ناصر القصبي: الهجوم على «العاصوف» ليس عفوياً بل ممنهج

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتعمد الاستفزاز ولا يؤذيه النقد وإنه ينتقد جماعة «الإخوان» قبل أن تصنّف إرهابية

TT

ناصر القصبي: الهجوم على «العاصوف» ليس عفوياً بل ممنهج

لست متخصصاً في الأعمال الفنية أو الدرامية، لكن من طبع الصحافي ملاحقة صانعي العناوين، ومثيري الجدل، وأحاديث الساحة وصنّاع مستجداتها. ومن هنا جاء الإصرار على الحديث مع النجم السعودي الشهير ناصر القصبي، حديث الناس والمجالس ووسائل التواصل في الخليج والعالم العربي حالياً، وتحديداً منذ بداية رمضان.
المكالمة الهاتفية مع القصبي استغرقت 47 دقيقة، نفى من خلالها كثيرا من الشائعات، ودافع عن المسلسل الدرامي «العاصوف» الذي يعرض حالياً على شاشة «إم بي سي»، وأوضح ما كان يقصد في حديثه التلفزيوني قبل يومين في برنامج «مجموعة إنسان» حين تحدث عن الملحد والإيمان.
لكن لماذا القصبي خاصة؟ ولماذا يثار الجدل حول الأعمال التي يشارك فيها؟ وهل الحملة على «العاصوف» ممنهجة؟ يقول «أبا راكان» كما يناديه المقربون، إنه من «السخف» أن تتعمد الإساءة أو استفزاز المجتمع، وأن الحملة على العمل التلفزيوني الحالي ليست «عفوية»، وأن هناك من يقف خلفها. ويعزو سر الهجوم على المسلسل و«تحميله أكثر مما يحتمل»، إلى أن الإعلام السعودي لم يعتد على هذه الأعمال، وأنه بعد 20 عاماً، قد تنتج مسلسلات تحمل تفاصيل لا يمكن تقبلها في المرحلة الحالية. ويختصر سبب الجدل القائم بأن «الناس يبدأون بالاتفاق معك أو الاختلاف حين تدخل في مناطقهم الحساسة».
ويقول القصبي، المثير للجدل، إن الفنان يجب أن يكون صاحب مشروع ولا تكون اهتماماته سطحية، وألا يتعمد الإثارة الرخيصة، لأنها تذهب سريعاً على حد قوله، وفي الوقت ذاته، يجب عليه أن يتحلى بالجرأة والشجاعة. وهذا الخليط من الصعب جمعه. حسب حديث ناصر.
ناصر بن قاسم القصبي (56) عاماً، الذي يعتبر أحد أهم نجوم الشاشة في الخليج والعالم العربي، والذي بدأ سيرته الفنية منذ 34 عاماً، تحدث في هذا الحوار عن «العاصوف» والبيئة الفنية في السعودية وعن التغيرات في المجتمع السعودي وعلاقتها بالفن والثقافة، فإلى الحوار:
> لنبدأ من مسلسلك الحالي، لماذا نرى في كل موسم أن ناصر القصبي يثير الجدل، ويصبح مادة للتجاذب بين مختلف التيارات؟ هل هو أمر متعمد؟ أم لأنك ناصر القصبي؟
- فعلاً لا أعرف، ولكن يبدو لي أن مجتمعنا محافظ قليلاً وإعلامنا أيضاً هادئ. بالطبع الأمر ليس متعمداً، وإلا أصبح سخيفاً، وكأن هاجسك شريحة، تريد مشاكستها، أو تصفية حساباتك مع تيار معين، وهذا لا يخلق المناخ الصحي للأفكار الجميلة.
> إذن في رأيك مجتمعنا يتحسّس لأنه لم يعتد على الأعمال التي تتكلم بشكل مجرّد عن المجتمع وعاداته وتقاليده!
- طبعاً، الناس يبدأون بالاختلاف أو الاتفاق معك عندما تدخل في مناطقهم الحساسة، ولديهم فكرة عجيبة عن المسلّمات التي لا يجب المساس بها، إضافة إلى تضخيم فكرة المجتمع المثالي الملائكي، فعندما تتكلم عنه يغضب «المستشرفون»، من منطلق «من أنت حتى تتكلم عن هذا الموضوع أو عن تراثنا ومجتمعنا»؟
> لماذا سميتهم مستشرفين؟
- لأن هناك اليوم موجة فيها نوع من المزايدات، هناك من لا يترددون في الدفاع والمزايدة عليك في الفضيلة والوطنية. وهذا موجود في كل المجتمعات ولكنه واضح عندنا وخاصة في الفترة الأخيرة.
> قلت إن العاصوف هو عمل درامي وليس توثيقي، في حين قال بعض المشاهدين والنقاد إنه يجمع بين الاثنين. وهناك من قال إن شخصية الشيخ «محمد سعيد» هي تشخيص لمحمد سرور مؤسس الحركة السرورية هل هذا صحيح؟
- أولاً، العاصوف عمل درامي، لو كان من الأعمال التوثيقية لتناولنا العمل بشكل مختلف. المسلسل يتحدث عن عائلة تعيش في حي شعبي وتدور أحداثه في هذا السياق. ما أردناه من خلال ذكر الأحداث والتواريخ والمحطات كموت عبد الناصر، أو حرب 1973 أو الاجتياح الإسرائيلي، أو وفاة الملك فيصل، أو في ثورة إيران... هو أن نشير للمشاهد، إلى التاريخ الذي نتحرك فيه، دون الدخول في عملية توثيق تاريخية ولا يهمنا هذا الموضوع.
أما مسألة الإخوان فهي من أساس عملنا منذ سنوات طويلة، حتى قبل أن تتحول إلى منظمة إرهابية بالنسبة لنا، كان لنا موقف واضح من الجماعة. لقد بدأنا العمل منذ أكثر 7 سنوات، وأنهينا الجزء الأول منذ أكثر من أربع سنوات، وكنا نعرف إلى أين يتجه خط الإخوان.
العمل ليس توثيقياً حتى في داخل محور الإخوان، غالبية الحوار تنظير عام، دون أحداث وتفاصيل. وخطهم يشمل كل التيار دون تصنيف إن كان هذا «سروري» أو «سلفي» أو من «التبليغ والدعوة»، سنرى في الجزء الثالث تفرعات سعودية من هذه الخلية. نحن لم نبحر في تفاصيل الخط الإخواني، بل أردنا أن ننوه عن تغلغله في مفاصل البلد المختلفة.
> العمل جاهز منذ عامين لمَ لم يعرض من قبل؟ هل هو منع أم تأجيل؟
- حكي الكثير عن هذا الموضوع، وعن وجود ارتباك حول مسائل رقابية، ولكن هذا غير صحيح. ببساطة كان عندنا مسلسل «سيلفي 3» وكان من المفترض أن يعرض «العاصوف» قبل رمضان بأربعة أو خمسة أشهر، ومع هيكلة المحطة وترتيب العرض توصلوا إلى أن يبدأ وينتهي قبل رمضان بأسبوعين، وهذا أمر مربك، حتى بالنسبة لي أنا كممثل، فمن غير المعقول أن ينتهي عرضك اليوم وتدخل إلى رمضان بمسلسل آخر بعد أيام. لا يجب أن يكون حضورك مكثفا بالنسبة للمشاهد، وقد أدركت المحطة أن التوقيت غير مناسب للعرض، ولم تعرضه.
> هل «العاصوف» من ثلاثة أجزاء أم خمسة؟
- انتهينا من تصوير الجزء الثاني في نهاية 2017 وبداية 2018 وسنبدأ تصوير الجزء الثالث بعد 3 أشهر.
> هناك من هاجموا ناصر القصبي و«العاصوف»، من الوسط الأدبي والثقافي والفني وعلّقوا بأن المسلسل لا يمثل الدولة أو السعوديين. ما هو سبب الهجوم؟
- من حق الجميع انتقاد أي عمل، ومن حقهم أيضاً أن يعجبهم العمل أو لا، ولكن ما يزعجك أن هذا الوسط الإعلامي والثقافي العام يحاكمك على مشروعك ويفرض نفسه وصيا عليك، وهو لا يفهم ألف باء اللعبة، وينظر إليك وكأنما أنت في وسط هوليوود أو في مناخ القاهرة الفني، دون أن يرى أنك تتحرّك في بيئة فقيرة جداً فنيا لا تملك فيها أبسط مقومات العمل الدرامي من كتّاب أو مخرجين أو مصورين. إن أعطى أحدهم رأياً موضوعياً تقف له احتراماً، ولكن ليس عندما يتكلم باستعلاء. عندما أقدم عملاً داخل هذه البيئة المتواضعة فنيا لا تحاسبني بهذه الحدة والقسوة.
والحمد لله أننا أصبحنا اليوم نلتفت إلى أهمية الأعمال المسرحية والدرامية، لكي نبني كوادر بعد سنوات لصناعة مناخ فني، يقدم أعمالاً تتجاوز حتى الأعمال المصرية وغيرها.
> هل تعتقد أن «العاصوف» نجح رغم عجز هذه البيئة الفنية؟
- طبعاً، فالقيمة هي في لفت النظر إلى مشروع مختلف فنياً بكل أخطائه، وأنا أعتقد أنني أكثر من يرى أخطائي، ليس هناك من مشروع فني كامل. ولكن العمل وصل إلى الناس بتفاصيله واستفز كثيرين، وأنا سميته «الاستفزاز العظيم» لأنه أثار الجدل وكسّر «تابوهات». لا بد أن يتعود مجتمعنا على الدخول في مثل هذه الأجواء، في المستقبل ستطرح روايات وأعمال أقوى من المطروحة اليوم ولن يتوقف عندها أحد. هذه طبيعة المجتمعات المحافظة. «التابوهات» تتكسّر مع الوقت.
> في «طاش ما طاش» كسرتم كثيرا من «التابوهات» ومع ذلك لم يستطع أو لم يتجرأ أحد بعدكم على المساس بكثير من المواضيع وإن قام بذلك وتعرّض للنقد، يقدم تبريرات واعتذارات. هل هذا يعني أن ناصر القصبي هو الذي يتجرأ ويكسر التابوهات؟ أو أنه لا يوجد لدينا فنانون أو كتاب بجرأة عالية؟
أعتقد أن جزءاً من الأمر يرجع إلى وعي صاحب المشروع، إن كان وعيك بسيطا واهتماماتك ساذجة ستظل تدور في النقطة نفسها، عليك أن تمتلك الوعي الحقيقي، وعي الفنان، لا أن تكون قضيتك الإثارة الرخيصة، لأنها ستنتهي في الوقت نفسه. وأعتقد أن الأمر بحاجة أيضاً إلى شيء من الشجاعة.
> جاءتني أسئلة من المتابعين عبر بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي حينما سألتهم: ماذا تريدون أن تسألوا ناصر القصبي. بعض هذه الأسئلة تظهر أن الشباب أصبحوا على درجة كبيرة من الوعي الفني، خاصة بعد التدفق المعلوماتي حالياً ووجود منصات لمسلسلات عالمية من دول مختلفة مثل شبكة «نتفليكس». من الأسئلة التي وردتني: هل هناك أزمة كتّاب وإنتاج ومواهب؟ من المسؤول عن إفراغ الساحة من كل هذه العناصر؟
- هناك كل ما ذكرت، ولكن الأجمل أنه جاء في هذا التوقيت، والمشروع يحسب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وذلك من ضمن مشروعات الرؤية. هناك التفات عظيم، وهو تحرك هائل من كل تفرعات الرؤية يدخل فيها الإعلام والفن والسينما والتلفزيون بقوة.
محطة «mbc» تدخل اليوم في مشروعات لتطوير العمل الدرامي المحلي بشكل مكثف، والأهم أن هناك محاولة للارتقاء بالعمل المحلي من خلال معاهد أكاديمية وكوادر أجنبية تدعم الفريق المحلي باستنهاض المواهب السعودية. وأنا أعتقد أنه خلال العشر سنوات القادمة سيحظى المشروع الدرامي المحلي باهتمام غير عادي. نحن عندنا كفاءات سعودية لكنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب، مجتمعنا متنوع وثري يمكن أن ندخله في الدراما الجميلة.
> كيف يتعامل ناصر القصبي مع النقد الشديد؟ هل يؤذيك؟
- تؤذيني فقط الطبقة القريبة من التجربة، وفي الوقت نفسه يلغون تجربتك بجملة أو جملتين، وحتى هؤلاء لا أعتقد أنهم يستحقون أن أقف عندهم فهم يتعاملون مع الأمور بشكل غير موضوعي. أما المشاهد العادي فمن حقه أن يقول رأيه ببساطة، العمل الفني متعة وقد يعجبك أو لا يعجبك. وفي كل تجربة هناك أخطاء وأنت تراها أكثر من الآخرين لأنك مطلع على التفاصيل وتعمل على أن تتخطاها في الأعمال القادمة.
> في سطر ونصف قال عبد الرحمن الراشد: «لأنها المحطة، ولأنه الممثل، ولأنه الكاتب، (العاصوف) مستهدف فكرة وموضوعاً وحواراً وشاشة حتى قبل أن يبث». هناك حملة شرسة على «العاصوف» منذ اليوم الأول؟ هل تعتقد أنه هجوم ممنهج على الـ«إم بي سي» وناصر القصبي وعلى عبد الرحمن الوابلي رحمه الله؟ ما سبب هذا الهجوم حتى قبل أن يبدأ «العاصوف»؟ خاصة أنك كتبت بمناسبة عرض الحلقة الأولى «اللهم اكفني شر المدرعمين».
- أتفق مع عبد الرحمن الراشد، في هذا الجانب. وأنا في الحقيقة لا أملك تفسيراً، ولكن طبعاً هناك تعبئة وتجييش محسوس، وما يحصل اليوم هناك من يحركه، ويوجد أكثر من احتمال، قد يكون لها ميول صحوية على اعتبار أن الصحوة اليوم مغضوب عليها، بعدما اتضح موقف الدولة منها وقد مر وقت ولم نسمع جملة واحدة من أولئك الذين كانوا يتكلّمون على مدار 30 سنة، فقد يكونون قد وجدوا في ضرب «العاصوف» فرصة للقول: «نحن مازلنا هنا».
وهناك اتجاهات أخرى أنا لا أستبعدها كأن يكون لهذا الشحن امتداد إخواني لكون العمل يتطرق لـ«الإخوان».
كل هذا قد يجوز، ولكن ما أستطيع قوله بعد تجربتي في هذه الأمور، هو أن الردود والحملة على «العاصوف» ليست عفوية.
> ما رأيك بدخول السينما إلى المملكة وهل سيكون لناصر القصبي عمل سينمائي؟
- طبعاً، ولكن يجب أن تتضح الأمور أولاً، ويجب أن نعرف تفاصيل دور العرض والإقبال، قبل دخول التجربة. حلمي منذ بداياتي هو العمل السينمائي.
> ماذا تقصد بعبارة «الملحد أكثر إيماناً مني» التي أصبحت حديث الناس منذ أن قلتها في لقائك التلفزيوني مع علي العلياني قبل يوم؟
- الفكرة كانت حول موجة الملحدين الفارغة الذين لهم تجربة بسيطة. فيها استعراض من دون أي جانب فكري حقيقي، فالفكرة أتت من وجود ملحدين حقيقيين تتركز كل كتاباتهم وتفكيرهم ورؤيتهم وقراءاتهم في البحث عن الحقيقة، وهذا شيء عظيم. وحتى عندنا في التاريخ الإسلامي والتاريخ البشري، هناك مفكرون كان هذا هو سؤالهم الدائم، البحث عن الحقيقة. إذن فأنت تحترم الملحد الحقيقي الذي يبحث عن حقيقة إلحاده، وليس من يتخذ الإلحاد موجة عابرة، هؤلاء أشفق عليهم.
> يتساءل المشاهدون عن عدم تنوع أعمالك، جميعها عن المتدينين لتستفز بها المجتمع، ولِمَ لا يظهر «ناصر القصبي» في أدوار أخرى أكثر تنوعاً؟
- الناس لا يرون إلا هذا الجانب، لأنه قد يجوز أنه يستفزهم، فيعتقدون أنك متفرغ لهم، وهذا ليس صحيحا. قلت أكثر من مرة إنني لا أهتم لهؤلاء ولا لأن أصفي حسابات مع هذا أو ذاك. وأنا أقدم شخصيات موجودة في مجتمعنا ولكن لحساسية الموضوع وللفهم «الساذج» له، يظنون أن الملتزمين هم ناس مقدسون لا يجوز أن تمس بهم أو تقول عنهم أي شيء، لذلك هم يتحسسون.
> ومن الأسئلة المطروحة عن «العاصوف»، هل يعقل أن ماضينا لم يكن فيه أي نقطة إيجابية تستحق تسليط الضوء عليها كي يلقي العمل الضوء فقط على السلبيات؟
- نحن لم نقدم العائلة على أنها سيئة، بل هي من عوائل الرياض التي تضم عناصر جيدة كالأم المثالية، ولكن السلوك الشاذ وحتى حجم الخيانة والعلاقات تستفز كثيرين، لأنهم يريدون أن نقدم مجتمعنا على أنه مثالي.
> الحكاية تتحرك بحسب الشخصيات التي تفرض حركة العمل، إن قدمنا عملاً عن الخير والطيبة والكرم فأين الدراما في هذا الموضوع؟
- مقاييس الدراما مختلفة والعمل الفني لا يعطي دروساً وعظية عن أننا الأعظم. عندما يأخذ الخط الروائي لوناً معيناً لا يمكننا أن نحشر بداخله الأشياء التي تقول إننا أحسن الناس، فقط كي نرضي شريحة لا تفهم طبيعة العمل الدرامي.
> هل تعرضت للتهديد؟
- لا أبداً. أنا أظن أن كل ما يحدث صحي وهو دليل على أن الدراما السعودية حية، وحتى إن حاصروك وحاولوا محاربتك فأنت باقٍ وتأثيرك باقٍ والمشاهد الحقيقي يعرف أن هذه هي طبيعة الأشياء، وأن هذه هي الدراما، وهذا هو تأثيرها.


مقالات ذات صلة

ثراء ثقافي يجذب زوار «أيام السودان» في الرياض

يوميات الشرق حضور لافت شهدته حديقة السويدي خلال فعاليات «أيام السودان» (الشرق الأوسط)

ثراء ثقافي يجذب زوار «أيام السودان» في الرياض

واصلت حديقة السويدي في الرياض استضافة فعاليات «أيام السودان» ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية بالشراكة مع هيئة الترفيه

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الفنون السودانية زيّنت فعاليات اليوم الأول من الفعاليات (الشرق الأوسط)

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... «أيام السودان» تنطلق في الرياض

أطلقت مبادرة «انسجام عالمي» السعودية، فعالية «أيام السودان»؛ بهدف تعزيز التواصل مع آلاف من المقيمين السودانيين في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق نقلة نوعية لتدعيم المحتوى العربي والعالمي من قلب العاصمة السعودية (هيئة الترفيه)

«الحصن بيغ تايم» وجهة جديدة لإنتاج المحتوى العربي والعالمي من قلب السعودية

دشّنت الهيئة العامة للترفيه في السعودية يوم الاثنين استوديوهات «الحصن بيغ تايم – AlHisn Big Time Studios»

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الوتر السادس مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

صدى كبير حققه حفل «روائع محمد عبد الوهاب» في «موسم الرياض»، سواء بين الجمهور أو مطربي الحفل، ولعل أكثرهم سعادة كان المطرب المصري محمد ثروت ليس لحبه وتقديره.

انتصار دردير (الجونة (مصر))
يوميات الشرق تجاربَ متعددة وفعاليات متنوعة مليئة بالثقافات المختلفة في حديقة السويدي بالرياض (واس)

«حديقة السويدي بالرياض»... منصة للتعرف على ثقافات العالم

يعيش زوار حديقة السويدي في الرياض تجارب وفعاليات متنوعة مليئة بالثقافات المختلفة ضمن مبادرة «تعزيز التواصل مع المقيمين» التي تأتي تحت شعار «انسجام عالمي».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)