الحكومة العراقية تتعهد التجاوب مع المتظاهرين... وتعتقل عشرات

محتجون يقطعون طريقاً جنوب البصرة أمس (رويترز)
محتجون يقطعون طريقاً جنوب البصرة أمس (رويترز)
TT

الحكومة العراقية تتعهد التجاوب مع المتظاهرين... وتعتقل عشرات

محتجون يقطعون طريقاً جنوب البصرة أمس (رويترز)
محتجون يقطعون طريقاً جنوب البصرة أمس (رويترز)

في وقت تواصلت المظاهرات ضد الفساد وتردي الخدمات في مناطق مختلفة من محافظات وسط العراق وجنوبه، لليوم التاسع على التوالي، أمس، سعت الحكومة العراقية إلى احتواء الاحتجاجات عبر اعتقالات في صفوف المتظاهرين بالتوازي مع وعود بإصلاحات ومخصصات تنموية للمناطق المعنية.
وأكد مكتب رئيس الوزراء إصدار التوجيه للأجهزة الأمنية باتخاذ «إجراءات رادعة ضد المخربين والمندسّين في المظاهرات الشعبية». وقال الناطق باسم المكتب سعد الحديثي إن «هناك مسارين تعمل بموجبهما الحكومة، وهما السعي والاستجابة الجدية والسريعة والآنيّة لجزء من مطالب المتظاهرين، وأيضاً العمل من خلال مسارات أخرى على المدى المنظور المتوسط».
وأضاف: «توجد مطالب أخرى تحتاج إلى وقت وتخصيصات مالية كبيرة، وهذا المسعى الحكومي للتفاعل الإيجابي تجلّى من خلال قرارات مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة وتشكيل لجنة وزارية أُعطيت صلاحيات للذهاب إلى البصرة والبحث في حل الإشكالات المتعلقة بمطالب المواطنين فيها».
ورغم تراجع حدة الاحتجاجات نسبياً، أمس، في شوارع البصرة، فإن المظاهرات أمام حقول النفط والغاز استمرت، وإن لم تؤثر على الإنتاج. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أمنية ونفطية أن نحو 200 متظاهر تجمعوا عند المدخل الرئيسي لحقل السيبة للغاز الطبيعي، أمس، للمطالبة بوظائف.
كما احتشد محتجون من البصرة عند المدخل الرئيسي لثلاثة حقول نفط رئيسية هي «غرب القرنة 1» و«غرب القرنة 2» و«الرميلة». وقال مسؤولون محليون إن الاحتجاج لم يؤثر على إنتاج الخام أو عمليات التصدير. وإلى جانب احتجاجهم عند حقول النفط الثلاثة، أغلق المحتجون ميناء أم قصر الذي يستقبل شحنات الحبوب والزيوت النباتية والسكر، قبل التوصل إلى اتفاق معهم على إعادة العمل في الميناء، أمس.
وكشف قائد عمليات الفرات الأوسط المسؤولة عن كربلاء والنجف وبابل والديوانية، الفريق الركن قيس خلف المحمداوي، عن إلقاء القبض على «مندسّين من خارج المحافظات» التي تشهد المظاهرات ضد سوء الخدمات والبطالة. وقال المحمداوي في تصريح صحافي إن «القطعات العسكرية بصنوفها كافة تعمل على حماية المتظاهرين المطالبين بحقوق مشروعة»، مطالباً المسؤولين بـ«دراسة المطالب بجدية والعمل على تلبية ما هو ميسّر منها».
واعتبر أن «نحو 95% من المتظاهرين سلميون، وكانوا في خندق واحد مع القوات الأمنية قبل أشهر للدفاع عن العراق، وملتزمون بتوجيهات المرجعية»، مشيراً إلى أن «هناك من يركب الموجة لتصفية الحسابات والإساءة إلى العراق وخلط الأوراق لإضاعة حقوق المتظاهرين». وأشار إلى «إلقاء القبض على أشخاص داخل المظاهرات من خارج محافظتي النجف وكربلاء ولا يمتّون بصلة إلى مطالب المتظاهرين وليسوا معنيين بأي أمر سوى أنهم جاءوا لاستهداف القطعات العسكرية ورميها بالحجارة وحتى إطلاق نار على المتظاهرين والقطعات الأمنية».
وأعلنت قيادة شرطة المثنى اعتقال 65 شخصاً وصفتهم بأنهم «من مثيري الشغب والمتهمين بحرق الدوائر الحكومية ومقرات الأحزاب في أثناء المظاهرات التي شهدتها المحافظة» أول من أمس، مشيرة إلى ضبط أسلحة بحوزة بعضهم.
وفي سياق حرق مقرات الأحزاب، اتهمت «منظمة بدر» مَن سمّتهم «المندسين»، بحرق مقرها في محافظة المثنى. وطالب ممثلون عن المنظمة خلال وقفة في المثنى، الجهات الأمنية والمسؤولين والمتظاهرين بـ«كشف هويات من شاركوا بحرق المقر وتسليمهم للعدالة». وأكدوا «الوقوف مع مطالب المتظاهرين المتمثلة بتوفير الخدمات وفرص العمل للعاطلين وإلغاء مشروع خصخصة الطاقة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.