وحوش «جوراسيك وورلد» تتهيأ لتسود العالم

العلماء ورجال الأعمال شركاء في الجريمة

كريس برات يوقف هجوم بايبي ديناصور
كريس برات يوقف هجوم بايبي ديناصور
TT

وحوش «جوراسيك وورلد» تتهيأ لتسود العالم

كريس برات يوقف هجوم بايبي ديناصور
كريس برات يوقف هجوم بايبي ديناصور

اعتلى «جوراسيك وورلد: فولِن كينغدوم» المركز الأول في إيرادات أفلام نهاية الأسبوع منجزاً نحو 74 مليون دولار يومي الخميس والجمعة، وحثّ هوليوود على أن تتوقع أن يتجاوز الفيلم الـ140 مليوناً بعدما افتتح في عدد ضخم من صالات أميركا وكندا بلغ 4475 صالة.
هذا الرقم أعلى ممّا سُجلّ في أي مكان آخر حتى الآن، لكنّه ليس بعيداً جداً عن إيراداته في الصين، إذ جمع 110 ملايين دولار في أربعة أيام و34 مليون دولار في بريطانيا خلال 12 يوماً.

من فيلم لآخر
بعيداً عن لغة الأرقام ومدلولاتها المهمّة (من بينها قدرة السلسلة في خامس فيلم لها على الحفاظ على جماهير مخلصة)، فإنّ هذا هو الجزء الخامس من مسلسل غُيّر عنوانه من «جوراسيك بارك» إلى «جوراسيك وورلد» قبل ثلاث سنوات عندما خرج الجزء الرابع. والمرء له الحق في طرح السؤال فيما يمكن أن يكون الفرق بين الكلمتين. والمنتج ستيفن سبيلبرغ (الذي أخرج الفيلمين الأول والثاني من «جوراسيك بارك») ذكر، رداً على ذلك، أنّ الأحداث كبرت بحيث لم تعد الجزيرة المجهولة - حيث اكتُشفت الديناصورات - المكان الوحيد لما تتناوله الأفلام من أحداث.
في الواقع، تغيّر العنوان أكثر من مرّة منذ أن انطلق الجزء الأول سنة 1993، فالجزء الثاني (1997) انتقى اسم «العالم المفقود: جيروسيك بارك» ما قرّبه إلى عنوان شيخ أفلام الديناصورات وهو «العالم المفقود» (The Lost World) الذي حقّقه هاري أو هيت سنة 1925، اقتباساً عن رواية آرثر كونان دويل.
الجزء الثالث الذي أخرجه جو جونستون سنة 2001، عاد إلى عنوانه الأول مع إضافة رقم 3 إليه. لكن الرابع (كولِن تريفورو، 2015) انتقل إلى «جيروسيك وورلد» بينما أضاف الفيلم الجديد كلمتي Fallen Kingdom إلى Fallen World وانطلق يسبر حكاية جديدة مختلفة عن تلك الحكايات السابقة في بعض النواحي المهمّة.
إلى حين تحقيق سبيلبرغ الجزء الثاني، كانت السلسلة تستند إلى رواية الكاتب (وأحيانا المخرج) مايكل كريتون التي حملت عنوان «جيروسيك بارك». نجاح الرواية اضطره، من حيث لم يرغب كما قال، لوضع رواية ثانية وهذه أيضاً التقطها سبيلبرغ وحوّلها إلى فيلم آخر.
في هذا الجزء بدا أنّ الحكاية تحتاج إلى نقل الأحداث من تلك الجزيرة التي تقع على ساحل أميركا اللاتينية إلى العالم الخارجي. وأنّ الرّعب الذي أوقعته في صفوف الشخصيات البشرية يمكن له أن يتضاعف إذا ما حطّت تلك الزواحف الضخمة أو طيور بتيرانودونز العملاقة على الساحل الأميركي الغربي.
مايكل كرايتون (1942 - 2008) دائماً ما كان يربط بين العلم والجشع المادي وينتقدهما في أعماله. نجد في «سلالة إندروميدا» (روبرت وايز، 1971) و«علاج كاري» (بليك إدواردز، 1972). لاحقاً أخرج بنفسه «وستوورلد» (1973) ثم «كوما» (1978) وفيهما ذلك الهجوم على جشع العلماء وخروجهم عمّا يفيد البشرية. «وستوورلد» بحدّ ذاته هو أكثر أفلامه تجسيداً لهذا المعنى فقد بنى العلماء مدينة ينتقل إليها المواطنون ليعشوا خيالاتهم المفرطة. البعض يود العيش في التاريخ الروماني، والبعض في الغرب الأميركي والبعض الآخر في سنوات أخرى. للغاية، ابتكر علماء هذا المتنزه روبوتس، تمثل شخصيات وهمية في تلك العوالم مما يجعل الآدميين يشعرون بالتفوق عندما يقتلون تلك الآلات المسيرة التي تبدو حقيقية وذلك في طي الفانتازيا التي يعيشونها. لكن ما الذي سيحدث لو أنّ الروبوتس بدأت ترفض الموت والانصياع للأوامر وتنطلق لتقتل المدنيين؟

القالب والخطوات
ناصية كرايتون هذه، مارسها في جزأي «جيروسيك بارك» بطلاقة: العلم والاقتصاد يعملان سوية. مرّة أخرى يبتدع العلم المحنة التي ستعرض الآخرين للموت. فقد لُقّحت جينات حافظت على قدراتها ووجدت في بعُوض اكتُشفت مجمّدة وبذلك خُلق جيل جديد من الديناصورات المختلفة وتركها تعيش فوق جزيرة لا تبعد كثيراً عن كوستاريكا على أن تتحوّل الجزيرة إلى مرتع طبيعي للديناصورات ومتنزه يجذب إليه الأثرياء القادرين على دفع المبلغ الكبير لزيارة آخر معاقل الحياة الأولى.
سبيلبرغ بدوره كان وصم المصالح التجارية في أول فيلم له عن وحوش تنبري للإنسان وذلك في فيلمه Jaws سنة 1975، عندما صوّر كيف يقود جشع محافظ مدينة ساحلية يقصدها المتنزهون صيفاً، إلى التساهل بشأن خطر سمكة قرش كبيرة قاتلة تقتات من السابحين في البحر. لكنّ حجم الخسائر هنا والخيط المدروس من الأحداث في الجزأين الأول والثاني من «جوراسيك بارك» لا مثيل له في أي فيلم آخر لسبيلبرغ.
مع توقف كرايتون عن الكتابة بقي الوضع قائماً مع تنويعات. لا يمكن تحقيق فيلم من بشر كلهم نموذجيون وذوو مبادئ لا تحيد، وحيوانات كلّها فاتكة لا تعرف الرّحمة. لا بد من عناصر بشرية تعمل ضد المصلحة العامة ووفق مقتضياتها ومصالحها الخاصة والنموذج الأقرب إلى هذه العناصر هم العلماء الذين يتوارون وراء مراكزهم لصالح علاقاتهم مع رؤوس أموال تريد تحقيق الثّراء حتى مع خطر انفلات الديناصورات من معاقلها والهجوم على السّياح الذين جاءوا معتقدين أنّ الاحتياطات الكافية قد قامت لمنع حدوث أي احتكاك بينهم وبين تلك الأنياب الضخمة.
هذا ما ورد في «جيروسيك وورلد» قبل ثلاث سنوات. لكن بما أنّه لا يمكن السير على الخطوات ذاتها طوال الوقت فإن الفيلم الجديد يعمد إلى قدر لا يستهان به من التغييرات في القالب ذاته.
في هذا الفيلم الجديد «جيروسيك وورلد: فولِن كينغدوم» يعود أووَن غرادي (كريس برات) وكلير ديرينغ (برايس دالاس هوارد) بعدما نجيا من الموت المحقق في الفيلم السابق. ها هما يلتقيان من جديد بعد ثلاث سنوات، ويبدأ كل منهما لوم الآخر على من الذي بادر لإنهاء العلاقة العاطفية التي مهّد لها الفيلم السابق.
هذا لا يأخذ أكثر من نصف دقيقة في الفيلم، والمياه تعود إلى مجاريها وكلاهما منصرفان الآن لدراسة وضع جديد. المؤسسة العلمية - الاقتصادية التي تشرف على تلك الجزيرة تريد نقل بعض الديناصورات إلى مكان آمن بسبب انفجار بركاني سيقضي على تلك الديناصورات لا محالة. وهي مهمّة إنسانية بالنسبة إليهما تنطلق من الرغبة في المحافظة على أي حيوان مهدد بالانقراض حتى ولو كان وحشاً فتاكاً اسمه تي - ركس أو إندورباتور ومعاملتها كمعاملة الغزلان أو القطط الأليفة. وهما غير مدركان أنّ ويتلي ورجاله ينفّذون رغبة المؤسسة في نقل ما يمكن نقله من تلك الوحوش للمتاجرة بها في مزادات علنية بحيث يصبح لكل ملياردير راغب «ديناصوره» الخاص.

مفردات ناجحة ولكن...
لا يخلو الفيلم من مشاهد مشوّقة من بينها، على سبيل المثال، هروب البشر والحيوانات في اتجاه واحد بعيداً عن البركان. والفصل النهائي مع مختلف ألوان القتل والفتك وسقوط الأبرياء. لكنّ السائد من المفارقات يبقى ذاته، خصوصاً في كل وضع يجد فيه بطلا الفيلم غرادي وكلي، نفسيهما على بعد شبر واحد من فم الوحش لكنّهما ينجحان في الإفلات من تلك الأنياب الكبيرة. كل هذا في سبيل الحفاظ على هذه الثروة الوحشية وفي واحد من الحوارات المسلوقة من جينات الأفلام السابقة تقول كلير بأسى: «الديناصورات تموت ولا أحد يكترث». نعم هناك مكترثون من المشاهدين، لكن ليس للغاية الإنسانية ذاتها.
كذلك هناك تلك المؤسسة التي تكترث والتي تمرّ بمخاض عسير للحفاظ على مكتسباتها.
يوفر هذا الفيلم شخصية جديدة تدخل على الخط من دون مقدّمات هي شخصية لوكوود (الرائع جيمس كروموَل): إنّه عجوز طريح الفراش معظم الوقت كان شريكاً لهاموند (رتشارد أتنبوره في الفيلمين الأولين) ثم انفصلا. هاموند كان استثمارياً بطبعه، لكنّ نيات لوكوود نظيفة، وهو يخشى من أن زوج ابنته سيعصف بكل المنجزات العلمية بقيامه باستنساخ وبيع الديناصورات للراغبين في الاقتناء.
وجود لوكوود، ثم مقتله على يد شريكه الحالي الذي يود المضي في استنساخ الديناصورات وبيعها، يحوّل دفة الفيلم - بنجاح - إلى وضع مختلف عمّا كانت عليه الأجزاء الأربعة السابقة. هنا يدخل الفيلم (والسلسلة معه) في مسار جديد حيث ما عادت الديناصورات مجرد وحوش فتاكة، بل صارت رمزا لعالم مضطرب مليء بالنيات الشريرة. صحيح أنّ الرغبة في المتاجرة بتلك الوحوش موجودة منذ الفيلم الأول، لكنّ هذه الوحوش في الفيلم الجديد تنتقل إلى عالمنا الحالي وتعد أنّها ستدمره في الجزء الخامس بلا ريب.
وفي حين تشكّل الاستعانة بالمخرج الإسباني ج. أ. بايونا (الذي من بين أفلامه «المستحيل» مع ناوومي ووتس وإيوان مكريغور قبل ست سنوات) ميزة أنّه جيد في عمله وعين خارجية على سلسلة عايشها من الداخل كل من عمل فيها سابقاً من الأميركيين، إلا أن القليل في السيناريو يرتفع إلى مستوى اختيارات المخرج من مفرداته الفنية. وكما الحال في المشاهد التي يتبنّى فيها الفيلم الجديد مواقف وحلولا سبق للأفلام السابقة أن أمّتها أكثر من مرّة، نجد أنّ الشّخصيات كرتونية وعبارات تلطيف الأجواء بمزاح كوميدي لا تزال تستخدم حتى لا يفوت الفيلم أي فرصة يعتقدها مثمرة.
هذه اللمحات كذلك المؤثرات البارعة المستخدمة لا تنفع كثيراً عندما يدرك المشاهد أنّ أخطاء الشّخصيات كلها هي السبب الوحيد في استمرار الحكايات الواردة. لوكوود الذي وافق على استنساخ البشر، لكنّه غير موافق على استنساخ الديناصورات. بطل الفيلم الذي يقترب من أحد الديناصورات ماداً يده صوبه بينما الأخرى مقبوضة قريباً من صدره كما لو أنّه يستطيع أن يلكم الديناصور إذا ما أساء هذا التّصرف. الشرير ويتلي الذي يتولّى نقل الديناصورات في باخرة (كما نُقل «كينغ كونغ» أكثر من مرّة) وهو يعتقد أنّه أذكى من الديناصور فيحاول قلع واحدا من أنيابه بعد تخديره. من ثمّ يكفي أنّ بطلي الفيلم في سعيهما ليبرهنا على إنسانيّتهما لم يفكرا في المخاطر التي سيتسببان بها عبر الإبقاء على الديناصورات حيّة، ناهيك برغبة نقلها إلى المدن، هذا على الرغم من أنّ تجربتهما في هذا المجال انقلبت وبالاً على عشرات أو ربما مئات الضّحايا في الفيلم السابق.
في كل مثال هنا، وفي سواها، يجد المشاهد نفسه أمام شخصيات افترضت أنّها تستطيع، لكنّها لم تفكر للحظة ما إذا كان ما تقوم به هو الفعل الصحيح أم لا.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».