«الرحمتات» عادة سودانية في آخر خميس من رمضان

توزع خلالها فتة اللحم والخبز ومنقوع التمر للأطفال وفي خلاوي القرآن

المندولة من الأطباق التراثية السودانية يقدّم في يوم «الرحمتات»
المندولة من الأطباق التراثية السودانية يقدّم في يوم «الرحمتات»
TT

«الرحمتات» عادة سودانية في آخر خميس من رمضان

المندولة من الأطباق التراثية السودانية يقدّم في يوم «الرحمتات»
المندولة من الأطباق التراثية السودانية يقدّم في يوم «الرحمتات»

«الرحمتات» شكل من أشكال احتفاء السودانيين برمضان، بل وبقرب إكمال صومهم للشهر. وتقوم فكرتها على التصدق بالطعام على الفقراء والأطفال على وجه الخصوص، بنية ذهاب ثوابه للراحلين من أفراد الأسرة المحددة جميعاً أو أحدهم، ويقدم فيها طعام خاص يتكوّن من اللحم والخبز والأرز وشراب منقوع التمر، في يوم الخميس الأخير من كل رمضان، الذي تعقبه «الجمعة اليتيمة»، ويطلق عليه «الرحمتات».
وكان السودانيون يذبحون الذبائح في يوم «الرحمتات»، لتعدّ النساء منها «الفتة» واللحم والخبز والأرز، ومشروب التمر المعجون في الماء، لكنّ الأزمة الاقتصادية لم تعد تمكن الكثيرين من ذبيح «الرحمتات»، فيضطرون لشراء بعض اللحم لتقديمه صدقة لموتاهم في هذا اليوم.
وتقام أحياناً في أشكال جماعية، خصوصاً في القرى، ويطلقون عليها «الرحمتات عشا الميتين»، تشترك فيها عوائل عديدة أو عائلة بمفردها، والغرض منها التقرب إلى الله، متمنين بلوغ ثوابها للموتى من أفراد العائلة.
و«الرحمتات» بمثابة عيد للأطفال، يغنّون فيه ويلعبون ويأكلون اللحوم والفتة متجولين من بيت لآخر، ويأكلون الفتة حارة، مغنين بأغنيات تستحث «ست البيت» على تقديم الطعام لهم بسرعة، بما يجعل منه يوماً لإثراء الحياة الاجتماعية بين الناس، وإشاعة روح التكافل والتواصل، والحفاظ على تقاليد تقاسم الطعام، وإفشاء الود والتراحم، يفرح به الأطفال والفقراء إذ يأكلون خلاله اللحم ويشربون منقوع التمر.
و«الرحمتات» مشتقة من «الرحمة آتية»، لكن لها معاني أخرى، ومن بين ما تعنيه من إتاحة «الطعام الكثير والمتاح»، وعادة ما تذبح الأسر الثّرية ذبيحة لتعد منها «الفتة» لإفطار «الرحمتات» الذي يتكوّن من اللحم والأرز والخبز وشراب التمر، والسلطات، أمّا الأسر الفقيرة فتشتري ما تيسّر لها من لحم لتطبخه وتوزعه على الناس، والأطفال خصوصاً.
تصف السيدة نفيسة «الرحمتات» بأنّها من التقاليد الحبيبة التي تميز السودانيين، بيد أنّها حذرت من تلاشي «الرحمتات»، بسبب الضائقة المعيشية التي يواجهها الناس، وتمنّت عدم زوال صدقتها قائلة: «على الرّغم من أنّها عادة متوارثة، فإنّها على ما يبدو لم تصمد أمام متغيرات المجتمع».
وفي دارفور، حيث المطبخ الثري بخصوصيته المعروفة، فإنّ لـ«الرحمتات» فرادتها، إذ تُحضّر الفتة ومشروب التمر بطريقة خاصة، تحفظ قيمتها الغذائية وطعمها ومذاقها، وتُقدّم في أوانٍ فخارية، كما يقدم مشروب التمر «البرمة» ويشرب منه بكأس من «القرع»، وتقدم الفتة واللحم «الثريد» على قدح من الفخار مزيّن بالنقوش السعفية، والسكسك يطلق عليه «المندولة»، وهي من مميزات المطبخ الدارفوري ذا المذاق الخاص.
وتحرص السيدة نفيسة على تقديم الطعام لأطفال الخلوة المجاورة لبيتها طوال أيام العام، لكنّها تركز على إفطار رمضان، ويزيد تركيزها أيضاً على إفطار «الرحمتات». وتقول، إنّها تدعو أطفال «الخلاوي» ودارسي القرآن الكريم للحضور إلى منزلها لتناول إفطار «الرحمتات»، بعد أن كانت تبعث لهم الإفطار في مكانهم، وتضيف: «هم يتلون القرآن أمام البيت، يطردون الشيطان من المكان، وتصل دعواتهم لمراحيم الأسرة مباشرة».
صدقة «الرحمتات» مهدّدة بالتلاشي وبالتناسي، لأنّ الكثير من الأجيال الجديدة في المدن على وجه الخصوص، قد لا يعرفونها، ولأن الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد أثّرت كثيراً على قدرات الناس في الإنفاق، لكنّ الأرياف والقرى لا تزال تتراحم وتقيم «الرحمتات» رغم فقرها، لأنّ تكافلها سبب بقائها.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.