حوار موسيقي مغربي ـ أميركي في افتتاح مهرجان كناوة بالصويرة

الدورة الـ 21 تقترح منتدى لـ«حتمية المساواة» و«شجرة كلمات» ومعرضاً للآلات الموسيقية الأفريقية

من حفل حميد القصري وفرقة سناركي بوبي بالصويرة
من حفل حميد القصري وفرقة سناركي بوبي بالصويرة
TT

حوار موسيقي مغربي ـ أميركي في افتتاح مهرجان كناوة بالصويرة

من حفل حميد القصري وفرقة سناركي بوبي بالصويرة
من حفل حميد القصري وفرقة سناركي بوبي بالصويرة

شكل المزج الموسيقي الذي جمع حميد القصري، أحد أشهر فناني كناوة في السنوات الأخيرة، الذي يعد بعزفه الروحّي الجريء وصوته العميق، «وريث» فن كناوة، وفرقة سناركي بوبي التي تضم موسيقيين موهوبين من حي بروكلين بمدينة نيويورك، أبرز فقرات افتتاح «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ21، التي انطلقت مساء أول من أمس، بمدينة الصويرة المغربية، مقترحة على عشاق التظاهرة برمجة غنية ومتنوعة، يتوزعها الشق الموسيقي بمشاركة فنانين من المغرب والخارج، ومنتدى حقوق الإنسان، الذي ينظم في دورته السابعة حول «حتمية المساواة»، ومائدة مستديرة حول «الثقافة والإدماج الاجتماعي»، فضلاً عن فقرة نقاش تحت عنوان «شجرة الكلمات»، وثلاث ورشات ومعرض فني للآلات الموسيقية الأفريقية.
وجاء حفل القصري وسناركي بابي ثمـرة لإقامة فنية دامت أكثر من أسبوع، حيث تكاشف الموسيقيان، وأجريا تبادلات لتقديم إبداع موسيقي أثار إعجاب الجمهور الغفير الذي تابعه على منصة مولاي الحسن.
وتضم الفرقة الأميركية، التي تأتي إلى أفريقيا للمرة الأولى، موسيقيين موهوبين من مختلف الثقافات، من قبيل عازف القيثارة مايكل ليك، وعازف البيانو بيل لورانس.
وأعطيت انطلاقة دورة هذه السنة من المهرجان بموكب للفرق المشاركة، بألوان زاهية، قاده معلمو كناوة، طاف بأهم شوارع المدينة، أريد منه أن يمثل «لحظة عاطفية قوية» و«حدثاً شعبياً»، قبل أن يتوقف بساحة مولاي الحسن، حيث أعلن الافتتاح الرسمي بكلمة رئيس المجلس البلدي للمدينة.
ويعول المنظمون على أن تشكل دورة هذه السنة، التي ستتواصل على مدى ثلاثة أيام، فرصة أخرى للتذكير بالجذور الأفريقية لهذا المهرجان الذي «أعطى نفساً جديداً لفن كناوة، بفضل روحه التي تجمع بين التبادل والمزج».
ويتضمن البرنامج الموسيقي للتظاهرة، فقرات تقترح إضاءات على خلف العادة الكناوية، وعلاقة الصويرة بأفريقيا، ولقاء فنانين من العالم مع كناوة، وحفلات موسيقية حميمية، وليلة بـ«ألوان الصويرة».
وحيث إن مهرجان كناوة هو مكان للتعلم والمشاركة والانفتاح، تقترح ورشات «تقاسم تجربة سناكري بوبي» و«تقاسم عبر الزمن، إيقاعات وألوان كناوة»، و«القرقاب ورقصة كويو»، على شباب الصويرة، إمكانية الاستفادة من مكتسبات الفنانين المشاركين، بعيداً عن ضوء منصات الحفلات. فيما تبقى «شجرة الكلمات»، التي انطلقت منذ 2006 لحظة هدوء، إذ تقترح محادثات فنية، وفاصلاً للحوار والتبادل.
من جهته، يشكل معرض الآلات الموسيقية الأفريقية، تحت عنوان «مكتبة الآلات الموسيقية الأفريقية»، برواق برج باب مراكش، فرصة لتثمين هذه الآلات، التي تشكل ذاكرة لما نقله الأسلاف طيلة قرون، من جيل إلى آخر.
وعلى هامش التظاهرة، انطلقت، أمس، فعاليات منتدى حقوق الإنسان، الذي شكل منذ إحداثه في 2012، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فرصة للنقاش وتبادل الأفكار بين متدخلين مغاربة وأجانب حول عدد من الإشكاليات الراهنة، بينها، في دورة هذه السنة، موضوع «حتمية المساواة»، الذي تتوزعه أربع قضايا رئيسية، هي «المساواة، والتمييز، والمناصفة: المفاهيم، والانعكاسات»، و«تقدم لا ينكر، وضروب تمييز مستمرة»، و«مجتمع في دينامية: مبادرات من أجل حقوق النساء»؛ و«سبل الإصلاح».
من جهتها، تهدف المائدة المستديرة، في موضوع «الثقافة والإدماج الاجتماعي: ما هو إسهام ائتلاف المدن العربية لمكافحة العنصرية والتمييز وكره الأجانب والتعصب؟»، إلى «إجراء مناقشة وتبادل الرؤى حول دور الثقافة وقضايا الإدماج الاجتماعي في مكافحة العنصرية وجميع أشكال التمييز»، مع العمل على «تحديد مساهمات ائتلاف المدن العربية لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب والتعصب، على المستويين المحلي والوطني وتقديم أنشطتها وأهدافها».
وتقول نائلة التازي، منتجة المهرجان، إن مهرجان كناوة، الذي يفتخر بجذوره الأفريقية التي تساهم في تطوير علاقاته مع القارة، وتعزيز التبادل مع الفنانين من جميع الاتجاهات، «مفعم بالمستقبل»، امتدت شهرته، بحكم ارتكازه علـى الأخوة والكرامة وكل القيـم الكونية ومضاعفة المجهودات لتحقيق ما تم رسمه منذ عشرين سنة: «جعل فن كناوة رمزاً أساسياً للثقافة المغربية والأفريقية، وتسجيل الصويرة في لائحة مدن الثقافة العالمية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».