كلية الأمير محمد بن سلمان تطلق النسخة الثانية من تقرير المرصد العالمي

الشباب السعودي يحتل الموقع الأول عالمياً في رغبة المشاركة في ريادة الأعمال

الأمير عبد الله بن بندر وفهد الرشيد نائب رئيس مجلس الأمناء في الكلية والدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك  في ملتقى إطلاق تقرير المرصد العالمي في جدة أول من أمس («الشرق الأوسط»)
الأمير عبد الله بن بندر وفهد الرشيد نائب رئيس مجلس الأمناء في الكلية والدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك في ملتقى إطلاق تقرير المرصد العالمي في جدة أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

كلية الأمير محمد بن سلمان تطلق النسخة الثانية من تقرير المرصد العالمي

الأمير عبد الله بن بندر وفهد الرشيد نائب رئيس مجلس الأمناء في الكلية والدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك  في ملتقى إطلاق تقرير المرصد العالمي في جدة أول من أمس («الشرق الأوسط»)
الأمير عبد الله بن بندر وفهد الرشيد نائب رئيس مجلس الأمناء في الكلية والدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك في ملتقى إطلاق تقرير المرصد العالمي في جدة أول من أمس («الشرق الأوسط»)

قفزت السعودية للمرتبة الـ33 على مستوى العالم من حيث تطوير الأنظمة والتشريعات المتعلقة بريادة الأعمال في البلاد، والنقلة النوعية التي شهدتها البلاد على الصعد كافة، ومنها الاقتصادية التي تأتي متوافقة مع «رؤية المملكة 2030» و«برنامج التحول الوطني 2020».
وجاء تقدم السعودية من المركز الـ64 بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2017- 18. والناتج من إحصاءات شاملة وتحليل علمي ودراسات دقيقة، يتم رصدها على نطاق واسع يشمل 54 دولة من حول العالم وفقاً لأفضل الممارسات العالمية؛ بهدف مشاركة النتائج أمام الحكومات وصناع القرار للمساهمة في تطوير بيئة ريادة الأعمال.
وكان الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، رعى حفل ملتقى إطلاق كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال النسخة الثانية من تقرير مرصد العالمي ريادة الأعمال في جدة أول من أمس، وسط مشاركة نخبة من المسؤولين والخبراء الدوليين والمحليين ورياديي الأعمال.
وأوضح التقرير، أن الشباب السعودي تصدر المركز الأول في الرغبة والطموح للمشاركة في ريادة الأعمال؛ إذ كشف التقرير أن 70 في المائة من الشباب لديهم الرغبة في تأسيس مشروعات، في حين تصدرت المملكة المركز الـ14 عالمياً لمساهمة العنصر النسائي في ريادة الأعمال، حيث أظهر التقرير أن مشروعات المرأة السعودية تمثل 70 في المائة من حصة المشروعات.
وجاء إطلاق كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة النسخة الثانية من تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال في إطار دعم وتعزيز مكانة ريادة الأعمال بصفته إحدى الركائز المهمة لتحقيق تطلعات قيادة البلاد وتضمن برنامج الملتقى، استعراضاً شاملاً لأهم محتويات التقرير بمشاركة خبراء عالميين في مجال ريادة الأعمال من خلال حلقات نقاش تم استعراض من خلالها أبرز المقومات والتحديات والمقترحات التي تخص بيئة ريادة الأعمال في المملكة.
من جانبه، عبر فهد الرشيد، نائب رئيس مجلس الأمناء في كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، عن سعادته بإطلاق النسخة الثانية من تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال بالمملكة، مقدماً شكره وامتنانه لرعاية ودعم نائب أمير منطقة مكة المكرمة للمناسبة، وأضاف: «تعتبر رعاية الأمير عبد الله بن بندر، امتداداً لدعمه المتواصل لكافة القطاعات بالمنطقة، وتأكيداً على جهود حكومتنا الرشيدة في دعم ريادة الأعمال؛ وهو ما تعكسه الأرقام في تقرير المرصد العالمي، حيث قفزت المملكة في ترتيب الدول من حيث تطوير الأنظمة والتشريعات من المرتبة الـ64 إلى الـ33».
وعن التطلعات وحجم التحديات في مجال ريادة الأعمال بالمملكة، أوضح فهد الرشيد «يوجد هناك فجوة كبيرة يكشفها تقرير المرصد العالمي في نسبة من يستمر في سوق العمل بعد مرور 3 أعوام ونصف العام، حيث لا تتجاوز 3.2 في المائة بالمملكة، ورغم التحسن الطفيف بين نتائج التقريرين الأول والحالي، فإن التحدي كبير أمام القطاع الخاص تحديداً للقيام بدوره لإكمال منظومة العمل والنجاح في مجال تطوير بيئة ريادة الأعمال، حيث تصل هذه النسبة إلى 13.6 في المائة في الولايات المتحدة الأميركية».
وأشار الرشيد إلى مطالبة التقرير العمل على 4 محاور لتجاوز التحديات، منها المطالبة باستمرار الدعم الحكومي للقطاع الخاص، وإيجاد الحلول المالية لرواد الأعمال وتوفير الدعم اللازم للأبحاث.
من جانبه، أوضح الدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك، عميد كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، أن إطلاق التقرير في نسخته الثانية يأتي بالتعاون بين الكلية، ومركز بابسون العالمي لريادة الأعمال (BGCEL) في الكلية، وبدعم من شركة «لوكهيد مارتن»، لافتاً إلى أن الملتقى يستعرض تطور بيئة ريادة الأعمال وما طرأ عليها خلال الاثني عشر شهراً الماضية، وتأثير أبرز القرارات الحكومية وتحديد مسارات التطوير ذات الأولوية.
وأضاف عميد الكلية: «يقدم التقرير دراسة متكاملة ومستقلة وفق منهجية علمية ومحايدة تشخص واقع ريادة الأعمال في 54 دولة، وتساعد النتائج المرصودة والمقارنات الموضوعية صناع القرار لسنّ الأنظمة والتشريعات المحفزة لخلق فرص ريادية جديدة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)