بالصور... الموصل تستعيد روح شهر رمضان على أنغام المسحراتي

عراقيون يمارسون تقاليد وطقوس رمضان بالموصل (أ.ف.ب)
عراقيون يمارسون تقاليد وطقوس رمضان بالموصل (أ.ف.ب)
TT

بالصور... الموصل تستعيد روح شهر رمضان على أنغام المسحراتي

عراقيون يمارسون تقاليد وطقوس رمضان بالموصل (أ.ف.ب)
عراقيون يمارسون تقاليد وطقوس رمضان بالموصل (أ.ف.ب)

«سحور، سحور، سحور». يصرخ ريان الخالدي وعلي المحبوب بأعلى صوتيهما لإيقاظ سكان مدينة الموصل لتناول وجبة السحور في شهر رمضان، على وقع ضربات طبل ودف كانت محرمة في زمن تنظيم داعش قبل نحو عام.
يدور ريان وعلي وهما يلبسان جلابيتين تقليديتين ويلفان على خصريهما كوفية حمراء، في شوارع حي البكر بالجانب الشرقي للموصل، كبرى مدن محافظة نينوى في شمال العراق، ويضربان الطبل أمام منازل لا تزال تحمل آثار الرصاص الشاهد على معارك دامية دارت في المدينة.
قبل استعادة القوات الأمنية للمدينة من تنظيم داعش الذي اجتاح العراق في عام 2014 وسيطر على ما يقارب ثلث مساحته، كانت هذه التقاليد الرمضانية «بدعة» في شريعة المتشددين.
يقول الخالدي، الذي يعمل وزميله في أحد المطاعم بالأيام العادية، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «مهنة المسحراتي جزء من تراث المدينة الديني والاجتماعي».
ويضيف: «داعش اعتبرها بدعة ومنع ممارستها، لكننا اليوم نعود بها من جديد ونحييها».
ضيق التنظيم المتشدد الحياة على سكان الموصل منذ سيطرته على المدينة، وزاد من تشدده خلال شهري رمضان في عامي 2015 و2016 قبيل بدء عمليات استعادة المدينة.
يشير الأهالي إلى أن تنظيم داعش، إضافة إلى تحريم مهنة المسحراتي، منع عادات وتقاليد كثيرة في شهر رمضان، منها رفع الآذان للإشارة إلى الامتناع عن المأكل والمشرب قبل بزوغ الفجر.
وفرض المتشددون حينها إجراءات تحد من حركة المواطنين وتمنعهم من ممارسة طقوس هذا الشهر، ما اضطر كثيراً من أصحاب المحلات والمطاعم إلى إغلاقها، وتوقف الاحتفالات الدينية وجلسات المديح النبوي.
يقول ناهض عبد الله (32 عاماً) الذي يعمل سائق سيارة أجرة: «كنت أضطر للذهاب إلى صلاة التروايح بعد الإفطار خوفاً من داعش، الغالبية كانت تفضل عدم الذهاب حتى لا نسمع خطب وتهديدات التنظيم».
ويضيف: «داعش منع خلال شهر رمضان خروج النساء من المنزل وارتياد الأسواق إلا لحاجة ضرورية وبصحبة محرم، وعلى أن ترتدي الحجاب والخمار وقفازي اليدين بشكل كامل».
تؤكد ربة المنزل أم رغد (29 عاماً) أيضاً أن الناس «كانوا يخافون من عقوبات وتشديد داعش الذي يتحجج على الناس ويعتقلهم لأبسط الأسباب. كان لا يسمح باختلاط العوائل».
وبعد نحو 10 أشهر من انتهاء المعارك وإعلان القوات العراقية استعادة السيطرة على «عاصمة الخلافة» لتنظيم داعش، لا تزال آثار الدمار شاخصة، خصوصاً في الجزء الغربي من المدينة، حيث تفوح رائحة جثث متحللة من تحت الأنقاض إلى جانب عبوات لم يتم تفكيكها بعد.
يشير حسن عبد الكريم حسن (26 عاماً) الذي يعيش في بقايا بيت مليء بثقوب قذائف الهاون التي أودت بشقيقته ذي الأعوام العشرين: «داعش هدم كثيراً من الجوامع في المنطقة. كنا نفطر على صوت آذان بعيد».
ويضيف هذا الشاب العاطل عن العمل: «في غالب الأحيان، نصوم بلا سحور. فلا كهرباء أو هواتف أو ساعات نضبط بها وقت السحور والفطور».
خسرت عائلات كثيرة منازلها ومصادر رزقها بفعل المعارك والضربات الجوية.
من بين هؤلاء أبو سلمان (45 عاماً) الذي عاد إلى مدينته بعد 3 سنوات من النزوح، ليجد ما جناه في حياته مدمراً. يستذكر الرجل الذي يعمل بائعاً للخبز أوقات الصيام في السنوات السابقة منتظراً موعد الإفطار في بيته مع العائلة.
لكنه يتابع: «اليوم فقدت بيتي. وشهر رمضان كان يعني لي الكثير، وكان دخلي يزداد مع دخول هذا الشهر، لكن فقدان متجري مصدر رزقي الوحيد جعلنا نعيش على صدقات الخيرين».
ولهذا، تنشط منظمات إنسانية وخيرية لتوزيع المساعدات على الأهالي مع حلول شهر رمضان.
لكن الأكثر شيوعاً، تنظيم خيرين موائد إفطار جماعية في المنطقة القديمة المنكوبة، وهو تقليد كان سائداً في المدينة منذ سنوات، وتوقف مع دخول المتشددين وتدهور الوضع الأمني.
في حي باب لكش في المدينة القديمة، تمتد طاولة على أمتار عدة عليها صحون الطعام وكاسات العصائر، قرب رجال يحضرون الأرز والدجاج، قبيل موعد الإفطار.
تجلس أم محمود (46 عاماً) إلى الطاولة محتضنة أحد أطفالها، قائلة: «نحن سعداء جداً، نتمنى أن تتكرر هذه المبادرات الطيبة التي تعكس التكافل الاجتماعي الذي عرف به الموصليون أيام الشدائد والنكبات».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».