كيف نؤرّخ لذواتنا؟

المسافة بين السيرة واقعاً وكتابة

كيف نؤرّخ لذواتنا؟
TT

كيف نؤرّخ لذواتنا؟

كيف نؤرّخ لذواتنا؟

تدل «السيرة» في الاصطلاح الحديث على «تاريخ الحياة للأفراد». وقد أطلق العرب كلمة «سيرة» على ما كتب من حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم توسعوا في مدلولها فأطلقوها على حياة بعض الأشخاص، وهذا النوع من السير هو النوع الأول المعروف باسم «السيرة الغيرية»، أو ما يعرف لدى الغرب باسم «Biography». وهذا النوع من السيرة يعني، باختصار، «البحث عن حقيقة في حياة إنسان فذ، والكشف عن مواهبه وأسرار عبقرية من ظروف حياته التي عاشها، والأحداث التي واجهها في محيطه والأثر الذي خلفه في جيله أو بعبارة أوضح (الكتابة عن أحد الأشخاص البارزين لاستجلاء شخصيته، والكشف عن عناصر العظمة فيها)».
وقد عُني بعضهم بتحديد مواطن الالتقاء بين السيرتين: الغيرية والذاتية، غير أن ذلك أدى إلى الوقوع في الخلط بينهما، حيث ذهب بعض الدارسين «إلى أنه لا فرق بين السيرتين في الغاية والشكل والمضمون، سوى أن السيرة الذاتية تكتب بصيغة المتكلم، بينما تكتب الأخرى بصيغة الغائب».
والحقيقة أن السيرتين غير متفقتين مطلقاً «لاختلاف الصفات التي تجود بهما كل من السيرتين»، بالإضافة إلى أن بعض السير الذاتية قد كتبت بصيغة الغائب، ومن ذلك «أيام» طه حسين، التي تعد من أشهر السير الذاتية العربية.
على أنه من المهم الإشارة إلى أن النقد العربي الحديث قد استوعب التفرقة بين المصطلحين الغربيين المركبين تركيباً مزجياً، فحكاهما لفظاً وقال: «السيرة الغيرية» لـBiography و«السيرة الذاتية» لـAutobiography.
وتشكل السير الذاتية نمطاً متميزاً في الفنون الأدبية، غير أن الكتب التي تتناول هذا الفن بوصفه فناً أدبياً مستقلاً عن فن السيرة الغيرية قليلة بالمقارنة مع الكتب التي عُنيت بتحديد مفهوم الأجناس الأدبية الأخرى، خصوصا الشعر والمسرح بصفتهما أقدم الأجناس الأدبية. ولعل السبب يكمن في أن السيرة الذاتية جنس أدبي جديد بمفهومه المعاصر، إذ لا يتجاوز عمر مصطلحه القرنين، على وجه التقريب، وهي فترة قصيرة، يتعذر الاتفاق فيها على تعريف محدد وواضح لمفهوم هذا الفن وحدوده، حيث لم يتفق النقاد أو أصحاب النظريات بعد على تعريف معين للسيرة الذاتية، فمنهم من تحدث عن «العقد الأوتوبيوغرافي» وجعل منه أساساً لتعريفه السيرة الذاتية، ومنهم من فضَّل تعريفاً يعتمد على كتابة السيرة الذاتية نفسها، لا على العلاقة المفترضة بين المؤلف والقارئ.
كيف نؤرّخ لذواتنا؟
السؤال يتناول «تاريخ الذات»، أي أن يتولى الإنسان نفسه التأريخ لنفسه، وكاتب التاريخ أمين، يستند على التواريخ، وعلى تسلسل الأحداث، وكيف وقعت، ويحللها، ويفسّرها، ويراعي الربط بينها، لكن هل يمكن تحقق ذلك من دون استعداد مبكّر لهذه المهمة الصعبة؟
أما السيرة الذاتية بوصفها عملاً إبداعياً فتحتاج إلى روافد كثيرة تساعد على نجاحها، وتحتاج إلى تخطيط مسبق قبل البدء بكتابتها، وربما كان الإقدام على كتابتها أشبه بمن يخطط لبناء منزل، فليس من المتصور إطلاقاً أن يكون البناء كيفما اتفق، وإنما يخضع المشروع لتفكير طويل واستشارات ومداولات وعناية ومتابعة واهتمام.
والسيرة الذاتية في مراحل بنائها شبيهة جداً بالمراحل التي يمر بها بناء المساكن، ويفترض أن يحضر كاتبها كل أوراقه ومستنداته، وملفاته القديمة والجديدة، ومقالاته وكتبه، ومشاركاته في الحياة العامة المكتوبة في شكل يوميات أو بأي صيغة كانت، ويستدعي بالضغط على الذاكرة كل الصعوبات والعقبات التي صادفته في الحياة، ويستعيد ذكريات السفر، وعلاقاته بالآخرين، وينظر إلى كل هذه المواد على أنها مواد أولية تحتاج إلى انتقاء واختيار، وإعادة تصنيع حتى يمكنها أن تدخل في البناء النهائي للسيرة الذاتية.
وفي مواجهة هذه المصادر للسيرة الذاتية نحتاج إلى ترتيبها زمنياً، فلا نتحدث عن الحياة العملية قبل مراحل التعليم، أو نتحدث عن مراحل التعليم قبل مرحلة الطفولة المبكرة، وينبغي أن تكون لدى كاتب السيرة الذاتية القدرة الانتقائية الصارمة التي تستبعد غير المهم، وتضحي بكثير من الأحداث العادية، وتسدل الستار على المواقف غير المؤثرة في حياته، في وقت يُحتفى فيه ببعض الأحداث الصغيرة في ذاتها، المؤثرة في الجملة، ولها دور في تشكيل شخصيته ومسار حياته، فيعمد إلى تحليلها وبيان أثرها، ويربط ماضي حياته بحاضرها في إطار هذه الأحداث، وبلغة واقعية ليس فيها تدليس ولا مبالغة ولا تهوين من شأن الذات وتحقير لها، بل يحرص قدر الإمكان على أن تكون روايته صادقة مقنعة متسقة مع أحداث حياته التي شاركه فيها الآخرون، وليس بالإمكان تزييفها وبهرجتها وقلب حقائقها.
وفي رأيي... أن أفضل الأعمال التي يمكن أن نقرأها في جنس السيرة الذاتية هي التي سينهض بها كُتّاب القصة والرواية؛ لأن هذا الجنس قصة حياة ورواية أحداث، وليس أقدر من هؤلاء على القص والرواية.
وبين يدي أعمال، أراها ناجحة في هذا المجال، ومن بينها: «حياتي مع الجوع والحب والحرب» لعزيز ضياء، و«مكاشفات السيف والوردة» لعبد العزيز مشري، و«سيرة شعرية» و«حياة في الإدارة» لغازي القصيـبي، و«غربة المكان» لإبراهيم الناصر الحميدان، في حين أرى أن بعض من تصدى لكتابتها (دون أن أذكر أسماء محدّدة) لم يوفقوا، فجاءت سيرهم مباشرة مثقلة بالتفاصيل العادية غير المهمة، متضخمة في صفحاتها، متكئة في كثير من الأحيان على أوراق لا قيمة لها كخطابات الشكر المعتادة أو نحوها.
السيرة الذاتية عمل صعب لا يخلو من تحدٍ ومغامرة، وأهم سماتها الصدق والبوح، وثانيها المنطقية والتدرج والانتقاء الصارم، وثالثها الإيجاز ودوره في بناء السيرة بناء متقناً دون ترهل وحشو وتفصيلات وإطالة تثقل العمل وتجلب الملل للقارئ والناشر على السواء!
وقد لا يتأتى له الوفاء بهذه الشروط، وتجنب المزالق، دون القراءة المعمّقة في الدراسات النقدية التي تصدت لهذا الجنس الأدبي؛ العربية وغير العربية، وهي كثيرة جداً.

* أستاذ الأدب المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية اللغة العربية بالرياض - قسم الأدب، نائب رئيس مجلس إدارة «جمعية الأدب العربي»، والمقالة مقتطفات من محاضرة ألقيت أخيراً في ديوانية «جمعية المتقاعدين الوطنية»



مصر تراهن سياحياً على «المتحف الكبير» في «بورصة برلين»

بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تراهن سياحياً على «المتحف الكبير» في «بورصة برلين»

بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)
بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تراهن مصر على المتحف الكبير المقرر افتتاحه رسمياً في شهر يوليو (تموز) المقبل، في بورصة برلين السياحية الدولية بألمانيا لاجتذاب أكبر عدد ممكن من السائحين المهتمين بالحضارة المصرية القديمة.

وتصدرت صور المقومات والوجهات والمنتجات السياحية المختلفة والمتنوعة في مصر وشعار الحملات الدعائية للمقصد السياحي المصري «مصر... تنوع سياحي لا مثيل له» الواجهات الرئيسية لمبنى أرض المعارض (Messe Berlin) والمخصص لإقامة بورصة برلين السياحية الدولية في ألمانيا (4 - 6 مارس/ آذار الحالي).

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار المصرية، جرى «اختيار الأماكن المتميزة لوضع الصور واللافتات الدعائية الإعلانية للمقاصد السياحية المصرية المختلفة بالشوارع المحيطة بمقر البورصة التي تتزين حالياً بصور عن المتحف المصري الكبير، الذي سيتم افتتاحه كاملاً رسمياً يوم 3 يوليو المقبل، والشواطئ المشمسة ذات المياه الصافية، والمواقع الأثرية الفريدة في مصر، هذا بالإضافة إلى علم مصر الذي يرفرف عالياً وسط أعلام دول العالم التي زينت الشوارع المؤدية إلى مقر البورصة.

وتشارك مصر بجناح في بورصة برلين للسياحة تبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويضم 118 عارضاً من بينهم 47 شركة سياحة و67 فندقاً، بالإضافة إلى 3 شركات طيران، علاوة على مشاركة جمعية الحفاظ على السياحة الثقافية، بالإضافة إلى تخصيص أماكن في الجناح لغرفة المنشآت الفندقية وغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة.

وقد جاء تصميم الجناح المصري على شكل معبد فرعوني، ويضم شاشات عرض كبيرة لعرض الأفلام الترويجية عن المقاصد السياحية المصرية المختلفة وما تتمتع به من ثراء في المقومات والمنتجات والأنماط السياحية المتنوعة، التي لا تضاهى في العالم.

الجناح المصري في بورصة برلين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وخصص جزءٌ من الجناح للمأكولات والمشروبات المصرية التقليدية والتراثية التي يتميز بها المطبخ المصري، بالإضافة إلى الأنشطة الفلكلورية المصاحبة التي تقدم للجمهور.

وتعد بورصة برلين السياحية الدولية أحد أهم وأكبر المعارض السياحية التي تُقام على مستوى العالم وملتقى دولياً للمتخصصين بصناعة السياحة، حيث تحظى بحضور عدد كبير من المتخصصين ومتخذي القرار في صناعة السياحة من مختلف دول العالم.

أعلام الدول المشاركة في بورصة برلين للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتسعى مصر لاستقبال 17 مليون سائح العام الحالي، وذلك بعد استقبالها 15 مليون العام الماضي، معولةً على افتتاح المتحف الكبير بشكل رسمي وزيادة عدد الغرف الفندقية بالبلاد.

وبدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليُشيَّد في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة.

مصر تعول على المتحف الكبير في اجتذاب المزيد من السائحين (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعد المتحف أحد أهم وأعظم إنجازات مصر الحديثة؛ فقد أُنشئ ليكون صرحاً حضارياً وثقافياً وترفيهياً عالمياً متكاملاً، وليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم، كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة، حيث يحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر (تشرين الثاني) 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مُشيد الهرم الأكبر في الجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلاً عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، حسب موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.