سلمى حايك تطالب بتمكين اللبنانيات من منح الجنسية لأطفالهن

خلال حفل {جمعية الصداقة البريطانية ـ اللبنانية} الخيري في لندن

من اليسار إلى اليمين: ليزا زاخم وبارعة علم الدين وداليا ريشاني وسلمى حايك وماريا شماس ومونيكا توماس
من اليسار إلى اليمين: ليزا زاخم وبارعة علم الدين وداليا ريشاني وسلمى حايك وماريا شماس ومونيكا توماس
TT

سلمى حايك تطالب بتمكين اللبنانيات من منح الجنسية لأطفالهن

من اليسار إلى اليمين: ليزا زاخم وبارعة علم الدين وداليا ريشاني وسلمى حايك وماريا شماس ومونيكا توماس
من اليسار إلى اليمين: ليزا زاخم وبارعة علم الدين وداليا ريشاني وسلمى حايك وماريا شماس ومونيكا توماس

استقبل فندق الـ«دورشستر» في لندن حفلاً خيرياً من تنظيم جمعية الصداقة البريطانية اللبنانية التي تعزز العلاقة ما بين البلدين وتقدم منح التعليم للتلاميذ في بريطانيا. وحفل هذا العام ضم حشداً عربياً وبريطانياً ضخماً، وكانت نجمته الممثلة المكسيكية لبنانية الأصل سلمى حايك التي استضافتها الإعلامية والصحافية بارعة علم الدين في حديث شيق وودي على المسرح بين مدى صداقتهما، حيث استهلت علم الدين المقابلة بالحديث عن تعرفها إلى سلمى منذ ثلاث سنوات، واختصرت شخصية الممثلة الهوليودية بكلمات قليلة عبرت فيها عن إعجابها بشخصية الممثلة العفوية البعيدة عن التكلف وخفيفة الظل، وتذكرت الأحاديث التي دارت بينهما، وكيف وافقت سلمى حايك بكل رحابة صدر للمشاركة في هذا الحفل الخيري الذي يعنى بدعم الثقافة والعلم ونشر المعرفة في العالم.
وبالفعل بدت سلمى حايك مفعمة بالحيوية، وبلكنتها المكسيكية القوية تكلمت عن لبنان بلد أبيها وجدها الذي هاجر إلى المكسيك، والذي تعلمت حبها للبنان الذي لم تزره إلا أخيرا من خلال كتاب جبران خليل جبران الذي لم يكن يفارق الطاولة قرب سريره، وقالت إن شعورها كونها لبنانية يجري في عروقها، ولطالما أرادت الذهاب إلى لبنان إلا أن الظروف كانت تحول دون ذلك، إلى أن تحقق حلمها وزارت مسقط رأس أبيها وجدها بعبدات، وزارت قرية جبران وتنفست حرفه في كل زاوية من تلك البقعة الجبلية اللبنانية.
ولم تستطع سلمى حبس دموعها فتوقفت للحظة وقالت لبارعة: «وعدتك بأني لن أبكي على غرار المرات الأخرى التي جلسنا وتكلمنا فيها عن جدي، وها أنا أبكي أمام الجميع هنا»، وسبب بكائها كان عندما تذكرت رؤيتها لصورة جبران الذي كان يشبه جدها إلى حد كبير، وعندما عرض عليها إنتاج فيلم جبران كان لا بد من الحصول على توقيع كل شخص في قرية بشري الشمالية، وهذا يدل على تعلق واحترام سكان القرية بكاتبهم جبران.
وتكلمت سلمى أيضا عن دعمها للجمعيات الخيرية التي تهدف من خلالها للتغيير، وقالت إن حلمها بأن تقوم بتغيير قانون منح الجنسية في لبنان من خلال مساعدة الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي في إعطاء جنسيتها اللبنانية لأبنائها (يحق للرجل اللبناني المتزوج من أجنبية منح جنسيته لأبنائه)، وطلبت مساعدة من هم مهتمون بالأمر، قائلة إنها تحلم بمنح جنسيتها اللبنانية لأطفالها.
واسترجعت سلمى بعض ذكريات الطفولة مع الحضور، وأضحكت الجميع عندما وصفت أبيها بالأكول، قائلة إن الأكل مهم جداً في حياة اللبنانيين، ولا تذكر أبيها في أي لحظة إلا وكان يأكل، ولكن هناك مرة وحيدة كانت تختلف عن المرات الأخرى عندما رأته يبكي عندما سمع النشيد الوطني اللبناني على التلفزيون، وكان يحزن دائما لأنه لم يتكلم العربية.
وعن مسيرتها الفنية، وبعيدا عن أعمالها الخيرية التي تساهم في دعم نحو خمسين مؤسسة خيرية حول العالم، قالت حايك إنها بصدد التحضير لمشاريع فنية وغير فنية عديدة، والعمل الذي تعشقه هو أن تكون أماً.
وتروي قصة طريفة حصلت في أحد محلات بيع الألعاب في لندن عندما كانت برفقة ابنتها، حيث اقتربت سيدة تطلب التقاط صورة معها، إلا أن سلمى اعتذرت لأن وقتها كان مخصصاً لابنتها، لتصدم لاحقاً بابنتها تقول لها: «ماذا سيقولون عنك على شبكة التواصل الاجتماعي الآن؟ سيقولون إنك شخص مشهور وسيئ» فأجابتها: «أفضل ذلك على أن أكون أماً سيئة»، مشددة على أهمية إعطاء الوقت الكافي للأطفال وزرع حب العائلة والوطن فيهم.
وأجري مزاد علني على قطع فنية مميزة راح ريعها لدعم أكثر من جمعية خيرية حول العالم، وسيتم تخصيص مبلغ من عائدات المزاد لإعطاء فرصة التعليم للتلاميذ.
وكان الحفل هذا العام ناجحا جدا، وشارك فيه كل من المغنية ألين لحود وغي مانوكيان.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)