معماريون هولنديون يبنون أولى المساكن بالطباعة التجسيمية

منازل أميركية بيئية موجهة إلى «النخبة»

معماريون هولنديون يبنون أولى المساكن بالطباعة التجسيمية
TT

معماريون هولنديون يبنون أولى المساكن بالطباعة التجسيمية

معماريون هولنديون يبنون أولى المساكن بالطباعة التجسيمية

قال مهندسون معماريون هولنديون إنهم شرعوا بتنفيذ مشروع في مدينة «أيندهوفن» لبناء منازل مخصصة للسكن تصمم لكي تطبع أجزاؤها بالطابعات التجسيمية ثلاثية الأبعاد، الأولى من نوعها في العالم، ما سيؤدي إلى ثورة كبرى في قطاع الإنشاء.

منازل مطبوعة
واجتذب أصغر منزل من المنازل الخمسة يتكون من غرفتي نوم، طلبات للسكن فيه من 20 عائلة وذلك بعيد الإعلان عن المشروع الذي أطلق عليه اسم «المَعْلِمْ»، أو علامة الطريق. وكانت شركة «فان ويجنن» قد أعلنت عن توجهاتها للبناء بالطباعة التجسيمية بعد أن عانت من نقص العاملين في قطاع الإنشاء.
وتنشأ المنازل الخمسة في غابة قريبة من مطار المدينة وسينتهي العمل ببنائها العام المقبل. وستوضع الطابعة التجسيمية وهي على شكل ذراع روبوتية ممتدة، قرب موقع الإنشاء، وهي تحتوي على فوهة ينفث منها الإسمنت المصنوع بوصفة خاصة لكي يكون سلسا مثل كريمة الحليب المخفوقة.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن رودي فان غيرب الباحث في جامعة أيندهوفن للتكنولوجيا والمدير في الشركة التي تتعاون مع الجامعة، أن بناء المنازل بهذه الطريقة سيقلل التأثيرات الضارة على البيئة ويقلل استهلاك الإسمنت المستخدم في البناء.
ويطبع الإسمنت وفق تصميم المعماريين، بحيث توضع منه طبقة فوق أخرى لبناء الجدران الخارجية والداخلية فقط. وعندما ينتهي إنشاء المنزل الخامس المكون من ثلاثة طوابق بثلاث غرف نوم، فمن المرجح أن تنتج الطابعة أيضا أنابيب مجاري التصريف وملحقات البناء الأخرى.
كما سيسمح إنشاء الجدران بالطباعة التجسيمية بوضع أدوات استشعار إلكترونية عليها للتحكم بالإضاءة والتدفئة والأمن. وقال المعماريون الهولنديون إن الطباعة التجسيمية تسمح للمصممين بصنع مختلف أشكال الجدران والبيوت. وهم يعتقدون أن 5 في المائة من المنازل ستبنى في المستقبل القريب بتوظيف هذه الطريقة.

منازل «النخبة» التقنية
من جهة أخرى تعرض شركة «والدن مونتيري» الأميركية التي تمتلك أرضا تمتدّ على 609 أكر (الأكر 4 آلاف متر مربع) على ساحل كاليفورنيا، فرصة للسكن في منازل تقنية مطورة للنخبة من الأغنياء وكبار الشخصيات المولعة بالتكنولوجيا. ويدعو مؤسسها نيك جيكوغيان، الملّاك المحتملين لزيارة الأرض والإقامة في المنازل التي تعرف بـ«الغرف المتجوّلة» لاختبار أسلوب الحياة المستدام. ويخطط المشرفون على المشروع استخدام وحدة باسم «غاليني سليبينغ بود» لإنشاء المساكن المطورة التي لا تبعد كثيرا عن «سيليكون فالي»، وذلك ببناء 22 منزلاً. ويصل سعر قطعة الأرض إلى خمسة ملايين دولار. وقد بيعت ثلاث قطع منها حتى اليوم منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
ويستطيع الشاري العمل مع فريق يتألف من أكثر من 20 مهندس عمارة جمعهم جيكوغيان، أو يمكنه التعاون مع مهندس خارجي، لإنفاق الملايين الإضافية لبناء المنزل. وتعتمد عمليّة الشراء على خطوة أساسية هي زيارة الشاري المحتمل للأرض. يدعو جيكوغيان الناس للإقامة في «الغرف المتجوّلة»، أو منازل زجاجية صغيرة متحرّكة، تتيح لهم اختبار شكل الحياة حقيقة على هذه الأراضي.
وتبلغ مساحة المنزل المستدام والمبني بالطباعة الثلاثية الأبعاد في مشروع «غاليني سليبينغ بود» 300 قدم مربع (28 مترا مربعا)، ويمكن نقله لأي مكان. يتزوّد المنزل بالطاقة من ألواح شمسية، وتوربينات للرياح، وبطاريات من صناعة شركة تسلا، لتصل تكلفته إلى نحو ربع مليون دولار. ويتطلب بناء المنزل من أربعة إلى ستة أسابيع. وتتولّى شركة «براند تكنولوجي» تطوير الهيكل الخارجي للمنزل بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وفقا لمجلة «بيزنيس إنسايدر». وتعمل هذه الشركة نفسها على تطوير وسائل بناء لمشاريع وكالة «ناسا» الفضائية على سطح المريخ.

مساكن بيئية
تُصنع هذه الوحدات السكنية من منصات متحرّكة ويمكن نقلها من قطعة أرض إلى أخرى في العقار حتى يتمكن الشارون المحتملون من اختبار شكل الحياة في هذا المكان. ويرتكز التصميم على هيكل متين مصنوع من ألياف الكربون، ويتمركز فوق قاعدة من الألمنيوم المعاد تدويره ليرفع الوحدة السكنية عن الأرض.
تعتمد وحدة «غاليني» السكنية في 97 في المائة من تركيبتها على مواد فعالة على صعيد الطاقة، مما يعني أن ثلاثة في المائة فقط من مواد كلّ وحدة تذهب للهدر. وكلّ المواد الأخرى المستخدمة من الألواح الخشبية الداخلية إلى البلاستيك المعاد تدويره المستخدم في البناء، وأضواء «ليد»، وأنظمة السمكرة الميكانيكية، جميعها «خضراء» وفعالة للطاقة. في المحصّلة، يمكن القول إن وحدات السكن ليس لها أي تأثير على البيئة المحلية.
يعمل نظام ضغط على سحب المياه لداخل الوحدة السكنية من البيئة المحيطة لتزويد السكان بحاجتهم من الماء. وتساهم الألواح الشمسية وتوربينات الهواء في تزويد الوحدة بالطاقة، كما تفعل البطارية الخفيفة الوزن من تسلا التي تصنعها شركة المليونير إيلون ماسك للطاقة.
يعتمد ساكنو المنازل هذه عادة على الهواء الطبيعي لتهويتها من خلال فتح أبواب المنزل، ولكنّ يوجد نظام تهوية أسفل الوحدة مهمّته تبريدها وتدفئتها عند الحاجة. وتسهل قابلية النقل التي يتميّز بها المنزل إمكانية وضعه على ظهر شاحنة ونقله إلى أي مكان: إلى ملكية خضراء في الخط الساحلي، أو بقعة مظلمة من الأرض في صحراء نيفادا. حتى أنّه يمكنه أن يحلّ محل المنازل المتنقلة والمضرة بالبيئة.

رسم تخيلي للمنازل المطبوعة



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».