«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 7: الصين تعوّض غياب هوليوود عن أسواق السينما العالمية

نشاط دؤوب لـ«المجلس السعودي للأفلام»

من الفيلم الجديد «صولو»
من الفيلم الجديد «صولو»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 7: الصين تعوّض غياب هوليوود عن أسواق السينما العالمية

من الفيلم الجديد «صولو»
من الفيلم الجديد «صولو»

‫ما بين النشاط الذي يقوم به «المجلس السعودي للأفلام»‬ الذي يدعو إلى التباهي بسبب ذلك الإيمان والفعل المستشري بين مسؤوليه وموظفيه، وبين عرض مهرجان «كان» للفيلم الأميركي الضخم «صولو: حكاية من ستارز وورز» علاقة غير متوقعة.
ففي حين يقوم المجلس باستقبال مئات الوافدين كل يوم من عرب وأجانب يدفعهم الفضول لمعرفة المزيد عن المجلس وعن السوق السينمائية في المملكة، والآمال المعقودة على المواهب المحلية، يستعد المهرجان لعرض «صولو» في الخامس عشر من هذا الشهر.
نقطة المقارنة بين الجانبين المتباعدين تكمن في أن الندوات التي تقام يومياً في المركز الذي اتخذه المجلس مكاناً لنشاطاته بحضور لفيف مهم من المتابعين والمهتمين، تتحدث عن تلك النهضة الكبيرة التي بدأت البلاد تشهدها في نطاق العروض السينمائية. تلك العروض التي تضمنت حتى الآن، وستتضمن مستقبلاً، إنتاجات هوليوود الكبيرة مثل «صولو» وما سبقه من أفلام مماثلة بدأت بفيلم «بلاك بانثر» وتواصلت مع «أفنجرز: حرب أبدية».
المسألة المثارة في الندوة التي عقدت داخل المركز يوم أول من أمس، هي إذا ما كان من المجدي اعتماد السوق السعودية على الإنتاجات الهوليوودية الكبيرة وحدها. في ذهن المتسائلين غياب الأفلام السعودية والأفلام الأوروبية وحتى الأفلام الأميركية المستقلة.
المخرج عبد الله بن عيّـاف ذكر في معرض ردّه على هذا التساؤل المهم، بأن السوق تحتاج إلى وقت لكي تتمتع بالتنوع المنشود: «بالنسبة للسينما السعودية ذاتها، فإنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تتواصل عجلة الإنتاج بما يكفي الحاجة المطلوبة. لكن العجلة انطلقت ولن تتأخر كثيراً».
المخرجة هيفاء المنصور كانت ضد فكرة أن هناك ما يكفي من إنتاجات هوليوودية. شرحت فقالت: «السينما الأميركية مهمّـة في هذه المرحلة وستبقى كذلك. ما يجعلها مهمة في هذه المرحلة هو أن السوق السعودية تحتاج إليها للإقلاع، ولا أحد يريد صالات خاوية أو أفلاماً لا يشاهدها أحد».
وجهتا النظر هنا صائبتان: الانطلاقة لا يمكن لها أن تتم بأفلام فنية من تلك التي تعرضها المهرجانات الدولية، لكن مستقبل العروض لا بد أن يحتوي، في وقت لاحق غير بعيد وبالتدرج المريح، أفلاماً من خارج القالب المعتاد، حتى وإن تم تخصيص صالة واحدة في كل مجمّـع لعرض مثل تلك الأفلام النوعية.
السبب هنا هو أن السعودية إذ تخطو صوب مجال كبير وصوب عصر الصورة وأبعادها المتطورة تحتاج إلى أن توعز للهواة والسينمائيين الشبان الحالمين بالعمل في السينما على نحو أو آخر بأن هناك سينمات أخرى لا بد من النظر إليها. سينمات لا تزخر بالنجاح الضخم الذي تحققه أفلام الترفيه، لكنها الرئة الصحيحة ثقافياً وفنياً والمنوال الذي لم تغب عنه الشمس إلى اليوم.
- صولو يجول
في الوقت الذي تحتاج السوق السعودية إلى الأفلام التي يؤمّها الجمهور العريض، لا يحتاج مهرجان «كان» إلى أي منها. لكنّها موجودة ولو بمعدل فيلم واحد كل سنة. ففي كل عام يقوم «كان» باختيار فيلم غايته ليست فنية على الإطلاق بغاية عرضه لجمهوره. هذا العام هو فيلم «صولو: حكاية من ستار وورز»، الغصن الجديد من شجرة «ستار وورز» التي ستنمو بجانب الحكايات المتوالية من المسلسل الأصلي لتبدأ حياتها المنفصلة المتمحورة حول الشخصية التي لعبها هاريسون فورد في زمانه ويلعبها الآن ألدن إرنريش.
في وقت مضى، كان لا يمكن لهذا المهرجان، أو سواه، التفكير بعرض فيلم أميركي من إنتاج هوليوودي نمطي من هذا النوع. المجال كان مفتوحاً لمواهب صارمة في اختياراتها الفنية مثل كن اتشيكاوا، وأكيرا كوروساوا، وجيري تشاتزبيرغ، وإنغمار برغمن، ومايكل أنجلو أنطونيوني، وألفرد هيتشكوك، وآلان رنوار، والكثير جداً سواهم.
الذي حدث هو أنّ العالم تغير وانبثق عنه جيل يتعامل بثقافته الحالية مع الصورة والكلمة. لذلك؛ حتى الأفلام الفنية باتت - أكثر من أي وقت مضى - سلعة تجارية لا غطاء لها. عليها أن تربح الجمهور والجوائز، أو أحدهما على الأقل.
وفي هوليوود ذاتها الحديث لا يختلف عما سبق هنا. الكلمة هناك هي أنّ المهرجانات الأوروبية لم تعد ذات أهمية قصوى. هي لم تكن كذلك بالنسبة للسينما الأميركية لأنّها كثيراً ما حرمت من الجوائز الأولى تشجيعاً للسينما القادمة من خارج الولايات المتحدة، حتى ولو استحق الفيلم الجائزة الأولى أو إحدى جوائزها. لكن في السنوات الأخيرة ازداد التباعد بين هوليوود والمهرجانات الأوروبية الأولى، وفي المقدّمة «كان»، باستثناء ما يتم عرضه من أعمال مستقلة (هذا العام لدينا فيلمان من نوعهما «بلاكسكلاب» لسبايك لي و«تحت البحيرة الفضية» لديفيد روبرت ميتشل).
بالنسبة لهذا المهرجان تحديداً، فإن البعض هناك يعتقد أن سنواته الذهبية هي تلك التي مضت وأنه، لأسباب ورد ذكرها في هذه التقارير من قبل ومن بينها منهجه في اختيار الأفلام المبيعة سلفاً إلى شركات التوزيع أو المنتجة كلياً أو جزئياً من قِـبل شركات فرنسية، سيمر بفترة عصيبة.
- الصين تبتلع
هذا لا يتبدى هنا إلا من خلال عنصر واحد. خلو المهرجان من النجوم المصاحبة لأفلام لها إلا فيما قل وندر. الجمهور ما زال يملأ الصالات. رئيس المهرجان ما زال يبتسم ومديره العام ما زال نشطاً لكن بعض الصحافة تشكو من أن الممثلين والممثلات الأوروبيين والآسيويين لا يكفون للتعويض عن غياب النجوم الأميركيين.
كذلك، لا يتبدّى هنا عنصر القلق أو الشعور بالتراجع والهوان حتى وإن لم نعد نسمع بصفقات كبيرة تتم في رحى السوق السينمائية القائمة. بالمقارنة مع سنوات هذه السوق الشاسعة الأولى، فإنه بدا الملتقى الأكبر بين أمثاله. المكان الذي يهبّ إليه كل من لديه عمل منجز، بصرف النظر عن حجمه أو مشروع يبحث له عن تمويل. إلى حد كبير هذا ما زال على حاله، لكن الصفقات، حتى الآن وبحكم السنوات القليلة الماضية، باتت قليلة ومتباعدة.
الصورة الكاملة لما يجري تتبرع بها بعض الحقائق التي لم يجر نقضها حتى الآن. تحديداً، الصفقات الغائبة هي التي تتعلق بإنتاجات كبيرة يجري الإعداد لها. تلك الأفلام التاريخية التي كانت إعلاناتها تملأ صفحات المجلات اليومية هنا، أو تلك التي كانت ترضّـع بالنجوم الجدد والقدامى على حد سواء.
تخبرني المنتجة مونيكا بلرادي التي أودعت قبل وصولها إلى «كان» 100 مليون دولار لاستثمارها عبر شركتها المسماة «أمبي»، بأن الهيام السابق بالأفلام الكبيرة («وبعضها بدأ كبيراً ولم يكن كبيراً» كما تقول) انتهى، والبديل؟: «هناك عودة للأفلام ذات الميزانيات المتوسطة والحكايات العاطفية البسيطة. هذه هي المحرك الفعلي هذه الأيام للسينمات الأوروبية، وهي الأقدر على الاستمرار في اعتقادي».
المنتج البريطاني ديفيد باتسيك يجد في الوضع الحالي قدرة أكبر على الاستمرار صوب وضع متوازن وطويل الأمد: «نعم، كانت هناك في السنوات السابقة عقوداً ضخمة حولتها الصحف كما أذكر إلى عناوين كبيرة. وهذا مهم بالفعل، لكن غيابه في هذه السنة حتى الآن، أو حتى غيابه في الأعوام القليلة السابقة يترك تأثيراً إيجابياً على السوق من ناحية أنه يتيح للأفلام الأوروبية التي معظمها يعمل بميزانيات قليلة أو متوسطة مجالاً للنشاط».
في هذا الوقت، فإن الصينيين هم الذين يبدون اكتراثاً أعلى بعقد الصفقات المجزية. لا يدفعون عشرات الملايين لقاء الفيلم الواحد، لكن تواجدهم في «كان» أصبح لازماً. في الواقع تشتري الشركات الصينية كل ما تراه على شاشات المسابقة أو معظمه وواحد من أوائل العروض التي أبرمتها هذا العام كان مع الفيلم الإسباني «الجميع يعلم» الذي افتتح المهرجان، وهذا اشترته شركة «هيشو إنترتينمنت». وقامت شركة «توربو» بشراء فيلم تيري جيليام «الرجل الذي قتل دون كيشوت» حتى من قبل عروضه الرسمية هنا.
والعمليات التي تقوم بها الصين (باتت بالنسبة للسينمات المتوسطة أكبر شأناً من السوق الأميركية حالياً) لا تشمل ما يعرض هنا، بل تأتينا الأنباء من الخارج: شركة «سويت شارم بيكتشرز» ابتاعت مؤخراً كل حقوق الفيلم المقبل «مدينة الأكاذيب» الذي يقود بطولته جوني دب. وشركة باسم «فيجن فيلم إنترتينمنت» استحوذت على حقوق الفيلم المقبل لنتالي بورتمن «فوكس لوكس».
هذا ما يعيدنا إلى ما يقع في الديار السعودية. صحيح أنّ هواة السينما الجادة عليهم الانتظار بعض الشيء قبل أن تتوفر نية شركات التوزيع عرض ما يرغبون، إلا أن المملكة ذاتها لا تتريث في سعيها لاستكمال الدائرة الكاملة للصناعة.
العروض التجارية والاكثار من افتتاح الصالات ما هو إلا حلقة واحدة. إطلاق المواهب السينمائية المحلية ودعمها حلقة أخرى. الثالثة، كما أعلن عنها مدير إدارة «الهيئة العامة للثقافة» أحمد المزيَـد، هي تشجيع شركات الإنتاج على التصوير في المملكة وذلك بتوفير الفرصة لاسترجاع 35 في المائة من ميزانية أي فيلم يتم تصويره في المملكة. هذا من شأنه جذب الشركات الأجنبية التي قد يكون لديها ما يمكن تصويره في أرجاء المملكة، وهذا هو واحد من الأسباب التي يشهد فيه «المجلس السعودي للأفلام» هذا الاهتمام والإقبال عليه.

- نظرة على بعض عروض «كان»
> حرب باردة | Cold War
إخراج: بافل بافليكوفسكي
المسابقة | بولندا.
موسيقي - عاطفي في فترة ما بعد الحرب
‫«حرب باردة» هو كالفيلم السابق: «صيف»، في ثلاث خصائص أساسية: عن فترة شيوعية سابقة، مصوّر بالأبيض والأسود، ويدور حول موسيقى الفترة مع مزيج عاطفي.‬
ما يختلف عنه هو أن شخصياته خيالية، بالتالي لا ضرورة للتساؤل عمّا إذا كان ما نراه حدث فعلاً أم لا. وأنّه لا يعمد إلى النوستالجيا، بل يمنح المحيط السياسي لفترة أحداثه (الأربعينات) وجودها الحي. لذلك؛ هو فيلم أفضل تكويناً وتنفيذاً ورسالته هي في الوقت ذاته واضحة وموحية. إنما، وعلى الرغم من أن الفيلم ليس بيوغرافياً على الإطلاق، إلا أن بافليكوفسكي استوحى حكايته مما حدث مع والديه اللذين كانا من الموسيقيين الحالمين بعهد أفضل تأخر حدوثه.
يبدأ الفيلم في حقبة متأخرة من الأربعينات في بولندا. الحرب العالمية انتهت. الناس تتنفس وتحاول ترتيب حياتها على وضع جديد. وضع تسود فيه الحدود الجديدة في أكثر من مكان. بطل الفيلم شاب اسمه (أيضاً) فيكتور (توماش كوت) مؤلف موسيقي مشهود له بالموهبة الذي يطوف في أنحاء البلاد بصحبة صديقته إرينا (أغاتا كوليشا) بحثاً عن موهبة جديدة تؤمّن له ما تحتاج إليه موسيقاه من ثقافة فولكلورية. بعد حين يجد ما يبحث عنه في شخص فنانة اسمها زولا (جوانا كوليغ). بطبيعة الحال، في مثل هذه المناسبات، فإن إرينا لديها موقف سلبي من زولا، لكن فيكتور يريدها أن تقود الفرقة الموسيقية التي يقوم بتأسيها.
بعد حين، وعلى الرغم من أن فيكتور ومجموعته لا ينوون الغناء بمعزل عن حب الوطن ونظامه الاشتراكي، فإن النظام الشيوعي يطلب من فيكتور أن يضمّن حفلته المزمعة أغاني ثورية. واحدة، على الأقل، في مديح ستالين وأخرى في مديح المزارعين والفلاحين (قتل منهم ستالين في روسيا بضع مئات الألوف). لكن ليس هناك من بطولات مطلقة. السلطة تتمنى يعني تطلب وتطلب يعني تأمر. فيكتور يقبل لكن إرينا ترفض. في شكل مفاجئ بعد قليل سيقترح فيكتور على زولا الهرب إلى ألمانيا ومنها إلى برلين الغربية.
يفتقد الفيلم إلى توليفة متكاملة. النصف الأول منه، إذا جاز التعبير، سهل المنال، أخف إيقاعاً من دون أن يكون هزيلاً ويدور حول الفن ورجاله ونسائه، والاستماع إلى الموسيقى والمشاركة فيها. لكن، ومن دون سحب سوداء تمهد للنقلة (كل الفيلم متميّـز بلونه الشاحب) نجد أنفسنا في رحى نصف ثانٍ سيدور حول التسلل من بولندا إلى سواها بغاية الوصول إلى ألمانيا والعيش في الغرب. الأحداث لا تنتهي بوصولهما، بل تستمر وقد تباعدا، ثم التقيا، ثم تباعدا من جديد.
كل ذلك منفّـذ بحنين المخرج الممتزج بنقده. هناك علاقة حب وكره مع ذلك الماضي. ألم يشعر به بافليكوفسكي وينقله ليعيش داخل شخصياته ومن ثم في شخصياتنا نحن. مشهدياً، هناك بعض تاركوفسكي متمثل في تلك المشاهد المتأنية والمتأملة، لكن بافليكوفسكي (الذي حقق قبل ثلاثة أعوام فيلمه الممتاز «آيدا») لديه باعه الطويل وطريقته الخاصّـة في السرد والتكوين العام؛ لذلك من المفاجئ إلى حد اعترافه الضمني بتأثير مخرج عاصره، زمنياً، كتاركوفسكي.
> فتيات الشمس | Girls of the Sun
إخراج: إيڤا أوسون
المسابقة | فرنسا.
دراما حول كرديات وإيزيديات ضد {داعش}
ربما بدا المشروع فعلاً مهماً للمخرجة الفرنسية إيڤا أوسون التي تقدم هنا فيلمها الثاني. وهو لو أُحسن إخراجه لكان ذلك بالفعل. ما لدينا هو فيلم أفكار وطموحات غير منجزة تتواصل مع القضية المطروحة جيداً، لكن ليس طويلاً. بين كل حين وآخر ترتفع النبرة وتهبط من دون ضرورة. تنبري المشاهد تحت غطاء من الحوارات والمشاهد التقليدية. في النهاية يستهلك الفيلم فرصته ويأوي بها بعيداً.
يفتح الفيلم بصوت من الذكريات. صاحب الصوت هو امرأة فرنسية اسمها ماتيلدا (إيمانويل بركوت) سبق لها وأن خبرت أجواء الحروب في الشرق الأوسط كصحافية، وخسرت إحدى عينيها خلال تغطيتها حرب حمص، والآن تضع على تلك العين عصبة وتنبري لتغطية سعي قوّة من المحاربات النساء، بقيادة الكردية باهار (الإيرانية غولدشفته فرحاني) التي تعلم ما لا يعلمه الآخرون من دون أن ندري السبب. كما لو أن سرد الفيلم من خلال الذاكرة لا يكفي كـ«كليشيه» ها هو «الفلاشباك» يدخل السياق السردي بدوره. لقطة جانبية لباهار وهي تنظر بعيداً و… ننتقل إلى الماضي؛ فباهار كانت أسيرة لدى {داعش} وهي فقدت التواصل مع ابنها الصغير إثر اقتحام قوات «داعش» القرية الكردية التي تعيش فيها.
في «فلاشباك» آخر، نلمّ بالتفاصيل: القوات تقتحم. الزوج يُـقتل. الصبي يُقبض عليه. شقيقتها تُغتصب وباهار تصرخ متوسلة أن ينال منها الأشرار عوض أختها. بعد كل فلاشباك نعود إلى الزمن الحالي بالطبع، لكن القليل من تلك العلاقة يترك أثره. كان يكفي حوار صغير هنا أو هناك للإلمام بالقصة الخلفية، لكن هذا ما ارتأته المخرجة التي شاركت في كتابة السيناريو.
في الزمن الحاضر تقود باهار القوّة النسائية لتحقيق المعجزات المتوخاة (والفيلم يمنحهن الفرصة) وهي قوّة مشتركة بين كرديات وإيزيديات مندفعة للقتال والذود والانتقام وبحث باهار عن إبنها المخطوف.
المسألة أبعد من سوء استخدام مشاهد الاستعادة؛ لأن الفيلم يبدأ بتعليق من الذاكرة لشخصية ودخول ماضي شخصية أخرى عبر تلك المشاهد. منطقياً، لا يمكن لأحد منا أن يتذكر ما لم يمر به شخصياً. الأسوأ من ذلك موسيقى يقصد منها التحفيز، لكنها تتحول من «النوتة» الأولى إلى مصدر إزعاج مضجٍّ.


مقالات ذات صلة

«SRMG LABS» تحصد 7 جوائز بـ«مهرجان أثر للإبداع 2025»

يوميات الشرق تكريم وكالة «SRMG LABS» الإبداعية خلال «مهرجان أثر للإبداع 2025» (SRMG)

«SRMG LABS» تحصد 7 جوائز بـ«مهرجان أثر للإبداع 2025»

حصدت «SRMG LABS»، الوكالة الإبداعية التابعة لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)»، 7 جوائز في «مهرجان أثر للإبداع 2025».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تكريم «SRMG Labs» بجائزتين ضمن فئة الصوت والراديو في مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع (SRMG)

«SRMG Labs» تحصد جائزتين في مهرجان «كان ليونز»

حصدت وكالة «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، جائزتين ذهبية وفضية ضمن فعاليات مهرجان كان ليونز الدولي للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سينما «موجة جديدة» (أ آر پ)

شاشة الناقد: سفر بين أزمنة حاضرة ومنسية

إعجاب المخرج بأفلام سينمائية أخرى يدفع عادةً إلى تقدير شفهي وبصري بروح إيجابية ترغب في معايشة أجواء نوستالجية.

محمد رُضا (لندن)
أوروبا الكهرباء انقطعت عن نحو 45 ألف منزل وعن مطار مدينة نيس (بلدية نيس عبر «فيسبوك»)

انقطاع الكهرباء عن نيس الفرنسية بعد واقعة مماثلة في كان

شهدت مدينة نيس الفرنسية، الواقعة على ساحل الكوت دازور، انقطاعاً في التيار الكهربائي عزته السلطات إلى عمل تخريبي، وذلك غداة واقعة مماثلة في مدينة كان.

«الشرق الأوسط» (نيس)
يوميات الشرق المخرج الإيراني  جعفر بناهي (وسط) محتفلاً بالسعفة الذهبية (أ.ف.ب)

مهرجان «كان» يمنح سعفته الذهبية لفيلم إيراني‬

على نحو فاجأ كثيرين من المتابعين لمهرجان كان السينمائي، ذهبت السعفة الذهبية إلى فيلم «كان مجرد حادث» للإيراني جعفر بناهي.

محمد رُضا‬ (كان)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».