انطلاق «سوق عكاظ» بحوار جمع خالد الفيصل وسلطان بن سلمان

بدر بن عبد المحسن يكتب ومحمد عبده يغني والفرقة تؤدي أوبريت الحفل

الأمير خالد الفيصل خلال تدشينه سوق عكاظ ويبدو الأمير سلطان بن سلمان والأمير بدر بن عبد المحسن  والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني (واس)
الأمير خالد الفيصل خلال تدشينه سوق عكاظ ويبدو الأمير سلطان بن سلمان والأمير بدر بن عبد المحسن والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني (واس)
TT

انطلاق «سوق عكاظ» بحوار جمع خالد الفيصل وسلطان بن سلمان

الأمير خالد الفيصل خلال تدشينه سوق عكاظ ويبدو الأمير سلطان بن سلمان والأمير بدر بن عبد المحسن  والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني (واس)
الأمير خالد الفيصل خلال تدشينه سوق عكاظ ويبدو الأمير سلطان بن سلمان والأمير بدر بن عبد المحسن والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني (واس)

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز افتتح الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، مساء أمس، الدورة الثانية عشرة لـ«سوق عكاظ».
حفل الافتتاح شهد مادة حوارية مسجلة جمعت الأمير خالد الفيصل والأمير سلطان بن سلمان في سرد عن تجربة سوق عكاظ ومرحلة إعادة الروح إليه بعد سبات امتد لأكثر من ألف عام.
كما شمل السرد رواية تطلعات السوق بعد أن تولى قيادته الأمير سلطان بن سلمان باعتباره الرئيس العام للهيئة الوطنية للسياحة والتراث الوطني.
ثم تم تكريم الشعراء وتسليم جوائز مسابقات سوق عكاظ البالغة (15) جائزة ومسابقة تغطي مساحة واسعة من الإبداع في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والإنسانية. وتم تكريم الفائزين بجوائز سوق عكاظ، وبينهم الشاعر جاسم الصحيح الفائز بجائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح، حيث يمنح بردة الشعر وجائزة قدرها 300 ألف ريال سعودي، وكذلك الروائي المصري محمد أحمد محمد الناغي الفائز بجائزة سوق عكاظ الدولية للسرد العربي، وقدرها مائة ألف ريال سعودي. وجائزة ريادة الأعمال، التي فاز بها الدكتور ماجد محمد فايز «من السعودية»، وقدرها مائة ألف ريال، بالإضافة لجائزة سوق عكاظ للابتكار والتي فاز بها الدكتور فارس بن دباس السويلم من السعودية، والبالغة مائة ألف ريال، وعدد آخر من الجوائز.
بعدها أديت لوحات غنائية، حيث قدم عرض فني كبير تضمن لوحات مسرحية وشعرية وغنائية أعدها الأمير بدر بن عبد المحسن ويشارك في تنفيذها عدد من كبار الممثلين والمطربين السعوديين على رأسهم الفنان محمد عبده.
يذكر أن فعاليات مهرجان سوق عكاظ تستمر حتى 13 يوليو (تموز) الحالي، وهو يقام بتنظيم من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع شركائها من الجهات الحكومية الرئيسية في الطائف.
وتحفل الدورة الحالية بكثير من الفعاليات الجديدة والمتميزة التي عملت عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركاؤها في محافظة الطائف خلال أشهر من الاستعدادات لهذه المناسبة المهمة.
ويهتم سوق عكاظ عبر كثير من الفعاليات والأنشطة بالتعريف بتاريخ الجزيرة العربية وحضاراتها والإرث التاريخي لسوق عكاظ ومحافظة الطائف، من خلال 17 منظماً سعودياً من جميع مناطق المملكة.
ويحفل البرنامج الثقافي بكثير من الفعاليات، بمشاركة عدد من المثقفين والأدباء والشعراء العرب، ويتضمن (10) ندوات ثقافية، و(8) ورشات عمل، و(3) أمسيات شعرية، ومسابقة للعروض المسرحية. فيما تشمل جادة عكاظ للثقافة التي تشرف عليها الهيئة العامة للثقافة فعاليات: الخيمة الثقافية، ومعرض القطع الفائزة بجوائز ومسابقات سوق عكاظ، ومعرض الخط العربي، ومعرض الفنون التشكيلية، وعروض مسابقات سوق عكاظ المسرحية، ومعرض ألوان عكاظ والتصوير الضوئي.
كما تشهد جادة عكاظ للتراث أكثر من 150 فعالية متنوعة تتضمن عدداً من الفعاليات التراثية والثقافية والعروض المسرحية، إضافة إلى فعاليات الحرف والصناعات اليدوية.
وتتضمن الجادة عروضاً لقصص من حياة شعراء سوق عكاظ، «عمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وامرؤ القيس وطرفة بن العبد والأعشى وقس بن ساعدة»، وعروضا للأسواق التاريخية ومزادات العرب، وعروض قوافل التجارة «الشام، اليمن»، ومسرحية «زاد» لعروض البيع والشراء.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)