب واشنطن من الصفقة النووية مع طهران بحجة أن «هذه الصفقة وضعت إيران تحت أفضل رقابة دولية لأنشطتها النووية باعتراف المنظمات الدولية» ربط ترمب الملف النووي مع سياسات إيران الإقليمية، وأشار إلى «حملة نشر العنف من جانب طهران في المنطقة».
وحافظت مواقف الطرفين على تباعد واسع، رغم التفاهم المحدود - كما ظهر لاحقاً - على منع وقوع مواجهة بين إيران وإسرائيل. ووفقاً لتأكيد مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف، فإن الرئيسين بوتين وترمب اتفقا خلال قمتهما في هلسنكي على «منع وقوع أي صدام مباشر بين إيران وإسرائيل في سوريا». واعتبر أن هذه واحدة من النتائج العملية للقمة، مشيراً إلى اتفاق «غير معلن» تم التوصل إليه، ويقضي «على الأرجح بإعلان منطقة عازلة في هضبة الجولان، والاستعاضة عن القوات الموالية لإيران بوحدات تابعة للحكومة في دمشق». وإذا صح هذا التفاهم فهو يتعلق بجانب واحد من جوانب الخلاف بين موسكو وواشنطن على آليات إدارة العلاقة مع طهران وهو المتعلق بالوضع في سوريا. بيد أن التباين الواسع حول السياسات الإقليمية لطهران ومصير الاتفاق النووي، والخلاف الكبير حول البرامج الصاروخية الإيرانية... كلها عناصر لا يبدو أنها وجدت فرصة لنقاش موسع خلال القمة، أو على الأقل لم تنعكس في تصريحات الطرفين لاحقاً.

- القمم الروسية ـ الأميركية السابقة
منذ أسدل الستار على «الحرب الباردة» في آخر القمم السوفياتية - الأميركية التي جمعت الرئيسين جورج بوش الأب وميخائيل غورباتشوف في مالطة، وأسفرت عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين بعد انهيار «جدار برلين»، عقد رؤساء روسيا «الوريثة الرسمية» للمعاهدات والاتفاقيات التي عقدها الاتحاد المنحل، ستة لقاءات قمة، إضافة إلى عدد آخر من اللقاءات التي جمعت الطرفين في مناسبات وفعاليات دولية.
واللافت، أن كل القمم الروسية - الأميركية منذ اللقاء الرسمي الأول الذي جمع في عام 1993 الرئيسين جورج بوش الأب مع الرئيس الروسي (آنذاك) بوريس يلتسين ركزت على ملف خفض التسلح الذي كاد يكون العنصر الأبرز الذي سيطر على علاقات البلدين لفترة طويلة. فهو كان على رأس دائرة الاهتمام خلال القمة التي جمعت الرئيس بيل كلينتون مع يلتسين في 1997 في هلسنكي. وسيطر الملف على الحوار في لقاء بوتين عام 2001 في سلوفينيا مع جورج بوش الابن، وكان بوتين تسلم مقاليد السلطة قبل ذلك بسنة واحدة، إضافة إلى ملف خلافي تعلق بنيات الأطلسي التوسع شرقاً، وأحرز الرئيسان في تلك القمة تقدماً طفيفاً؛ إذ حصلت موسكو على التزام شفهي بعدم تقدم الحلف قرب الأراضي الروسية.
لكن هذه المسائل عادت لتشغل الحيز الأكبر من الاهتمام في قمتين لاحقتين جمعتا بوتين وبوش الابن، الأولى في 2002 في موسكو والأخرى في 2005 في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا. وفي 2010 حقق البلدان تقدماً نوعياً بإبرام معاهدة «ستارت3» خلال قمة جمعت الرئيسين باراك أوباما وديمتري مدفيديف في العاصمة التشيكية براغ. وتميزت علاقات أوباما بالتوتر مع بوتين الذي عاد إلى السلطة في 2012، وفشلت القمة الوحيدة التي جمعتهما في 2013 على هامش قمة «مجموعة الثمانية الكبار» في تقريب مواقف الطرفين حيال الملفات المطروحة. ومنذ ذلك الوقت تدهورت العلاقات بين البلدين، خصوصاً، بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في العام التالي، ووصلت - وفقاً لتصريحات الطرفين - إلى «أسوأ مراحلها في التاريخ».


مقالات ذات صلة

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع إيشيبا

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع الأعلام الجورجية والأوروبية مرفوعة في تظاهرات العاصمة الجورجية تبيليسي (رويترز)

«الحلم الجورجي» يكسب الجولة ضد «الحلم الأوروبي»

«لقد انتصرت روسيا اليوم في جورجيا... علينا أن نعترف بذلك»... بهذه الكلمات لخّص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تخوض بلاده حرباً مفتوحة مع روسيا منذ 33

رائد جبر (موسكو )
حصاد الأسبوع لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

حققت الهند والصين تقدماً كبيراً على صعيد المناقشات حول حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ ما يشير إلى إمكانية لتحسين العلاقات في أعقاب المناوشات التي وقعت بين الجانبين، وأسفرت عن تجميد العلاقات بين العملاقين الآسيويين. هذا التقدّم الكبير المتمثل في الإعلان عن الاتفاق على «فك الاشتباك العسكري»، والذي جاء قبيل انعقاد قمة «البريكس» السادسة عشرة في روسيا، مهّد الطريق للمباحثات الثنائية بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جينبينغ. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم أن العلاقات التجارية ظلت عند مستويات قياسية مرتفعة، تضرّرت العلاقات الثنائية في مجالات، بينها الاستثمار والسفر والتأشيرات... ويبقى الآن أن نرى ما إذا كانت العلاقات الثنائية ستتعافى.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الزعيمان الهندي والصيني مودي وشي، وبينهما بوتين خلال تجمّع للقادة المشاركين (رويترز)

الهند أصرَّت على رفض «مبادرة الحزام والطريق» الصينية

> على الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات الصينية - الهندية، رفضت الهند في اجتماع «منظمة شنغهاي للتعاون»، الذي اختتم أعماله حديثاً في باكستان، الانضمام.


أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.