مخاوف من محاصرة لبنان بعد العقوبات على «حزب الله»

مصير الحكومة الجديدة على المحك

TT

مخاوف من محاصرة لبنان بعد العقوبات على «حزب الله»

تتعامل مختلف الأطراف اللبنانية بحذر وترقب مع العقوبات الأميركية - الخليجية الأخيرة على شخصيات من «حزب الله» وكيفية انعكاسها على الحكومة المزمع تأليفها، بينما يعتبر خبراء أن القرار الأخير يشكّل ضربة للجهود التي تبذل على هذا الخط؛ إذ إن من شأن دخول الحزب إلى مجلس الوزراء أن يؤدي إلى محاصرة لبنان بأكمله سياسياً واقتصادياً.
ورغم أن قرار العقوبات الأخير كان واضحاً في شموله الجناحين السياسي والعسكري لـ«حزب الله» للمرة الأولى، فإن المسؤولين اللبنانيين لا يزالون يعوّلون على الاستمرار في التمييز بين الحزب وبين لبنان وحكومته، علماً بأن الحزب كان قد دعا إلى تشكيل حكومة تراعي نتائج الانتخابات النيابية وتمثل القوى بحسب امتداداتها داخل البرلمان، في إشارة إلى الكتلة التي بات يشكّلها «الثنائي الشيعي» في مجلس النواب.
وفي حين كان لافتاً عدم صدور أي تعليق أو تصريح رسمي من قبل «حزب الله» والمسؤولين اللبنانيين على العقوبات، تتفق مصادر كل من «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية» على وضعها في خانة الرسالة إلى «حزب الله» وإيران والاتحاد الأوروبي الذي كان يميز بين جناحيه السياسي والعسكري، بينما تعتبر مصادر وزارية في «التيار الوطني الحر» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التعامل مع هذا القرار عند تشكيل الحكومة يتوقف على كيفية تعامل رئيس الحكومة المكلّف مع هذا الموضوع خلال المشاورات، مشيرة إلى أن حكومة من دون «حزب الله» تعني حكومة من دون «حركة أمل»، وبالتالي استبعاد مكوّن شيعي أساسي عن مجلس الوزراء لن يكون أمراً سهلاً.
في المقابل، يرى مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر، أن «هناك صعوبة في تشكيل الحكومة، معتبراً أن العقوبات هي مقدمة لقرارات أكبر وأتت رداً على نتائج الانتخابات النيابية التي استطاع الحزب وحلفاؤه خلالها من الحصول على أكبر كتلة نيابية تمكّنه من الإمساك بلبنان». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» «القرار بعدم التمييز بين جناحي (حزب الله) السياسي والعسكري أسقط هامش المناورة لفرقاء الداخل والخارج، وبالتالي فإن مشاركة الحزب في الحكومة ستؤدي إلى توسيع دائرة العقوبات بشكل أكبر ومحاصرة لبنان سياسياً واقتصادياً لتكون الضربة الموجعة الأكبر على الاقتصاد».
وقالت مصادر «المستقبل» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إن العقوبات تؤكد المؤكد، وهو أن (حزب الله) لم يحقق شيئاً من الانتخابات النيابية اللبنانية، وأنه يشكّل ثقلاً وعالة على علاقات لبنان الدولية والعربية وعلى الوضع السياسي والاقتصادي اللبناني بشكل عام»، مشيرة إلى أن ذلك لا يعني عرقلة الحكومة أو قطع علاقات الخليج معها في حال وجود تمثيل للحزب فيها إلا إذا قرّر «حزب الله» نفسه التصعيد، معتبرة «أن الهدف هو تقليم أظافر الحزب وردعه عن المزيد من الانغماس في لعبة الاستقواء».
من جهتها، دعت مصادر «القوات» إلى ترقّب القرارات الدولية والعربية المقبلة ليبنى على الشيء مقتضاه، معولة على استمرار التعامل وفق قاعدة الفصل بين «حزب الله» والدولة التي لطالما سعت إلى أفضل العلاقات مع الدول الغربية والعربية التي تبدي بدورها حرصها على استقرار لبنان وأمنه واقتصاده آخذة بعين الاعتبار أبعاد وأهمية المساكنة في الحكومة والسلطة بين الأفرقاء اللبنانيين و«حزب الله».
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إذا أعلن عن قرار واضح بأن أي حكومة لبنانية تضم (حزب الله) لن يتم الاعتراف بها وستتعرض للعقوبات، مع ترجيحها بعدم وجود نية دولية للذهاب إلى هذا المنحى، سيدخل البلد حينها في مرحلة جديدة غير مسبوقة، بحيث تبقى الحكومة في تصريف محدود للأعمال مع استقرار سياسي أو أن يعود الانقسام العمودي إلى سابق عهده». وتضيف المصادر: «(حزب الله) سيرفض عدم المشاركة في الحكومة إذا طلب منه ذلك كما سيرفض الاكتفاء بالتمثيل عبر حلفائه لأنه يريد أن يبقى مظللاً بغطاء الحكومة».
وفي الإطار نفسه، يرى نادر أن العقوبات كانت رسالة إلى «حزب الله» ومعارضيه، وعقّدت مهمة رئيس الحكومة الذي بات شبه المؤكد أنه سيكون الرئيس سعد الحريري، ومهمة «حزب الله»، فإذا قرّر الحزب التصعيد عبر تسمية شخصية أخرى غير الحريري ستكون العقوبات السياسية والاقتصادية له بالمرصاد.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.