رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

كتاب يرصد جهوده في «نقد الشعر» مع ذكرى رحيله

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة
TT

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

وهو يتتبع المسيرة الرائعة لشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا في كتابه «شعراء عالميون»، يخلص الناقد المصري الراحل رجاء النقاش من قراءة تعريفات نيرودا عن الشعر إلى أن «الشعر سيف ومنديل»، وذلك «حتى يمكن لهذا الشعر أن يجفِّف العَرَق بعد الجهد والآلام الكثيرة، وأن يكون سلاحاً في معركة الخبز». هذا الانحياز الإنساني الوظيفي لدور الشعر والشاعر في خدمة البشر والقضايا العادلة، لم يألُ النقاش جهداً في التأكيد عليه في كل كتاباته عن الشعر، فلديه «الشعر ضرورة للناس جميعاً».
ولترسيخ هذا الدور الكبير للشعر سيفاً ومنديلاً، قدَّم النقاش (1934 - 2008)، الذي مرَّت في شهر فبراير (شباط) الماضي ذكرى وفاته العاشرة، إسهامات كبيرة محبة خادمة وفاهمة وواعية بضرورة الشعر وحاجتنا البشرية إليه، جاسراً في كل كتاباته وطروحاته النقدية الصحافية ذات اللغة المبسطة والمشوقة والقريبة والعميقة في الآن نفسه، ما يتخيله البعض فجوة بين الشاعر والمتلقي، مقدِّماً بذلك خدمات جليلة سواء للقارئ العربي أو للشعراء أنفسهم، لا سيما أنه كان كشافاً لعدد كبير من الشعراء (على رأسهم الشاعر محمود درويش «شاعر الأرض المحتلة» ونظراؤه)، إلى جانب حماسه المعروف عنه لشعراء الستينات منذ بزوغ أزهارهم الأولى.
وبالتزامن مع الذكرى العاشرة لرحيله، صدر عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش» لمؤلفه الأستاذ الأكاديمي رجب أبو العلا، متخذاً من الأطروحات والمواقف والقضايا التي ناقشها رجاء النقاش في كتاباته عن الشعر والشعراء مجالاً لتقديم رؤية شاملة عن النقاش ناقداً للشعر.
كان الشعر هو الميدان المحبَّب للناقد الراحل، تمتع برصيد كبير بين مؤلفاته، على رأسها كتابه «ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» و«شعراء عالميون... دراسات حول نيرودا وكفافي وطاغور ورسول حمزتوف» و«محمود درويش شاعر الأرض المحتلة» و«أبو القاسم الشابي شاعر الحب والرومانسية» وغيرها من المؤلفات والأسفار التي جمع فيها مقالاته الصحافية التي نشرها طوال مسيرته في العشرات من المجلات والصحف المصرية والعربية.
ولعل أبرز ما يتسم به نقد رجاء النقاش جَمْع صاحبه بين صفتي الناقد والصحافي، وحضوره الكبير في ريادة الصحافة الثقافية العربية، وهو ما طبع كتاباته عموماً، وبالأخص عن الشعر، بطابع شعبوي، فهو يكتب في الأغلب للصحافة السيارة، وبالتالي للقارئ غير المختص، ولذا ينحاز للغة المبسطة البعيدة عن التعقيد النقدي والأكاديمي، وهو ما يتتبعه مؤلف كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش»، مبرزاً اختلاف الناقد الراحل مع الطرح القائل إن «النقد الحق هو ذلك النقد الذي يدور في رحاب الجامعة»، ومنحازاً إلى «أن الذوق والإبداع ليس حكراً على أحد»، ومحاولاً «كسر حاجز الجمود وفك الأغلال التي فرضت سيطرتها على النقد الأدبي... فأصابته بالعقم والشلل التام، وجعلته عاجزاً عن النهوض والحركة»، كما يشير مؤلف الكتاب.
رجاء النقاش ذاته كان مصرّاً على التأكيد على اختلاف ما يقدمه عن النقد الأكاديمي، بل إنه ينصح في مقدمة كتابه «شعراء عالميون» مَن أراد منه تقديم «دراسة منظمة أكاديمية دقيقة» بالبحث عن كتاب غير هذا الكتاب، مؤكداً أن عمله هو «رحلة حرة ونوع مع الحياة مع الشعراء الأربعة (نيرودا وحمزاتوف وطاغور وكفافي) دون التقيد بمنهج أكاديمي صارم»، فرحلته «نوع من الحياة في حدائق هؤلاء الشعراء يتنقل فيها بحرية كاملة... أصحبهم صحبة الصديق أو التابع المحب العاشق»، وهو ما يخلق حالة البراح التي يتعامل فيها المثقف الراحل مع الشعر.
يخصص الدكتور رجب أبو العلا الفصل الأول من كتابه عن مفهوم الشعر عند رجاء النقاش، كما يعدد الأدوار التي يوجِب النقاش على الشاعر الالتزام بها، على رأسها «التعبير عن المجتمع»، بل إنه يصل إلى أن للشعر لديه «وظيفةً أسريةً»، مستنداً لمقالة له بعنوان «قصيدة تمنع الطلاق»، حيث لجأت الشاعرة منيرة توفيق لكتابة قصيدة لاستعادة زوجها من الطلاق المحتوم.
ويبرز الكتاب الجديد بعض القضايا التي أثارها النقاش، على رأسها رأيه في «قصيدة المدح العربية»، وتبنيه رأياً مختلفاً في مدائح المتنبي، وتبريره للشاعر العربي مدحه سيف الدولة ثم هجره له، ثم مدحه حاكم مصر كافور الإخشيدي، ثم سبه وذمه، دافعاً بأن المتنبي كان يجمع بين صفتي الشاعر والسياسي في الوقت ذاته، فهو يحمل إلى جانب طموح الشعر «طموح رجل سياسي له مبدؤه ورغبته في حماية الأرض العربية».
في المقابل، لا يضيء الكتاب النقدي الجديد حول عدد من القضايا الأخرى والمعارك الشهيرة التي خاضها رجاء النقاش، أهمهما معركته ضد أدونيس، حيث شنّ ضده هجوماً عنيفاً، وكال له الاتهامات، وهو ما قابله الشاعر السوري بحملة من الشتائم ضد النقاش في حوار للأخير في مجلة «الشعر»، أجراه معه الشاعر المصري أحمد الشهاوي.
وأشعل النقاش فتيل المعركة الأدونيسية بمقال له بعنوان «أيها الشاعر الكبير... إني أرفضك»، مكيلاً الاهتمامات لأدونيس لرفضه دعوة من وزارة الثقافة المصرية بحجة الموقف السياسي المصري من إسرائيل، ثم عودته لزيارة القاهرة، ليحل ضيفاً على محافلها، وهو ما رأى الناقد فيه تناقضاً دعاه للرد على هذا الموقف بمقال عنيف، وصم في آخره أدونيس بأنه «كاره للعرب ووحدتهم ورافض للتراث الإسلامي وليس لديه ذرة من التعاطف مع مصر ودورها الرائد في الثقافة العربية والإسلامية».
هذه المواجهة النقاشية - الأدونيسية استرعت اهتمام كثير من المتداخلين العرب، بعضها كان دفاعاً عن أدونيس، من بينها مداخلة من الدكتور جابر عصفور، ومداخلة من «صديق يمني»، كما يصفه النقاش، رأى في هجوم الناقد على الشاعر نكوصاً عن دوره التجديدي.
ولم تكن المواجهة الأدونيسية الوحيدة التي خاضها النقاش، ولكن كتابه «ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» مليء بمثلها، منها هجومه الضاري على «موجة الحداثة» ممثلة في مجلة «شعر» اللبنانية، وخصوصاً أنسي الحاج وأدونيس، وذلك في مقال له بعنوان «ظاهرة العبث في الشعر العربي المعاصر»، واصفاً أنسي الحاج بأنه «شاعر ضعيف الموهبة».
كما يتصدى النقاش لمواجهة أخرى وهي اتهام أمل دنقل بسرقة محمد الماغوط، وذلك في مقاله «أمل دنقل والماغوط سرقة أم تأثر؟!»، عارضاً رسالة من الأديب اليمني عبد الرحمن الوزير يتهم فيها أمل بالسطو بشكل يكاد يكون حرفياً على بعض أسطر شعرية للماغوط، واستلهامه كثيراً من روح القصائد، ضارباً بعض الأمثلة، منها قول الماغوط: «من هذا الشبح الراقد على الأرض. والنمل يتجاذب مسبحته ومنديله وخصلات شعره». وقول أمل دنقل: «من ذلك الهائم في البرية ينام تحت الشجر الملتف والقناطر الخيرية» وغيرها من المقاطع. ويتصدى النقاش لهذه القضية بالتأكيد على أن ما بين أمل والماغوط هو تأثُّر من الأول بالثاني، يدعمه ما بين الشاعرين من تشابه في الطبيعة الفنية والطبيعة الشخصية، وهو تأثر مشروع وليس له علاقة بالسرقات الأدبية.
وفى فصل بعنوان «بين عبد الناصر ونزار قباني»، يروي النقاش وقائع منع الشاعر نزار قباني من دخول مصر، جراء قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» التي تمت مصادرتها، وشنّت أوساط قريبة من السلطة حملة عنيفة على الشاعر، كان في مقدمتها الشاعر صالح جودت، أدت لمنع إذاعة أغاني نزار قباني، ومنع اسمه من أجهزة الإعلام.
ويروي النقاش تفاصيل لقاء له مع نزار في بيروت تحدث خلالها الأخير عن ألمه وضيقه مما يحدث له في مصر جراء قصيدته، وهنا طرأت على رأس النقاش فكرة أن يكتب نزار رسالة شخصية لجمال عبد الناصر يحملها هو ويوصلها إلى دوائر السلطة، وهو ما تم بالفعل، ويرد عبد الناصر بخط يده على رسالة نزار بـ«يُلغى قرار المصادرة بالنسبة للقصيدة. ويُرفع أي حظر على اسم نزار أو أي قرار يمنعه من دخول مصر».
وفى مقالة بعنوان «لماذا يتراجع المجددون؟!» يناقش رجاء النقاش ظاهرة من أغرب الظواهر، ممثَّلَة في الشاعرة نازك الملائكة التي كانت من أقوى أصوات التجديد في الأدب العربي، وكانت صاحبة أول صيحة مؤثرة في الدعوة لحركة الشعر الحر، إلا أنها بعد ما يقرب من 20 عاماً على دعوتها التجديدية عادت وتراجعت عنها تراجعاً كاملاً، ووصل بها الأمر للقول إن «تيار الشعر الحر سيتوقف في يوم غير بعيد... وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد أن خاضوا في الخروج عنها والاستهانة بها...».، ويرجع النقاش ظاهرة التراجع هذه لأسباب من بينها تقدم العمر بهؤلاء المفكرين، ممثلاً بمواقف لطه حسين من الشعر الجاهلي والشيخ علي عبد الرازق ومحمد حسين هيكل والعقاد الذي بدأ حياته أيضاً داعياً للتجديد قبل أن يعود ليقف في وجه حركة التجديد، وبالأخص ضد قصيدة الشعر الحر.
ويأخذ صاحب كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش» على الناقد المصري عدداً من الملحوظات، منها «اعتماده على الذاكرة، وهو ما يوقعه في بعض الأخطاء» و«انعزاله في الفترة الأخيرة من حياته عن متابعة الجديد في الحركة الشعرية»، ولكن الدكتور رجب أبو العلا يتغافل عن أحكام نقدية عامة يسقط فيها النقاش، وآراء غير محسوبة، من بينها وصمه الشاعر اللبناني أنسي الحاج صاحب التجربة المهمة بـ«ضعف الموهبة»، وذلك في الحين الذي نجده ينحاز لشعراء آخرين في المشهد الشعري العربي.



احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)
TT

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي عبر قنوات «بي بي سي».

وذكرت «الغارديان» أنّ 8 طوابع تُظهر مَشاهد لا تُنسى من المسلسل الكوميدي، بما فيها ظهور خاص من راقصة الباليه السابقة الليدي دارسي بوسيل، بينما تُظهر 4 أخرى اجتماعاً لمجلس أبرشية في ديبلي.

وكان مسلسل «قسيسة ديبلي»، من بطولة ممثلة الكوميديا دون فرينش التي لعبت دور القسيسة جيرالدين غرانغر عاشقة الشوكولاته، قد استمرّ لـ3 مواسم، من الأعوام 1994 إلى 2000، تلتها 4 حلقات خاصة أُذيعت بين 2004 و2007.

في هذا السياق، قال مدير الشؤون الخارجية والسياسات في هيئة البريد الملكي البريطاني، ديفيد غولد، إن «الكتابة الرائعة ودفء الشخصيات وطبيعتها، جعلت المسلسل واحداً من أكثر الأعمال الكوميدية التلفزيونية المحبوبة على مَر العصور. واليوم، نحتفل به بإصدار طوابع جديدة لنستعيد بعض لحظاته الكلاسيكية».

أخرج المسلسل ريتشارد كيرتس، وكُتبت حلقاته بعد قرار الكنيسة الإنجليزية عام 1993 السماح بسيامة النساء؛ وهو يروي قصة شخصية جيرالدين غرانغر (دون فرينش) التي عُيِّنت قسيسة في قرية ديبلي الخيالية بأكسفوردشاير، لتتعلّم كيفية التعايش والعمل مع سكانها المحلّيين المميّزين، بمَن فيهم عضو مجلس الأبرشية جيم تروت (تريفور بيكوك)، وخادمة الكنيسة أليس تنكر (إيما تشامبرز).

ما يعلَقُ في الذاكرة (رويال ميل)

وتتضمَّن مجموعة «رويال ميل» طابعَيْن من الفئة الثانية، أحدهما يُظهر جيرالدين في حفل زفاف فوضوي لهوغو هورتون (جيمس فليت) وأليس، والآخر يُظهر جيرالدين وهي تُجبِر ديفيد هورتون (غاري والدورن) على الابتسام بعد علمها بأنّ أليس وهوغو ينتظران مولوداً.

كما تُظهر طوابع الفئة الأولى لحظة قفز جيرالدين في بركة عميقة، وكذلك مشهد متكرّر لها وهي تحاول إلقاء نكتة أمام أليس في غرفة الملابس خلال احتساء كوب من الشاي.

وتتضمَّن المجموعة أيضاً طوابع بقيمة 1 جنيه إسترليني تُظهر فرانك بيكل (جون بلوثال) وأوين نيويت (روجر لويد باك) خلال أدائهما ضمن عرض عيد الميلاد في ديبلي، بينما يُظهر طابعٌ آخر جيم وهو يكتب ردَّه المميّز: «لا، لا، لا، لا، لا» على ورقة لتجنُّب إيقاظ طفل أليس وهوغو.

وأحد الطوابع بقيمة 2.80 جنيه إسترليني يُظهر أشهر مشهد في المسلسل، حين ترقص جيرالدين والليدي دارسي، بينما يُظهر طابع آخر جيرالدين وهي تتذوّق شطيرة أعدّتها ليتيتيا كرابلي (ليز سميث).

نال «قسيسة ديبلي» جوائز بريطانية للكوميديا، وجائزة «إيمي أوورد»، وعدداً من الترشيحات لجوائز الأكاديمية البريطانية للتلفزيون. وعام 2020، اختير ثالثَ أفضل مسلسل كوميدي بريطاني على الإطلاق في استطلاع أجرته «بي بي سي». وقد ظهرت اسكتشات قصيرة عدّة وحلقات خاصة منذ انتهاء عرضه رسمياً، بما فيها 3 حلقات قصيرة بُثَّت خلال جائحة «كوفيد-19».