أصيلة: اختتام «المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى في عالم الإسلام»

البحث الميداني لجمع وتوثيق أغاني المهد والأطفال أبرز إنجازاته

شريف خازندار  يترأس الجلسة الختامية للندوة
شريف خازندار يترأس الجلسة الختامية للندوة
TT

أصيلة: اختتام «المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى في عالم الإسلام»

شريف خازندار  يترأس الجلسة الختامية للندوة
شريف خازندار يترأس الجلسة الختامية للندوة

دعا المشاركون في «المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى في عالم الإسلام» المنظم في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ40، إلى مواصلة الجهود التي بذلت منذ المؤتمر الأول، والتي تكللت بجمع وتوثيق أغاني المهد وأغاني الأطفال في 20 بلداً إسلامياً، وتوثيقها وتصنيفها، إضافة إلى إنجاز الإصدار الرقمي لتسجيلات مؤتمر القاهرة للموسيقى العربية المنعقد في 1932. الشيء الذي سيمكن من إتاحتها للباحثين المختصين على المستوى الدولي ونشرها على نطاق واسع، إضافة إلى إنشاء مركز دولي لموسيقى عالم الإسلام في مدينة العين بدعم من هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة.
وأوصى المشاركون في اختتام أعمال المؤتمر، أول من أمس، بضرورة العمل على إنشاء مراكز للبحث والمحافظة على التعبيرات الموسيقية لعالم الإسلام، واستعمال الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة من أجل صون الثقافات الموسيقية للشعوب الإسلامية وضمان تناقلها عبر الأجيال.
وثمَّن المؤتمر، الذي شارك فيه 36 باحثاً متخصصاً، الدعم الذي وفرته هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة في تحقيق هذه الإنجازات، وعبروا عن أملهم في أن تتواصل هذه الجهود، وأن تتخذ مبادرات أخرى من أجل ضمان الحماية المستعجلة للتعبيرات الموسيقية في عالم الإسلام، التي أصبحت مهددة نتيجة التحولات التي يعرفها العالم، واكتساح قواعد السوق لمجال الإنتاج الثقافي عموماً والموسيقي على الخصوص. وأهاب المشاركون بأصحاب المجموعات الموسيقية الإسلامية، الخاصة والعمومية، أن يساهموا بمجموعاتهم في هذا المجهود.
وفي اختتام المؤتمر الذي استغرق يومين بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، أعلن محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة ورئيس بلدية أصيلة، عن رغبته في أن ينعقد المؤتمر الدولي للموسيقى العربية بأصيلة مرة كل سنتين، وأن ينفتح على باحثين وعلماء وفعاليات جديدة.
وأشار بن عيسى إلى أن الفنون، بكل أنواعها المرئية والمسموعة، شكلت العمود الفقري لموسم أصيلة الثقافي منذ إطلاقه عام 1978، معبراً عن شغف أصيلة باحتضان هذا المؤتمر الذي يبحث سبل توثيق الإرث الموسيقي في عالم الإسلام وضمان المحافظة عليه وتناقله بين الأجيال. وقال: «هذا عمل يتطلب الكثير من الصبر والمثابرة، لأنه أيضاً عمل قابل للتحقيق»، مضيفاً: «أعتقد أن دورنا هو التوعية، في البلدان التي لديها الوسائل، بأهمية خلق مراكز متخصصة في البحث والحفاظ على التراث الموسيقي للإسلام».
وأضاف بن عيسى: «يكتسي الحديث عن الموسيقى اليوم في عالم الإسلام الكثير من الدلالات، خصوصاً بالنظر للتطورات السياسية، ولما يجري في عالم الإسلام وفي عالم الآخر. نعيش اليوم مرحلة انتقالية حرجة، ولعلها المرحلة الأكثر تعقيداً منذ الحرب العالمية الثانية»، مشيراً إلى التوجهات الانغلاقية، التي تقهقرت بالعالم إلى ما قبل الحرب العالمية. وقال: «إنها مرحلة جد حرجة وجد حساسة، لكن العنصر الأساسي، الذي يحدد مصير الإنسان على كوكب الأرض هو الأمل. يجب ألا نفقد الأمل».
وأشار بن عيسى إلى أنه من خلال تجربته في الحكومة تعلم أنه لا توجد حكومة يمكنها أن تحل جميع المشاكل. وقال: «كل الحكومات تكون ولايتها محددة في أربعة إلى خمسة أعوام. ودور الحكومات هو أن تزرع الأمل في أذهان الناس بأن غداً سيكون أفضل من اليوم. أتمنى أن يكون مؤتمرنا المقبل أفضل وأكثر إنجازات».
وشكل البحث الميداني لجمع وتوثيق أغاني المهد وأغاني الأطفال أبرز إنجازات المؤتمر، التي خصص لها إحدى جلساته الأربعة. ويعتبر هذا المشروع، الذي تبنته هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة ومنتدى أصيلة ودار ثقافات العالم بباريس، من توصيات المؤتمر الأول لموسيقى عالم الإسلام المنعقد في أصيلة سنة 2007. وشارك في إنجاز المشروع 20 باحثاً بقيادة كفاح فاخوري، الأمين العام للمجمع العربي للموسيقى في بيروت. ويعتبر اللبنة الأولى في مشروع أوسع يهدف إلى جمع وتوثيق ونشر التراث الموسيقي للعادات والحياة اليومية والحميمية في عالم الإسلام، بما فيها غناء المراثي والمآتم وغناء الأفراح والأعراس. وأشار فاخوري إلى أن مشروع أغاني المهد والأطفال لا يزال مفتوحاً، ويستهدف استقطاب باحثين جدد من البلدان التي لم يغطيها الشطر لأول من المشروع وتكوينهم، مشيراً إلى أن المشروع ستتم تغذيته باستمرار.
وأبرز البحث أن أغاني الأطفال تعرف ضعفاً كبيراً في عالم الإسلام، باستثناء بلدان أفريقيا السوداء. وقال بيير بوا، عالم الموسيقى الإثنولوجيا من باريس، «في البلدان الأفريقية التي شملها البحث، وهي السنغال ومالي ونيجيريا وإثيوبيا، أبرز البحث حول الأغاني الطفولة أنها حافظت على زخمها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».