وكأنه ليس مقدرا أن تفوز المانيا في روسيا فبعدما شهدت بداية انهيارها في الحرب العالمية الثانية لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن يعيش اللحظة التي يشاهد فيها خروجها من دور المجموعات في كأس العالم.
فالمنتخب الذي وصل إلى الدور قبل النهائي على الأقل منذ 2002 والذي نال اللقب قبل أربعة أعوام في البرازيل وجد نفسه خارج البطولة من الدور الأول للمرة الأولى منذ 1938.
ففي 1938 خسرت ألمانيا بركلات الترجيح أمام سويسرا بعد انتهاء المباراة بالتعادل 1-1 وكان نظام البطولة يعتمد على أدوار خروج المغلوب منذ الدور الأول.
لكن بعد نصف ساعة من مباراتها الأولى ضد المكسيك كان يمكن الشعور أن الأمور مختلفة هذه المرة وأن ألمانيا تواجه وقتا صعبا.
وخسرت ألمانيا 1-صفر أمام المكسيك ووجدت نفسها متأخرة 1-صفر أمام السويد في مباراة لا بديل فيها عن الفوز من أجل الاستمرار في البطولة.
وبعد فوز في الدقيقة الأخيرة من الوقت المحتسب بدل الضائع ربما شعر البعض أن ألمانيا وصلت أخيرا إلى روسيا لكن الفوز كان بمثابة جرعة مسكنة صغيرة.
وأمام كوريا الجنوبية لم تختلف معاناة ألمانيا التي دخلت المباراة وهي بحاجة للفوز بهدفين لضمان الابتعاد عن أي حسابات معقدة لو انتصرت السويد على المكسيك.
وبعد انتهاء الشوط الأول في المباراتين بالتعادل السلبي تقدمت السويد على المكسيك وأصبحت ألمانيا بحاجة للفوز وضاعفت السويد من تقدمها قبل أن تحرز الهدف الثالث.
وفي كازان لم يعد أمام الألمان سوى تسجيل هدف واحد للتأهل إلى دور الستة عشر لكن كوريا صعقت بطلة العالم بهدفين في الوقت المحتسب بدل الضائع لتنهي المانيا المجموعة في المركز الأخير.
وكتب الصحفي ماتياس بروجلمان "المدرب يواخيم لويف قاد ألمانيا إلى اللقب والآن عليه الإجابة عما حدث. لم نودع البطولة بضربة حظ لكن عن استحقاق. الفريق الذي خسر أمام المكسيك وكوريا الجنوبية ارتكب العديد من الأخطاء".
وأضاف "لا أفهم لماذا لعب سامي خضيرة ومسعود اوزيل أمام كوريا الجنوبية بعد أدائهما الكارثي ضد المكسيك. لماذا أصر لويف على إشراكهما. ألم يملك ليروي ساني فرصة في هذا الفريق؟".
وكتب ماريو بازلر لاعب بايرن ميونيخ السابق على حسابه على تويتر بعد الهزيمة أمام كوريا "عندما تفشل في الفوز بهذه المباراة ألم تكن الخسارة مؤكدة في دور الستة عشر. نحن لا ننتمي لهذا الدور".
وقال مايكل بالاك قائد المنتخب السابق "يمكن أن تودع البطولة بفريق سيء لكن ليس بمثل هذا الفريق. التقييم الصادق يجب أن يبدأ على الفور".
وأضاف "القيادة؟ الشخصية؟ العقلية؟".
وأشار بروجلمان إلى أن لويف تهاون في التعامل مع مشكلة أوزيل وإيلكاي غندوغان بسبب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وفي الشهر الماضي زار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لندن والتقطت له بعض الصور مع اوزيل ولاعب الماني اخر تركي الأصل هو ايلكاي جندوجان وقدما له قميصين موقعين منهما وكتب جندوجان على قميصه "إلى رئيسي مع كامل الاحترام".
لكن صحيفة دي فيلت ترى أن مشكلة اردوغان لم تكن سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد فثلثه فقط فوق الماء.
وكتبت دي فيلت "الفريق افتقد في روسيا للأفكار والأداء الحيوي والقوة الهجومية. المانيا سددت 72 كرة بينما تأتي اسبانيا في المركز الثاني في تلك الإحصائية وبفارق كبير (49) لكن المنتخب لم يسجل سوى هدفين وهو بذلك أسوأ فريق أمام المرمى في كأس العالم".
وبدا هجوم المانيا بطيئا وبلا حول ولا قوة ولم يعرف أي لاعب ماذا يفعل بالكرة.
وكتب يوليان فولف الصحفي في دي فيلت "لويف لم يتوصل للتشكيلة المثالية فمن بين 20 لاعبا (بدون احتساب حراس المرمى) شارك 19 منهم وكان الوحيد الذي لم يلعب هو ماتياس جينتر".
وبعد الهزيمة أمام المكسيك استبعد لويف الثنائي خضيرة واوزيل من التشكيلة وأشرك ماركو رويس وسيباستيان رودي لكن الأخير اصيب بكسر في الأنف وغاب عن المواجهة ضد كوريا.
وشارك خضيرة واوزيل منذ البداية ضد كوريا.
وبدا أن اوزيل يعاني من تبعات مشكلة اردوغان وكاد أن يشتبك مع الجماهير الالمانية بعد الهزيمة أمام كوريا.
وأضاف فولف "ضد كوريا شارك ليون جوريتسكا في الجناح بدلا من الوسط على حساب توماس مولر ولم تنجح الخطة. ووضح في مباراة المكسيك أن لويف فوجئ بخطة المنافس. افتقر الفريق للاستقرار والإبداع والسرعة في البطولة".
وقبل أربعة أعوام في البرازيل ظهر دفاع المانيا بحالة رائعة لكن في روسيا تحول إلى مساحات خضراء شاسعة يتجول فيها لاعبو المنتخبات الأخرى بسهولة.
وقال هوملز بعد الهزيمة أمام المكسيك "الهزيمة كانت قادمة. حذرت من ذلك بعد الفوز على السعودية. لم نحصل أنا وجيروم بواتنج على تغطية من خط الوسط والمساحات كانت كبيرة. ما حدث تكرر أمام السعودية (في مباراة ودية) لكن الفارق أن المكسيك كانت أسرع".
وتكرر الأمر مرة أخرى أمام السويد إذ أنقذ مانويل نوير إنفرادا في الشوط الأول قبل أن تهتز شباكه وفي المواجهة ضد كوريا عانى دفاع المانيا وكان يمكن أن تسجيل كوريا في منتصف الشوط الثاني لولا رعونة مهاجميها.
وقبل انطلاق كأس العالم تحدث اولي هونيس رئيس بايرن ميونيخ عن أن المانيا قوية طالما كان بايرن قويا.
وتعتمد المانيا على نوير حارس مرمى بايرن بالإضافة إلى المدافعين بواتنج وهوملز ونيكلاس زوله الذي شارك ضد كوريا بسبب طرد بواتنج أمام السويد والظهير الأيمن يوشوا كيميش.
لكن يبدو أن رئيس النادي الأنجح في المانيا سيكون عليه إعادة النظر مرة أخرى في الأمر.
وقال فولف "حائط بايرن الدفاعي كان يبحث عن التوازن واستعادة الثقة منذ الهزيمة أمام ريال مدريد في قبل نهائي دوري أبطال اوروبا".
وبعد وداع دوري الأبطال تلقى بايرن هزيمة ثقيلة في ختام مباريات الدوري أمام شتوتجارت ثم خسر في نهائي كأس المانيا أمام اينتراخت فرانكفورت.
لكن فولف لم يتهم "حائط بايرن" فقط بتراجع مستواه بل أشار إلى أن توماس مولر أيضا كان في حالة سيئة ومعه توني كروز على الرغم من تسجيله هدف الفوز على السويد.
ومع نهاية الجيل الحالي هل انتهى عهد المدرب لوف أيضا؟.
وكتب بروجلمان في مقاله في بيلد "يجب على لويف بعد 12 عاما مع المنتخب أن يسأل نفسه هل هو جاهز للتعلم من أخطائه في روسيا وكسر حالة الجمود. لو فعل ذلك سيكون الرجل المناسب من أجل يورو 2020".
لكن فولف يعتقد أن المشكلة ربما أكبر من لويف.
وقال "الأخطاء بدأت عند الاتحاد الالماني وطريقة التعامل مع مشكلة اردوغان وأيضا اختيار مقر المنتخب في موسكو بدلا من سوتشي كما كان يرغب اللاعبون وأيضا التعامل مع مسؤولي المنتخب بعد مشكلة الاحتفال بهدف الفوز ضد السويد".
واشتكى المنتخب السويدي من استفزاز اثنين من مسؤولي المنتخب الالماني بعدما إحراز كروز هدف الفوز قبل أن يصدر الاتحاد بيانا يعتذر فيه.
وأضاف "هناك عدة أسباب تؤيد بقاء لويف مع المنتخب أبرزها قدرته على صناعة جيل جديد وهو الأمر الذي اثبته في السنوات الأخيرة. وبقدر ما كانت النهاية مؤلمة في كأس العالم فلويف هو الرجل المناسب لو كان على استعداد للمخاطرة مع الجيل الجديد".
وتابع "لو قرر الرحيل سيكون الاتحاد الالماني في ورطة بعد قرار يوب هاينكس الاستمتاع باعتزاله بعد الرحيل عن بايرن ويبدو أن يورجن كلوب مرتبط مع ليفربول وتولى توماس توخيل تدريب باريس سان جيرمان".
واستطرد "لو أصر لويف على الاستقالة فربما يكون البديل هو ماتياس زامر فبطل اوروبا 1996 يملك سمعة جيدة في الكرة الالمانية وخبرة كمدرب ويحب العمل مع اللاعبين الشبان".
واختتم مقاله "سيتطلب الأمر بعض الوقت قبل أن يقيم الاتحاد الالماني ما حدث في كازان. النهاية المخجلة لكأس العالم فرصة فهي فرصة لطرح التساؤلات والاقتراب من الجماهير والتعامل بتواضع".
وربما ستشعر الجماهير الالمانية بالألم وهي تشاهد أحد الرسوم الكاريكاتيرية لمطار فرانكفورت وبها حافلة المنتخب الالماني في مكان انتظار السيارات لفترة قصيرة.
أو ربما عند قراءة تغيير جاري لينيكر مقولته الشهيرة إلى "كرة القدم لعبة بين 22 لاعبا يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة لكن في النهاية لم يعد يفوز الالمان".