نضال الأشقر في «الواوية» تنعى عواصم العرب عبر بريخت

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

نضال الأشقر في «الواوية» تنعى عواصم العرب عبر بريخت

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

عادت نضال الأشقر لتقف على خشبة المسرح كممثلة، بعد 23 سنة من الغياب. عادت هذه المرة وهي المعروفة بميولها القومية لتنعى القدس وبغداد ودمشق وأمة العرب، متخذة من غضب بريخت وثورته على النازية والفاشية، وعبر واحدة من أشهر مسرحياته، وسيلتها الفنية إلى ذلك.
«الأم شجاعة».. حملت بعد الاقتباس اسم «الواوية»، أي بنت آوى في العامية اللبنانية. والأشقر في المسرحية هي الأم التي تنخرط في الحرب تجارة وانتهازية، خائفة من السلم الذي قد يحرمها مصدر دخلها وقوت عيالها، لتجد نفسها، رويدا رويدا، تدفع أغلى ما عندها، أي أولادها، ثمنا لاستمرار الاقتتال.
«الأم شجاعة» كتبها برتولد بريخت عام 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، مستلهما حرب السنوات الـ30 التي اشتعلت مطلع القرن الـ17 (1618) ولم تضع أوزارها إلا في منتصفه. نزاع دموي بدأ دينيا أوروبيا بين الكاثوليك والبروتستانت لينتهي، كما يحدث دائما، سياسيا وعلى تقاسم النفوذ.
هذه الحقبة التي استلهمها بريخت، بتشابهها الشديد مع ما يحدث في العالم العربي اليوم، من ثورات فوضوية تبدأ ولا يبدو أنها ستنتهي، جعل اختيار المخرج ناجي صوراتي، موفقا وعمله صعبا ومعقدا، لشدة تماسه مع الواقع.
تقف نضال الأشقر على خشبة «مسرح المدينة» التي تحولت إلى فضاء مفتوح على الموت والألم، تحرك يديها في دائرة الضوء المثبتة عليهما، وتتحدث على وقع هدير قطار عن مزايا الحرب التي تبني نظامها الخاص. تسير المرأة على سكة قطار جيئة وذهابا وهي تغني «بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغدان.. ومن نجد إلى يمن.. إلى مصر فتطوان». النشيد العربي الشهير الذي تغنى بالوحدة، ذات يوم، يتحول خلال المسرحية إلى ما يشبه لازمة تكررها الأم، وهي تذرع المسرح، أو تجر عربتها، مصدر رزقها.
الولدان والبنت الخرساء عند بريخت، استعيض عنهما هنا باقتباس ناجي صوراتي وإعداد وترجمة إيلي أضباشي بثلاثة أولاد، أحدهما أعمى. الأم بظهرها المنحني وردائها الأسود، وجبروتها وتصميمها، لا تتردد في إرسال أولادها للمغامرة بحياتهم، ليأتوها واحدا بعد الآخر جثثا ترتمي في حضنها. ابنها قدس (عبد قبيسي) يقضي أولا، ومن ثم وباحترام الترتيب الزمني لسقوط العواصم العربية، يفارق بغداد (علي الحوت) ابنها الثاني الحياة، يليهما دمشق (خالد العبد الله) رغم أنه ضرير. أولاد من آباء ثلاثة، تتداخل جنسياتهم العربية وتتقاطع، في ما يشبه الوحدة القسرية، لكنهم ينجبون ضحايا يتساقطون بلا ضجيج.
مع الموت تبقى مطحنة الحرب تدور والأم تنادي بعامية لبنانية «عنا صحون للبيع.. عنا كبايات». إنها كلما ودعت ولدا عادت سريعا تستنهض الآخر لإكمال المهمة، لا بد من استغلال فرصة الحرب لتجميع أكبر قدر من البضائع والبيع قبل أن يحل السلام في وقت غير مناسب.
لبننة «الأم شجاعة» وتعريبها لم يخرجها من دراميتها السوداء، وأبقى للموسيقى حيزا أساسيا، ضربا على الدفوف، وقرعا للطبول، وإيقاعات هادرة. الممثل الواحد لا يبقى واحدا، بفضل استخدام الأقنعة التي يتقمص أصحابها شخصيات عدة، ويتحدثون لهجات مختلفة. كما أن السينوغرافيا بديعة، السلالم الخشبية المتعددة التي امتدت على المسرح لتشكل سكة الحديد للقطار المفترض هنا، والآتي من ألمانيا بريخت، تصلح للسير عليها حينا، ولتسلقها حينا آخر، أو لجعل أحدها عربة للأم البائعة حين يحتاج الأمر، ثم تستخدمها الأم لتحولها سياجا يزنر مقدمة الخشبة، لتعود وتجعله ينهار محدثا دويا عميقا، في نهاية المسرحية.
أحد أجمل ما يشاهده المتفرج هو المنزل الخشبي الذي يتوسط المسرح، وتسكنه الأم وأولاها، وقد شيد من سلمين متوازيين، علق أحدهما، أفقيا فوق الآخر. تحرك الأم السلم العلوي الذي تحولت الفراغات بين درجاته إلى نوافذ، فيرتجف المنزل على وقع الأخبار الحزينة، ويبقى يتمايل. إنه المأوى الذي يرتجف ويرتعد بسقوط ساكنيه.
الحزن قابع في «الواوية» لكن الحوارات حرصت على شيء من الظرف، كما أن الموت يمر عابرا، وكأن الأم مشغولة عن أبنائها، لا تعي جيدا ما يحدث لهم. وتماما كما تكون الحياة مقاطع من لهو وأخرى من ألم، فإن الواوية وأولادها لا يكفون عن الغناء، بحيث تشكل الأغنيات باختياراتها الموفقة جزءا من الكلام الضروري لنسج المشاهد. وقد تستغرق الواوية في لحظة نسيان وانخراط كاملين في الحياة، لترقص على وقع الدف وتضحك، ولا تتوقف عن السخرية.
لا تريد «الواوية» أن توقع متفرجها في حزن مفجع، لكنها لا تريد أن تمنحه أملا كاذبا أيضا. «ما بقى عندي شي ابيعه ولا الناس عندا شي تشتري».. هذا ما تنتهي إليه أم أنهكتها شجاعتها، وبقيت وحيدة في مواجهة آلة الموت التي لا تزال تدور.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.