دراسات عربية وأجنبية تتناول «النقشبندية» وتطورها عبر التاريخ

دراسات عربية وأجنبية تتناول «النقشبندية» وتطورها عبر التاريخ
TT

دراسات عربية وأجنبية تتناول «النقشبندية» وتطورها عبر التاريخ

دراسات عربية وأجنبية تتناول «النقشبندية» وتطورها عبر التاريخ

يدرس «النقشبندية: النص.. التاريخ.. الأثر»، وهو كتاب الشهر (134) الصادر عن مركز المسبار في دبي، هذه الظاهرة الدينية، وتشكلها عبر التدين الجماعي والفردي، وتأثرها بالمحيط الثقافي، ثم تطورها وفقاً للزمان والمكان والرجال. ويختار المؤلف الطريقة النقشبندية لتوضيح معاني التصوف السني، وهو واحد من أعمدة الطرق الصوفية السنية اللاحقة لها، وقد عم تأثيرها النطاقين الآسيوي والأفريقي، ولا يزال حضورها السياسي والاجتماعي محط اهتمام الباحثين، كما استطاعت مبادئها في الذكر والتربية الروحية أن ترسخ قيماً جديدة على الممارسة الصوفية.
وتتناول الدراسة فصلاً كتبه حامد ألجار، وهو أستاذ فخري بريطاني - أميركي متخصص في الدراسات الفارسية في كلية دراسات الشرق الأدنى جامعة كاليفورنيا، بعنوان: «الطريقة النقشبندية: استقراء تمهيدي لتاريخها وأهميتها»، يقدم فيه محاولة لاستقراء مجمل تاريخ النقشبندية في مساحة بحثه. وقد ترتب عنها بالضرورة تبسيط كبير وإسقاطات كثيرة، خصوصاً في ما يتعلق بالتطورات الأخيرة للنقشبندية في آسيا الوسطى، وتوسعها في سيبيريا والصين. لكن المحاولة نجحت في إظهار تواصل الطريقة مع أصولها المبكرة، وفي إظهار أنها لعبت دوراً مميزاً متماسكاً على امتداد تاريخها، وبالتالي في شرح تعريف التصوف الذي كان نقطة انطلاقة بحثه.
ويضم الكتاب أيضاً فصلاً بعنوان: «النَّقْشَبَنْدِيَّة في إيران ومَا وَراءَ النَّهْر.. النشأة والمبادئ»، للباحث المصري المتخصص في التاريخ الإسلامي أحمد محمود إبراهيم، ويتناول فيه نشأة النقشبندية في إيران ومبادئها. ويعرف الطريقة النقشبندية في سياقها التاريخي الذي نشأت فيه، فحدد لها وجهتها ورسم لها طريقها، منذ ظهورها الأول في شرق إيران وما وراء النهر إبان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، مروراً بما عرفته من ألوان النمو والتطور على يد مشايخها الأوائل ورجالها، مثل: يوسف الهمذاني، وعبد الخالق الغجدواني، ومحمد بهاء الدين نقشبند البخاري.
أما الباحث المصري محمد السيد البرسيجي، فيكتب دراسة بعنوان: «معالمُ التربية الروحية عند مولانا بهاء الدين شاه نقشبند»، ويستعرض من خلالها «واسطة عقد مشايخ الطريقة العلية، الذي سُمِّيت الطريقة بشهرته التي اشتهر بها، محمد بهاء الدين، المعروف بشاه نقشبند، وعن معالم وخصائص التربية الروحية لديه، من خلال المصادر العربية والمترجمة التي وقفتُ عليها، وهي غير كثيرة للأسف».
ويشير الباحث العراقي في التراث والتاريخ الإسلامي رشيد الخيُّون، في مستهل دراسته بعنوان: «تفرعات النقشبندية: مشيختا البارزانية وحه قه»، إلى أن هناك حالياً طريقتين صوفيتين بكردستان العراق، هما: القادرية والنقشبندية. والأولى أكثر انتشاراً بين عامة الناس، والثانية هي الأقرب إلى الوسط الثقافي. ولعلّ السبب في ذلك أنّ القادريّة تعتمد رياضة الأفعال الخارقة، مثل التهام النار وطعن الجسد بالسيف والخنجر وملاعبة الأفاعي، وغيرها من المخاطر التي تجذب النَّظر، بينما شاعت النقشبندية في الوسط الثقافيّ، إلى حدّ ما، لطبيعة طقوسها، وتجرّدها عن تلك الرياضات، وهو ما يركز عليه الباحث.
أما الباحث والأكاديمي الهندي صاحب عالم الأعظمي الندوي، فيرى في دراسته بعنوان: «ملفوظات الشيخ أحمد السرهندي في إصلاح أركان الدولة»، أن الصوفية أسهموا في مجال الإصلاح والنصيحة والإرشاد من خلال ملفوظاتهم ومكتوباتهم في العصور الإسلامية، لا سيما في عصري سلطنة دهلي والدولة المغولية.
ويقول محمد هاشمي، أستاذ الفلسفة والتصوف في جامعة محمد الخامس بالمغرب، في دراسته بعنوان: «عناصر من الفكر الهندي لفهم صمت الذكر النقشبندي: ما وراء اللغة»، إن ما يميز الحساسية الصوفية عن غيرها من الحساسيات المعرفية هو ترفعها عن التطابق المباشر والبسيط مع ما يظهر ويحضر في هذا العالم.
أما الباحث المصري في الإسلاميات والتصوف خالد محمد عبده، فيقول في مقالته التي حملت عنوان: «لقاء المولوية والنقشبندية من خلال أعمال عبد الغني النابلسي»، أن كتاب عبد الغني النابلسي «العقود اللؤلؤية في طريق السادة المولوية» يعتبر أقدم نصٍّ عربي معروف عن الطريقة المولوية، وإن كان النصّ دفاعياً في أغلبه، ولا يقدم للقارئ معلومات تفيد في تأريخ التصوف المولوي، بقدر ما يفيدنا النصّ في التّعرف على انتشار المولوية خارج مدينة قونية، وإثارة طقوسها الكثير من الجدل، عند الصوفية والفقهاء. وقد عُرف عن النابلسي محبته للمولوية، طريقة وممارسة. هذه الدراسة تستعرض قراءات لما قدمه النابلسي من خلال حديثه كصوفي نقشبندي عن الطريقة المولوية.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
آسيا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال حفل الافتتاح (رويترز)

مودي يفتتح معبداً هندوسياً بُني على أنقاض مسجد تاريخي

افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اليوم معبداً هندوسياً، بني على أنقاض مسجد تاريخي، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة في سياسته القومية المحابية للهندوسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»