آستانة تستعد لافتتاح مركزها المالي العالمي وسط تطلعات كبرى

خاضع للتشريعات البريطانية... وبمساهمة «ناسداك» و«شنغهاي»

منشآت وساحات المركز المالي الدولي في آستانة
منشآت وساحات المركز المالي الدولي في آستانة
TT

آستانة تستعد لافتتاح مركزها المالي العالمي وسط تطلعات كبرى

منشآت وساحات المركز المالي الدولي في آستانة
منشآت وساحات المركز المالي الدولي في آستانة

تتجه أنظار رجال المال والأعمال هذه الأيام نحو العاصمة الكازاخية آستانة، التي انتهت فيها عمليا التحضيرات الأخيرة لافتتاح المركز المالي الدولي، في خطوة يرى مراقبون ورجال مال أنها ستؤثر بصورة واضحة على النشاط الاستثماري والتجاري إقليميا وعالميا، وتتيح للاقتصاد المحلي إمكانيات جديدة تساهم في تطويره وتنويع مصادره.
ومع أن الموعد الرسمي لافتتاح المركز بعد شهر تقريباً، وتحديداً في 5 يوليو (تموز) القادم، إلا أن شركات مالية عالمية بدأت منذ وقت مبكر تقديم الطلبات للحصول على موطئ قدم في هذا المركز الجديد، للاستفادة من امتيازات غير مسبوقة وإغراءات ضخمة تقدمها السلطات الكازاخية للمستثمرين الأجانب الراغبين بالعمل في المركز المالي الدولي، بما في ذلك مكاتب مجانا لمدة عامين، وإعفاء من الرسوم وأي ضرائب حتى عام 2066. فضلا عن تقديم تسهيلات للحصول على تأشيرة سفر كازاخية (فيزا)، وغيرها الكثير من الامتيازات التي لم يسبق أن قدمتها أي مراكز مالية عالمية أخرى.
ويتوقع أن يشغل المركز المالي في آستانة مكانة مميزة بين أسواق المال العالمية، وأن يتحول إلى مركز استقطاب كبير مهم لرؤوس الأموال، وذلك ليس بسبب الامتيازات الأولية التي تقدمها السلطات الكازاخية فحسب، بل ولجملة أسباب أخرى تعود إلى طبيعة وآليات العمل ضمن ذلك المركز.
في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار بايف كان قد أصدر مرسوما عام 2015 يقضي بتأسيس المركز المالي الدولي، إلا أن المرسوم وحده لم يكن كافياً، ذلك أن هذا المشروع وفق الفكرة الأساسية، سيكون عبارة عن «جيب قانوني»، أي بعبارة أخرى «منطقة داخل أراضي دولة وتخضع لولاية وصلاحيات تشريعات وقوانين معتمدة في دولة أخرى». وقرر القائمون على المشروع أن يكون المركز المالي الجديد خاضعا للتشريعات والقوانين المعتمدة والسارية حالياً في بريطانيا، أي أن التعاملات المالية وفض الخلافات، وأي قضايا أخرى ضمن المركز كلها ستكون بموجب القوانين البريطانية، وليس الكازاخية. الأمر الذي تطلب بالضرورة تعديل دستور البلاد، إلى جانب المرسوم الرئاسي.
وأقدمت السلطات الكازاخية على هذه الخطوة الجدية، وقامت بإدخال التعديلات المناسبة على الدستور، إدراكا منها أن افتتاح المركز المالي لن يكون مجرد نافذة للحصول على دخل إضافي للميزانية، وهو ليس مشروع علاقات عامة، وإنما خطوة تساهم في الانتقال من اقتصاد يعتمد بصورة رئيسية على صادرات المواد الخام، إلى اقتصاد عصري مالي.
وفي سبيل إنجاز مشروع مركز مالي مميز، استفادت كازاخستان من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، ودرست في هذا السياق التجربة الإماراتية، والمركز المالي في دبي، الذي أثبت جدارته على المستوى العالمي. ولم يكن التركيز على التجربة الإماراتية من باب الصدفة، ذلك أنه هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الإمارات وكازاخستان، إذ تعتمد كلتاهما، حالهما حال عدد كبير من الدول العربية، على العائدات النفطية، وكلا البلدين يسعى للتحول نحو التنوع وبناء اقتصاد يعتمد على تطوير التجارة، وتقديم الخدمات المالية في منطقته.
وشهدت زيارة الرئيس الكازاخي إلى الإمارات في مارس (آذار) الماضي توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم حول التعاون بين المركز المالي الدولي في آستانة، ومؤسسات مالية إماراتية عملاقة، بما في ذلك وبصورة خاصة اتفاقية مع مركز دبي المالي، فضلا عن اتفاقيات مع «أبوظبي غلوبال ماركت»، و«مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي»، و«إنترناشونال كالاترافرا».
وتتيح تلك الاتفاقيات إمكانية التعاون بين الإمارات العربية المتحدة وكازاخستان، وتبادل الخبرات والمعلومات، الأمر الذي من شأنه خلق فرص جديدة للتعاون بين المؤسسات المالية العابرة للحدود.
وإلى جانب استفادتها من علاقاتها المميزة مع الدول العربية في الاستعدادات لافتتاح المركز المالي الدولي، استفادت كازاخستان كذلك من علاقاتها مع جارتها الصين، العملاق الاقتصادي العالمي، الذي يولي اهتماما كبيرا بالمشروع الجديد في قلب آسيا الوسطى. وبرز هذا الاهتمام عبر قرار بورصة شنغهاي، الحصول إلى جانب «ناسداك» الأميركية على حصة من أسهم البورصة في مركز آستانة المالي.
وفي سياق متصل، يتوقع أن يفتتح المصرف «الصناعي التجاري» الصيني، وكذلك «مصرف البناء والتجارة» فروعا لهما في المركز في آستانة حتى نهاية العام الجاري، هذا بينما تجري حاليا محادثات مع كبرى المصارف الصينية للحصول على تصريح عمل في المركز.
وفي بعض التفاصيل حول خطة العمل للمرحلة الأولى، ينوي القائمون على المركز طرح سندات «اليورو» وكذلك سندات وزارة المالية الكازاخية، بالعملة المحلية (تنغا)، وسندات إسلامية مستقلة (صكوك). وتأمل السلطات الكازاخية بجذب أكثر من 500 شركة استثمارية إلى مركز آستانة خلال عامين، وبصورة خاصة من آسيا الوسطى والعالم العربي.
ويرى محللون من عالم المال والأعمال أن آستانة، بعد افتتاح مركزها المالي، ستتحول إلى واحدة من مراكز المال العالمية، إلى جانب مراكز كبرى مثل دبي وهونغ كونغ، ولندن. ويشيرون في هذا السياق إلى أن السلطات الكازاخية مهتمة وواثقة بنجاح المشروع الجديد، وهو ما يدل عليه توجيه الرئيس الكازاخي شخصيا الدعوات لممثلي قطاع المال العالمي، لحضور حفل افتتاح المركز المالي الدولي في آستانة.



شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
TT

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024، مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، لتتحول إلى الربحية وبنسبة نمو تجاوزت 200 في المائة.إذ وصلت أرباحها إلى نحو 525 مليون دولار (1.97 مليار ريال) مقارنةً بتسجيلها خسائر في العام السابق وصلت إلى 516 مليون دولار (1.93 مليار ريال).

ويأتي هذا التحول للربحية في النتائج المالية لشركات القطاع، وتحقيقها لقفزة كبيرة في الأرباح، بفعل ارتفاع الإيرادات ودخل العمليات والهامش الربحي وزيادة الكميات والمنتجات المبيعة.

ومن بين 11 شركة تعمل في مجال البتروكيميائيات مدرجة في «تداول»، حققت 8 شركات ربحاً صافياً، وهي: «سابك»، و«سابك للمغذيات»، و«ينساب»، و«سبكيم»، و«المجموعة السعودية»، و«التصنيع»، و«المتقدمة»، و«اللجين»، في حين واصلت 3 شركات خسائرها مع تراجع بسيط في الخسائر مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، وهي: «كيمانول»، و«نماء»، و«كيان».

وبحسب إعلاناتها لنتائجها المالية في «السوق المالية السعودية»، حققت شركة «سابك» أعلى أرباح بين شركات القطاع والتي بلغت مليار ريال، مقارنةً بتحقيقها خسائر بلغت 2.88 مليار ريال للعام السابق، وبنسبة نمو تجاوزت 134 في المائة.

وحلت «سابك للمغذيات» في المركز الثاني من حيث أعلى الأرباح، رغم تراجع أرباحها بنسبة 21 في المائة، وحققت أرباحاً بقيمة 827 مليون ريال خلال الربع الثالث 2024، مقابل تسجيلها لأرباح بـ1.05 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق.

وفي المقابل، حققت «اللجين»، أعلى نسبة نمو بين الشركات الرابحة، وقفزت أرباحها بنسبة 1936 في المائة، بعد أن سجلت صافي أرباح بلغ 45.8 مليون ريال في الربع الثالث لعام 2024، مقابل أرباح بلغت 2.25 مليون ريال في العام السابق.

مصنع تابع لشركة كيميائيات الميثانول (كيمانول) (موقع الشركة)

توقعات استمرار التحسن

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، توقع المستشار المالي في «المتداول العربي» محمد الميموني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تستمر حالة التحسن في أرباح شركات قطاع البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، بفعل حالة ترقب التحسن في الاقتصاد الصيني الذي يعد من أهم وأكبر المستهلكين لمنتجات شركات البتروكيميكال، والاستقرار المتوقع في الأوضاع الجيوسياسية، مضيفاً أن تلك العوامل ستعمل على بدء انفراج في أسعار منتجات البتروكيميكال، وتجاوزها للمرحلة الماضية في تدني وانخفاض أسعارها. وقال «لا أتوقع أن يكون هناك مزيد من التراجع، ومن المتوقع أن يبدأ الاستقرار في أسعار منتجات البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، وهو مرهون بتحسن أسعار النفط، وتحسن الطلب على المنتجات».

وأشار الميموني إلى أن أسباب تراجع أرباح بعض شركات القطاع أو استمرار خسائرها يعود إلى انخفاض متوسط أسعار مبيعات منتجات البتروكيميكال نتيجة لاتجاه السوق والأسعار نحو الانخفاض بالإضافة إلى فترة الصيانة الدورية لعدد من مصانع شركات القطاع، وكذلك ارتفاع تكلفة وقود الديزل في الفترة منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2024 وارتفاع تكلفة الشحن بسبب الاضطرابات الجيوسياسية التي أثرت على مسار الشحن من خلال مسار البحر الأحمر، وارتفاع تكاليف التمويل، ورغم اتجاه أسعار الفائدة نحو الانخفاض منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنه لم ينعكس بشكل جيد على وضع نتائج شركات البتروكيميكال حتى الآن، مجدِّداً توقعه بتحسن النتائج المالية لشركات القطاع خلال الربعين المقبلين.

تحسن الكفاءة التشغيلية

من جهته، قال المحلل المالي طارق العتيق، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن شركات القطاع أظهرت منذ بداية السنة تحسناً في الكفاءة التشغيلية لجميع عملياتها وأدائها، وارتفاع في أعداد الكميات المنتجة والمبيعة، وتكيّف شركات القطاع مع تغير ظروف السوق. وقابل ذلك تحسّن ظروف السوق وزيادة الطلب على المنتجات البتروكيماوية، وتحسّن الهوامش الربحية ومتوسط الأسعار لبعض منتجات البتروكيميائيات الرئيسة.

وعّد العتيق تسجيل 8 شركات من أصل 11 شركة تعمل في القطاع، أرباحاً صافية خلال الربع الثالث، أنه مؤشر مهم على تحسن عمليات وأداء شركات القطاع، ومواكبتها لتغير الطلب واحتياج السوق، مضيفاً أن القطاع حساس جداً في التأثر بالظروف الخارجية المحيطة بالسوق وأبرزها: تذبذب أسعار النفط، والظروف والنمو الاقتصادي في الدول المستهلكة لمنتجات البتروكيميائيات وأهمها السوق الصينية، والأحداث الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على حركة النقل والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن تلك الظروف تؤثر في الطلب والتكاليف التشغيلية لمنتجات البتروكيميائيات، إلا أنها قد تتجه في الفترة الراهنة باتجاه إيجابي نحو تحسن السوق والطلب على منتجات البتروكيميائيات.