أربع هفوات.. وجنازة

أوباما وكاميرون وثورنينغ شميدت في لقطة نادرة (أ.ف.ب)
أوباما وكاميرون وثورنينغ شميدت في لقطة نادرة (أ.ف.ب)
TT

أربع هفوات.. وجنازة

أوباما وكاميرون وثورنينغ شميدت في لقطة نادرة (أ.ف.ب)
أوباما وكاميرون وثورنينغ شميدت في لقطة نادرة (أ.ف.ب)

إذا شاهدت فيلم «أربع زيجات وجنازة» البريطاني الكوميدي الشهير، ستفهم ما قصدته في العنوان، وهنا لا أتكلم عن الفيلم وإنما أتكلم عن حفل تأبين المناضل نيلسون مانديلا بحضور الرؤساء والمسؤولين والمشاهير، والذي جرى أمام أعين عشرات الآلاف وملايين المتفرجين الذين تابعوا الحدث على شاشات التلفزة.
ولكن يبدو أن حفل التأبين لم يخلُ من هفوات كان على رأسها تلك الصورة التي دخلت التاريخ بمجرد أن التقطها المصور روبيرتو شميدت الذي يعمل لصالح وكالة الصحافة الفرنسية، الذي اختار بأن يسلط عدسة كاميرته على الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيسة الوزراء الدنماركية هيلي ثورنينغ شميدت وهم يلتقطون صورة لأنفسهم بواسطة هاتف شميدت الجوال، وبدت ملامح الغيظ واضحة على وجه السيدة الأولى ميشيل أوباما وهي تجلس بقرب زوجها.
والقصة الثانية هي تعرض منزل ديزموند توتو، رئيس أساقفة كيب تاون، للسرقة أثناء رثائه صديق عمره الراحل نيلسون مانديلا أثناء حفل التأبين، إذ استغل اللصوص وجود توتو في الحفل ليدخلوا إلى منزله الواقع في ضواحي كيب تاون والذي يبعد 800 ميل عن مكان الحفل في جوهانسبورغ بهدف السرقة.
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها منزل توتو للسرقة، فهذه هي المرة الثانية التي يدخل فيها اللصوص إلى المنزل في غضون شهرين.
والقصة الثالثة كانت حول المترجم الخاص بالصم والبكم الذي كان يقوم بأداء لغة الإشارة أثناء تلاوة الرئيس أوباما خطابه في حفل التأبين، ليتبين بعدها بأنه مترجم مزيف، وأثارت هذه القصة حفيظة جمعية الصم والبكم واعتبرتها إهانة لهم.
والقصة الرابعة كانت اتهام السيدة الأولى ميشيل أوباما بالغيرة، بسبب سلسلة الصور التي نشرت وظهرت فيها غير ممتنة بسبب المداعبة والمزاح ما بين زوجها ورئيسة الوزراء الدنماركية الملقبة في بلادها باسم «هيلي غوتشي» لأنها معروفة بجمالها وأناقتها، ويرى البعض بأنها تصلح بأن تكون عارضة أزياء بدلا من أن تكون رئيسة حكومة.
مسلسل الصورة لم ينتهِ، الانتقادات لا تزال تطال الرؤساء المعنيين، مما اضطرهم إلى الرد والدفاع عن أنفسهم، وانتقلت لعبة الكلام من «نو سلفي استيم» (لا احترام للذات) إلى «سلفي ديفنس» (الدفاع عن الذات) بالإشارة إلى الرد الذي قام به كاميرون بعدما وضع في موقف حرج أثناء حضوره جلسة برلمانية وعندما سأله الوزير مارتن هوروود عما إذا كان لديه الوقت لمناقشة استخدام الهاتف الذكي الدولي مع أي رئيس حكومة أوروبي في الأيام القليلة الماضية (بالإشارة إلى الصورة التي التقطتها رئيسة حكومة الدنمارك)، فرد كاميرون بأن نيلسون مانديلا كان دائما يشجع على تقريب الناس بعضهم من بعض. وبالتأكيد عندما تطلب كنة عائلة كينوك التقاط صورة معي فجوابي سيكون نعم، ووافقت على الصورة أدبا مني (يشار إلى أن هيلي ثورنينغ شميدت هي زوجة ابن نيل كينوك رئيس حزب العمال السابق).
ومن المدافعين أيضا كان المصور الذي التقط الصورة، وقال إنه لم يعرف بأن الصورة سوف تحدث زوبعة على الإنترنت، كما أنه قال إن هناك صورا سبقت تلك الصورة الشهيرة تبين السيدة الأولى وهي تضحك مع الرؤساء، ودافع عن ميشيل أوباما بالقول إنها لم تكن منزعجة من الأمر على عكس ما بينته الصورة.
ودافعت هيلي ثورنينغ شميدت عن نفسها هي الأخرى بالقول إن ميشيل أوباما شاركتهم المزاح قبل دقائق من التقاط الصورة، وعلقت بالقول «الصور تكذب».
أما البيت الأبيض فلم يعلق على موقعه على الإنترنت، إنما اكتفى بنشر عدة صور التقطها المصور الرسمي للبيت الأبيض أثناء رحلة الرئيس أوباما وزوجته إلى جنوب أفريقيا، تظهر فيها السيدة الأولى وهي تبتسم، لإبعاد شبح الغيرة والامتعاض عن الموضوع.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».