مصر تنشئ أول مصنع للمستنسخات الأثرية لمواجهة القطع الصينية

بهدف الحفاظ على الآثار وحمايتها من التشويه

تمثال «أبو الهول» (الصيني) قبل تفكيكه من قبل الحكومة الصينية بعد شكوى مصر
تمثال «أبو الهول» (الصيني) قبل تفكيكه من قبل الحكومة الصينية بعد شكوى مصر
TT

مصر تنشئ أول مصنع للمستنسخات الأثرية لمواجهة القطع الصينية

تمثال «أبو الهول» (الصيني) قبل تفكيكه من قبل الحكومة الصينية بعد شكوى مصر
تمثال «أبو الهول» (الصيني) قبل تفكيكه من قبل الحكومة الصينية بعد شكوى مصر

قررت وزارة الآثار المصرية إنشاء أول مصنع لتصنيع المستنسخات الأثرية لتحقيق مردود اقتصادي، مع الحفاظ على هوية الآثار المصرية، وحمايتها من التشويه. وقال الدكتور عمرو الطيبي، المدير التنفيذي لوحدة إنتاج النماذج الأثرية في وزارة الآثار، إن الوزارة تعمل على دراسة إنشاء المصنع منذ عام تقريباً، وقد انتهت دراسة الجدوى الخاصة به، وسيكون المصنع جاهزاً للافتتاح خلال عام من الآن.
وأضاف الطيبي في تصريحات صحافية: «إن المصنع يهدف لحماية حقوق الملكية الفكرية للآثار المصرية، وتحقيق مردود اقتصادي، وزيادة دخل وزارة الآثار، وذلك بالتعاون مع جميع الجهات المعنية»، لافتاً إلى أن «مقر المصنع سيكون بالقرب من منطقة الأهرامات في الجيزة (غرب القاهرة)، بتكلفة إجمالية تتخطى 100 مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري)»، موضحاً أنّ وحدة إنتاج النماذج الأثرية تعتبر النواة الأساسية للمصنع المقرر إنشاؤه، وهي تضم كفاءات فنية على أعلى مستوى أُعدت جيداً خلال الفترة الماضية بشكل كبير.
وتابع الطيبي قائلاً إن اعتماد الوزارة بشكل رئيسي على استيراد المستنسخات الأثرية من الصين سبب مشكلات كبيرة للآثار المصرية الأصلية بسبب تشوه المستنسخات الصينية، بالإضافة إلى أن السياح يريدون رؤية المنتج المصري، وليس الصيني.
ونوه إلى أن وحدة المستنسخات الأثرية تعمل منذ سنوات كثيرة على صناعة المستنسخات الأثرية التي ستطور هذه الوحدة وتصبح مصنعاً، بدلاً من كونها وحدة فقط، وتضم كفاءات كبيرة في مجالات كثيرة، في النحت والخزف والمشغولات المعدنية والتفعيل والأخشاب.
يشار إلى أن مصر قد طلبت من الصين إزالة نسخة مقلدة من تمثال أبو الهول للمرة الثانية، قبل وضعه في إحدى حدائق مدينة شيجياتشوانغ التابعة لمقاطعة خبي بشمال الصين. وحسب تقارير صحافية، فإن ارتفاع التمثال المستنسخ يبلغ 20 متراً، وطوله 60 متراً، وفيه تجويف داخلي مقسم إلى طابقين لاستقبال السياح.
وسبق لمصر أن خاضت مواجهة مع الحكومة الصينية في أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، استمرت لنحو عامين، من 2014 حتى عام 2016، على خلفية صنع الصين نسخة من تمثال أبو الهول، وهي المعركة التي انتهت لصالح القاهرة بهدم النسخة الصينية.
وقالت مصادر بوزارة الآثار المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «إنّ الوزارة بدأت بالتواصل مع وزارة الخارجية للتأكد من صحة المعلومات، وما إذا كانت التقارير الصحافية دقيقة»، وأضافت: «في حال صحة المعلومات ستُتخذ الإجراءات الرسمية، بتقديم شكوى لمنظمة اليونيسكو».
وتهدف الدورات التدريبية التي أطلقتها وزارة الآثار إلى الارتقاء بجودة النسخ المقلدة للقطع الأثرية، وتحسين كفاءة الحرفيين العاملين في المهنة، إضافة إلى فتح الباب أمام الشباب لامتهان هذه الحرفة التي تعد أحد أهم مصادر قوة مصر الناعمة، لما لها من تأثير مباشر في نشر الإبداع والفن المصري، والترويج للحضارة المصرية بمختلف عصورها.
يقول الدكتور سمير الخولي، عضو لجنة الصناعات الصغيرة في مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»: «الدورات تنظمها وزارة الآثار، وستكون مفتوحة أمام جميع الشباب، وكذلك الحرفيين العاملين في المهنة، وتهدف إلى الارتقاء والحفاظ على هذه الحرفة الهامة، وسيحصل المشاركون على شهادات رسمية تؤهلهم للعمل في هذا القطاع، سواء في مصر أو خارجها».
وفي غضون ذلك، طالب أثريون باستحداث تشريع يحمي حقوق الملكية الفكرية للتراث المصري المستنسخ، لضمان حقوق مصر المادية، وتقنين استنساخ هذه القطع في أي مكان بالعالم.
وفي السياق ذاته، قال أستاذ الآثار الدكتور محمد الكحلاوي، الأمين العام لاتحاد الأثريين العرب، لـ«الشرق الأوسط»: «نطالب منذ أكثر من 5 سنوات بضرورة استصدار تشريع يحمي الملكية الفكرية للقطع الأثرية المصرية، فكثير من دول العالم تستنسخ الآثار المصرية من دون أن نحصل على أي مقابل، ومن شأن التشريع الذي نطالب به أن يعود على مصر بمكاسب مادية كبيرة. ففي حال أرادت أي دولة استنساخ أي قطع أثرية، يجب أن نحصل على مقابل مادي بموجب حق الملكية الفكرية».
ويضيف: «لا يمكنك أن تفتح محلاً تجارياً وتضع عليه لافتة تحمل اسم أحد المطاعم الدولية من دون أن تحصل على حق استخدام العلامة التجارية، وتدفع المال في مقابل ذلك، وعندما أنشأت الإمارات العربية نسخة من متحف اللوفر دفعت لفرنسا مبلغاً كبيراً، في حين أن دولاً كثيرة استنسخت مدناً أثرية مصرية كاملة من دون أن تدفع شيئاً».
وتعرضت حرفة صناعة المستنسخات الأثرية لأزمات متلاحقة بسبب ركود السوق السياحية في مصر، وتحول كثير من الفنيين المتخصصين في هذه الصناعة إلى مهن أخرى، كما تنتشر البازارات المتخصصة في بيع القطع والمنتجات الأثرية بالمناطق الأثرية المصرية المختلفة، إلا أن أبرزها وأكثرها شهرة منطقة خان الخليلي في القاهرة الفاطمية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».