مكة المكرمة تُسخّر مسارات الحياة لخدمة ضيوف المسجد الحرام

53 نفقاً فككت تشابك الجبال

نفق من أنفاق مكّة المكرّمة - مكة المكرّمة (واس)
نفق من أنفاق مكّة المكرّمة - مكة المكرّمة (واس)
TT

مكة المكرمة تُسخّر مسارات الحياة لخدمة ضيوف المسجد الحرام

نفق من أنفاق مكّة المكرّمة - مكة المكرّمة (واس)
نفق من أنفاق مكّة المكرّمة - مكة المكرّمة (واس)

تُعرف مكة المكرمة بأنّها المدينة المتّصلة بعدة جبال تطوقها بشكل دائري. وهو الأمر الذي أورد أهمية شقّ هذه الجبال عن طريق مجموعة من الأنفاق لتسخير طبيعة التضاريس الجبلية الوعرة التي تشتهر بها المدينة، وضيق المساحات المحيطة بالحرم التي قد تعيق تدفّق السّيارات ومن ثم مزاحمتها للبشر الرّاغبين في الوصول إلى المسجد الحرام والمشاعر المقدسة.
تشكّل هذه الجبال بارتفاعها وتسلسلها وتشابكها حاجزاً وعائقاً طبيعيين يمنع الوصول إلى الجهة المقابلة من الجبل إلّا بالالتفاف من حوله وهو الأمر الذي قد يستغرق زمناً طويلاً ومرهقاً، مما حداً بالحكومة السعودية البحث عن طرق وأساليب وحلول مبتكرة ومناسبة لحل هذه المعوقات.
قال المهندس زهير سقاط وكيل أمين العاصمة المقدسة للمشاريع، إنّ «من أهم الإيجابيات والتحديات التي ساهمت بها مرافق الأنفاق خلال السنوات الماضية والحالية هو ما قامت به أمانة العاصمة المقدسة من أعمال تأهيل ورفع كفاءة للتجهيزات الإلكتروميكانيكية والبنية الإنشائية، من تسهيل حركة المرور والنّقل (مشاه ومركبات)، لزوار وقاصدي بيت الله الحرام وتقليص الوقت والزمن اللازم للوصول بطريقة آمنة وسريعة لتأدية مناسكهم من خلال ربط مسارات طرق مكة والمشاعر المقدسة بالحرم المكي بكل سهولة ويسر.
تعتبر أنفاق السّد للمشاة أول الأنفاق التي شُقت في جبال مكة (جبل خندمة) بطول 1.200 كم، لتسهيل حركة المشاة من منى إلى الحرم، وكذلك أنفاق السد للسيارات بطول 1.200 كم. ومن ثم تتابع شق الأنفاق مع الملك فهد وإلى الآن، حتى وصلت إلى ما يقارب 53 نفقاً، وبلغ إجمالي أطولها نحو 34 ألف م. ويُعدُّ نفق كدي - أجياد المصافي، أطول نفق في مكة بطول 1712م، يليه أجياد المصافي - كدي بطول 1635م، وتسمى أنفاق كدي. وأقصر نفق فيها هو نفق أجياد السُد - برحة المالية بطول 73م، وتسمى مجموعة أنفاق أجياد. ثم نفق ريع بخش - بئر بليلة بطول 88 م، وتسمى أنفاق ريع بخش.
وتعمل الأنفاق في محيط من الخدمات والتجهيزات المساندة، من الكابلات الكهربائية الممددة داخل الأنفاق، بالإضافة إلى تجهيزات سلامة وحماية الأنفاق ومستخدميها، إلى جانب وسائل تحكّم ومراقبة وأنظمة تسجيل بالحاسب الآلي، كما رُكّبت كاميرات مراقبة تلفزيونية مرتبطة بغرفة تحكم موحدة تحتوي على شاشات تحكم تُراقب من خلالها الأنفاق.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».