شكلت القمة التي تستضيفها هلسنكي اليوم بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، موضوعاً رئيسياً هيمن طيلة الفترة الماضية على التقارير الرئيسية في وسائل الإعلام الروسية، التي وإن أظهرت بعض الحذر في توقعاتها لنتائج القمة، إلا أنها لم تتمكن في طيات ومضمون تغطياتها من إخفاء آمال تعلقها على تحقيق نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين خلال القمة.
برز في التقارير الصحافية ما يمكن وصفه «دفاع روسي» عن ترمب، شاركت فيه حتى ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، عبر تعليق على حسابها في «فيسبوك»، هذا بينما تجنب الإعلام توجيه أي اتهامات أو انتقادات للرئيس ترمب، مقابل تحميل مؤسسات صناعة القرار التي يعمل معها، المسؤولية عن تدهور العلاقات الثنائية. وعكست تلك التغطيات إلى حد بعيد تبني الإعلام الروسي في تقاريره وجهة نظر بوتين، الذي تجنب تحميل ترمب شخصياً، والخلافات حول ملفات دولية وإقليمية حساسة، المسؤولية عن التدهور في العلاقات الأميركية - الروسية، ولمح إلى أن المعارضة الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي هي السبب، حين قال خلال استقباله جون بولتون، مستشار ترمب للأمن القومي، إن «العلاقات بين بلدينا ليست بأفضل حال (...) أرى أن هذا إلى حد كبير نتيجة الصراع السياسي الحاد داخل الولايات المتحدة نفسها».
«ترمب اعترف لبوتين بأن من يعملون معه حمقى». عبارة انتشرت في معظم وسائل الإعلام الروسية، وشكلت مادة دسمة لعشرات التقارير ومقالات الرأي بشأن العلاقات بين البلدين. وجاءت تلك العبارة في صحيفة «نيويورك تايمز»، التي نقلت عن «مصدر مطلع» قوله، إن «ترمب قال لبوتين خلال اتصال هاتفي إن الأشخاص الذين أشار بوتين إلى أنهم حاولوا منع حوار مباشر بين الرئيسين، حمقى لا يجوز الاستماع لهم».
وكالة «ريا نوفوستي» الحكومية، واحدة من عشرات وسائل الإعلام التي ركزت على ما جاء في الصحيفة الأميركية، ورأت فيه «تنشيطاً للجهود الرامية إلى التقليل من الجوانب الإيجابية التي قد تنشأ في العلاقات الروسية - الأميركية بعد قمة بوتين - ترمب في هلسنكي»، وفي تقرير يخلف انطباعاً لدى القارئ بأن «ترمب رجل طيب يريد تحسين العلاقات معنا، لكن الأشرار من حوله يعرقلون جهوده»، قالت الوكالة، إن وسائل الإعلام الأميركية تريد عبر تقاريرها (منها تقرير «نيويورك تايمز») «إيصال فكرتين إلى القراء، الأولى: ترمب خائن أو أنه على أقل تقدير نرجسي خطير لا يمكنه تركه بمفرده مع بوتين.
والفكرة الأخرى: يمضي ترمب في التقارب مع روسيا، خلافاً لتوصيات إدارته التي لا ترغب أبداً المشاركة في تطبيع العلاقات على خط موسكو – واشنطن».
تبييض صفحة ترمب لم يقتصر على تقارير في الإعلام الروسي تلقي بالمسؤولية على إدارته والكونغرس عن التدهور في العلاقات مع موسكو؛ إذ انضمت ماريا زاخاروفا، إلى «الدفاع عن ترمب»، وتحديداً عن نظرته إلى حلف الناتو، وذلك في إطار نشاطها الإعلامي عبر حسابها الرسمي على «فيسبوك». وأثارت حفيظة زاخاروفا، تصريحات مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق في روسيا، التي قال فيها، إن «دونالد ترمب تسبب خلال عام ونصف العام في أضرار للناتو أكثر مما تسبب به الاتحاد السوفياتي وروسيا طيلة 70 عاماً». وفي ردها على تلك التصريحات، كتبت زاخاروفا «أريد ببساطة تذكير هذا المواطن الأميركي بأنه يعيش في ظل ديمقراطية متطورة، وأن ترمب كشف عن نظرته للناتو قبل الانتخابات الرئاسية بكثير»، وأشارت إلى كتاب نشره ترمب عام 2000، قال فيه إن «تكلفة بقاء القوات الأميركية في أوروبا باهظة جداً. وبالتأكيد يمكن إنفاق تلك الأموال على ما هو أفضل من ذلك».
وتعمدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، عرض خلاصة تصريحات للرئيس ترمب، يتحدث فيها عن نظرته لدور حلف الناتو، وتتقاطع مع رؤية موسكو للحلف باعتباره واحدة من مخلفات حقبة الحرب البادرة، ولا بد من حله. وكتبت زاخاروفا، إن ترمب وضّح وجهة نظره يوم 27 مارس (آذار) 2016 بشأن الناتو، وأضافت بين مزدوجين في إشارة إلى أن هذا الكلام قاله ترمب «الناتو هرم، تم تأسيسه في وقت كان موجوداً فيه الاتحاد السوفياتي، وهو أكبر وأقوى بكثير من روسيا. أنا لا أقول إن روسيا لا تشكل تهديداً، لكن لدينا تهديدات أخرى. لدينا التهديد الإرهابي، والناتو لا يناقش الإرهاب. الناتو لم يتم تشكيله لهذه المهمة. ولا يوجد في الناتو دول قادرة على التصدي للإرهاب».
محاولات الإعلام الروسي تبرير مواقف أو تصريحات الرئيس الأميركي استمرت حتى الساعات الأخيرة قبل القمة. وفي هذا السياق ذهبت صحيفة «إزفستيا» إلى التخفيف من حدة وصف ترمب لبوتين بأنه «منافس وليس صديقاً»، ونقلت عن السيناتور فلاديمير جاباروف، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الفيدرالي، قوله إن «طريقة توجيه السؤال لترمب حول العلاقة مع بوتين استفزازية»، موضحاً أنه «لو أجاب ترمب بأن بوتين صديق، فهذا سيُحسب عليه، وإذا وصفه عدو فلن يروق هذا للجانب الروسي؛ لذلك من الطبيعي القول إنه شريك، منافس»، ورأى جاباروف أن «هذا لا يعني أن كلامه سيعرقل إمكانية الجلوس والاتفاق»، وعبّر عن قناعته بأن «ترمب اضطر إلى الإجابة بهذا الشكل».
ويبدو أن تجاهل الإعلام الروسي قرارات خطيرة اتخذها ترمب، عمقت الأزمة في العلاقات مع روسيا، خطوة يُراد منها خلق مناخ إعلامي إيجابي، وربما لإيصال رسائل ودية عشية القمة.
ومع تأكيده أكثر من مرة رغبته في تحسين العلاقات بين البلدين، إلا أن هذا لم يمنعه من اتهام روسيا بانتهاك معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ولم توقفه وعوده عن قراره بالرد على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي، وقصف مواقعه رغم التهديدات الروسية، ولا من اتخاذ الكثير من الخطوات التي وصفها مراقبون بأنها تتعارض جذرياً مع حديثه حول الرغبة بتحسين العلاقات الروسية –الأميركية.
على الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل رغبة كبيرة لدى الجانب الروسي بأن تساهم قمة بوتين – ترمب على أقل تقدير في إطلاق حوار بين البلدين وتفعيل قنوات الاتصال التي ما زالت مجمدة منذ عام 2014، بقرار من إدارة أوباما. وفي تقرير بعنوان «قمة الآمال»، نشرت صحيفة «إزفستيا» الروسية حواراً مع رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، تناول بصورة خاصة التوقعات لنتائج قمة هلسنكي، وقال فيه، إن «بلغاريا تعلق آمالاً كبيرة على قمة الرئيسين بوتين وترمب»، وأضاف «أعتقد حقيقةً أن القمة من شأنها أن تساعد في إيجاد وسائل لتسوية المسألة السورية، وهو ما سيساهم في الحد من موجة اللجوء إلى أوروبا».
إلى جانب المئات من التقارير السياسية في الإعلام الروسي حول القمة والتوقعات لنتائجها، توقفت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» عند التأثير الذي قد تخلفه نتائج محادثات بوتين – ترمب على سعر الروبل الروسي.
وفي تقرير بعنوان «أربعة أحداث ستغير ميزان القوى بين الروبل والدولار»، قالت الصحيفة «سيجري منتصف الشهر الجاري لقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي، ويمكن أن تُدخل محادثاتهم بعض التعديلات على التعاملات في سوق المال. وفي حال عدم الخروج بنتائج إيجابية للعلاقات بين البلدين، وغياب أي اتفاقات حول التعاون لاحقاً في الملف السوري، وفيما يخص العقوبات، فإن هذا سيؤدي إلى تراجع قيمة الروبل أمام الدولار بنسبة محدودة. أما إذا كانت الأجواء العامة للقمة إيجابية فإن هذا سيساهم في تعزيز قيمة الروبل».
أخيراً، يُذكر أن وسال الإعلام الروسية كانت قد نشرت أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية خريف عام 2016، وبعد دخول ترمب البيت الأبيض، الكثير من التقارير التي مدحت فيها الرئيس ترمب، ورأت أنه سيسارع قبل كل شيء إلى تطبيع العلاقات مع موسكو. إلا أن الشعور بخيبة أمل بعد أشهر عدة من رئاسة ترمب دفع الكرملين إلى توصية وسائل الإعلام الروسية بالتوقف عن كيل المديح للرئيس الأميركي.
الإعلام عشية قمة ترمب وبوتين... حذر روسي ومواجهة أميركية
صحف موسكو تحمّل سياسيي واشنطن مسؤولية تدهور العلاقات
الإعلام عشية قمة ترمب وبوتين... حذر روسي ومواجهة أميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة