سيارات كلاسيكية عالمية نادرة من القرن الماضي في معرض بموسكو

يجمع ما بين الفن والذوق الرفيع ومهارة صناعة السيارات

«هورش بولمان ليموزين» تصنيع عام 1938
«هورش بولمان ليموزين» تصنيع عام 1938
TT

سيارات كلاسيكية عالمية نادرة من القرن الماضي في معرض بموسكو

«هورش بولمان ليموزين» تصنيع عام 1938
«هورش بولمان ليموزين» تصنيع عام 1938

استضافت صالات العرض في «البيت المركزي للفنانين» في موسكو معرضاً خاصاً للسيارات القديمة، التي كانت تتمتع بشهرة واسعة منذ العشرينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي. وشكل المعرض حدثاً مميزاً يجمع ما بين الفن والذوق الرفيع ومهارة صناعة السيارات، فضلاً عن فن ترميمها الذي يشمل الحفاظ على جمالها كتحفة تاريخية، وفي الوقت ذاته سلامة محركها وأجهزتها لتكون قادرة على السير وكأنها خرجت حديثاً من المصنع. وعرضت «دار يغورفيخ للمزادات»، وهي الجهة المنظمة للمعرض أكثر من 120 معروضاً، بينها سيارات ودراجات نارية كانت رائجة في الفترة ذاتها من القرن الماضي، فضلاً عن قطع غيار وإكسسوارات للمعروضات، حافظ عليها عشاق سيارات ضمن مجموعات تاريخية خاصة بهم.
وشمل العرض سيارات قديمة من طراز «بينتلي» و«كاديلاك» و«فيراري» و«هارلي ديفيس» و«مرسيدس بنز» و«بورش»، و«فورد»، فضلاً عن سيارات روسية قديمة مثل «موسكفيتش» و«غاز»، و«زيس»، و«زاز»، وغيرها. وكانت هناك بعض موديلات السيارات النادرة، مثل السيارة البرمائية السوفياتية «آرغو»، الوحيدة التي تم تصنيعها في تشيليابينسك في روسيا. وبالطبع شاركت في المعرض مجموعة سيارات تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن كل واحدة من السيارات المعروضة كانت محط اهتمام الزوار، فإن سيارة من ماركة «فورد» موديل «تي فايف باسنجر تيورنيغ» كانت لها هيبة مميزة، فهي تقف باللون الأسود التقليدي وتعيد إلى الأذهان تفوق هنري فورد على منافسيه في سوق السيارات، بعد أن أدخل هذا الأسلوب الحديث في التصميم والتصنيع، واعتماده اللون الأسود وحيداً لإنتاجه، لدرجة أن ظهرت عبارة تدل على هذه الماركة «يمكنك اختيار سيارة من أي لون، لكن بشرط أن يكون أسود». ومقابل فورد الأسود، كانت هناك البيضاء «تاترا» موديل عام 1934، التي تعد فخر الصناعات التشيكية. واللافت أن مصنع تلك السيارات لم يكن في جبال تتارانسكي في التشيك، وإنما في منطقة بيسكيد، التي باتت اليوم ضمن حدود بولندا. وصمم هذا السيارة المهندس التشيكي الشهير هانس ليدفنيك، ووصف مراقبون سيارته بأنها أعجوبة حينها.
وللسيارة «بينتلي» موديل «إس 1» إنتاج عام 1958، قصتها اللافتة أيضاً، فهي أول سيارة من إنتاج «بينتلي» تتخلص من صندوق التروس الميكانيكي، أي ناقل السرعة اليدوي؛ نظراً لأن الشركة بدأت في تلك المرحلة تصنيع ناقل الحركة الهيدروليكي بترخيص من «جنرال موتورز هيدروماتيك». كما يتميز هذا الموديل من «بينتلي» بأنه الأول الذي يتم فيه استخدام مقوي هيدروليكي لعجلة القيادة، وتم تركيب مكيف هواء فيها. وأنتجت «بينتلي» 3538 سيارة من هذا الموديل. ومن السيارات السوفياتية كانت تقف سيارة ماركة «زيس» بهيبة ووقار في المعرض. وهي أول سيارة من هذه الفئة يتم إنتاجها في الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية. ولتصنيعها افتتحت السلطات السوفياتية أقساماً خاصة في مصنع يحمل اسم «ستالين»، قبل ذلك كان يجري تصنيع هذه السيارة في ساحات مشتركة مع سيارات النقل، وتقول المراجع التاريخية، إن فصل أقسام الإنتاج بين السيارات الخفيفة من هذه الفئة، وإبعادها عن أقسام تصنيع السيارات الثقيلة وسيارات النقل، كان بهدف ضمان مستوى عالٍ من ثقافة الإنتاج. واستمر إنتاج «زيس 110» حتى عام 1958، وأنتج المصنع 2083 سيارة من هذا الموديل. وشاركت في المعرض سيارات سوفياتية أخرى من ماركة «بوبيدا» بينها موديل رياضي.
ما لا يمكن تجاهله بين الموديلات المشاركة في معرض السيارات القديمة، هي سيارة نادرة ماركة «آرغو»، وهي سيارة برمائية، بثماني دواليب، تم تصنيعها في مصنع تشيليابينسك للجرارات بمبادرة من رئيس مجموعة النواقل الهيدروليكية في المصنع، وساعده في تصنيعها ثلاثة من العمال. واعتمد المهندس الروسي تقنية خاصة لهذه السيارة، حيث يقوم ناقل الحركة الهيدروستاتيكي بنقل طاقة الدوران الميكانيكية من عمود المحرك إلى العجلات دون استخدام ناقل الحركة اليدوي. أما هيكلها فتم تصنيعه من صفائح من الألمنيوم. في اليوم الأخير من المعرض جرى تنظيم مزاد أتاح لعشاق السيارات القديمة اقتناء أي موديل يرغبون فيه، واشترى أحدهم سيارة «تاترا»، لكن لم يكشف المنظمون عن المبلغ الذي دفعه، إلا أن السعر الأولي المعلن كان 1.5 مليون روبل (نحو 25 ألف دولار أميركي). بينما قدر مشاركون في المعرض سعر سيارة «آرغو» بنحو 10 ملايين روبل (نحو 166 ألف دولار).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».