كرنفالات في فيينا... وموسيقى فيلهارمونيك تصدح بحديقة قصر شونبرون

السوبرانو آنا نيريبكو وأوركسترا فيينا فيلهارمونيك بقيادة المايسترو الروسي فاليري  غيرغييف أمام قصر شونبرون في فيينا (رويترز)
السوبرانو آنا نيريبكو وأوركسترا فيينا فيلهارمونيك بقيادة المايسترو الروسي فاليري غيرغييف أمام قصر شونبرون في فيينا (رويترز)
TT

كرنفالات في فيينا... وموسيقى فيلهارمونيك تصدح بحديقة قصر شونبرون

السوبرانو آنا نيريبكو وأوركسترا فيينا فيلهارمونيك بقيادة المايسترو الروسي فاليري  غيرغييف أمام قصر شونبرون في فيينا (رويترز)
السوبرانو آنا نيريبكو وأوركسترا فيينا فيلهارمونيك بقيادة المايسترو الروسي فاليري غيرغييف أمام قصر شونبرون في فيينا (رويترز)

أكثر من 100 ألف شخص حضروا، أول من أمس، الحفل الصيفي السنوي لفرقة «فيينا فيلهارمونيك» الموسيقية الكلاسيكية الذي تنظّمه المدينة مجاناً في قصر شونبرون بالعاصمة النمساوية فيينا، وقد بُثّ الحفل على 90 محطة تلفزيون عالمية.
وكعادتها منذ 15 سنة دأبت الفرقة التي تأسست في عام 1842، على إقامة حفل مجاني في الهواء الطلق في حديقة القصر كهدية لمحبي الموسيقى. وتشهد فيينا في الأيام المقبلة الكثير من الكرنفالات، كما تنطلق فيها عروض سينما الهواء الطلق في جادة المجلس البلدي التي تستمر نحو شهرين وتقدم أفلاماً موسيقية، وعروض أوبرا وباليه وحفلات موسيقية مصورة.
ويعد حفل فرقة فيينا فيلهارمونيك بقصر شونبرون مناسبة فنية راقية وفرصة متاحة لكل عشاق الموسيقى الكلاسيكية. وكان هذا القصر الفخم المقر الصيفي لأباطرة الهابسبورغ، ومع تحوّل النمسا إلى جمهورية، فقد فُتحت أبواب القصر أمام الجمهور وأصبح أكبر مزار سياحي في البلد يزوره الملايين من السّياح سنوياً، كما أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» ضمن قائمتها للتراث. وبهدف إتاحة الفرصة لاستضافة أكبر عدد ممكن من العامة توجه إدارة «فيينا فيلهارمونيك» دعوات محدودة فقط إلى كبار المسؤولين. وجرت العادة أن يحضر الحفل رئيس الجمهورية وزوجته والمستشار وأعضاء من الحكومة وكبار الفنانين، كما تُوجه دعوات إلى أصدقاء الفرقة ممن يموّلونها.
تميّز حفل العام الحالي وللمرة الأولى، بمشاركة السبرانو الأشهر آنا نتريبكو التي قدمت 3 عروض أوبرالية بمصاحبة الفرقة. ومعلوم أنّ السبرانو نتريبكو روسية الأصل نمساوية الجنسية.
قاد الفرقة وللمرة الثالثة المايسترو الروسي فاليري غيرغييف. وكان معظم المقطوعات التي عُزفت لمؤلفين موسيقيين إيطاليين منها مقطع من «أوبرا توسكا» للمؤلف العالمي جاكومو بوتشيني، ونشيد النّصر من أوبرا عايدة لجوزيبي فيردي، ومقطع من أوبرا يليام تل للمؤلف الموسيقي جواكينو روسيني الذي لُقب بموزارت إيطاليا، كما كانت هناك مقاطع باليه وبولكا، وبالطبع لم يغب عن الحفل لحن الفالس النمساوي الأكثر شعبية، وقد عزفت الفرقة مقطوعة «دم فيينا» ليوهان شتراوس الابن.
الإبداع في العزف، وتنوع المقطوعات، ومتعة أدء نتريبكو وأناقتها، مع روعة الطقس الذي وصلت درجة الحرارة فيه إلى نحو 24 - 25 درجة مئوية، وفخامة القصر المستضيف للحفل وحدائقه الخلّابة، ومهارة التحكم التقني في الإضاءة، والقدرة على التلاعب بالألوان تماشياً مع الموسيقى، كلّها عوامل أسهمت في إنجاح الأمسية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».