الاتفاق النووي... مفترق الطرق بين ترمب وأوروبا

دول القارة العجوز تعيد النظر في خياراتها الاستراتيجية بعد تراجع الشراكة مع واشنطن

ميركل وماي وماكرون خلال لقاء في بروكسل مارس 2018 (أ.ف.ب)
ميركل وماي وماكرون خلال لقاء في بروكسل مارس 2018 (أ.ف.ب)
TT

الاتفاق النووي... مفترق الطرق بين ترمب وأوروبا

ميركل وماي وماكرون خلال لقاء في بروكسل مارس 2018 (أ.ف.ب)
ميركل وماي وماكرون خلال لقاء في بروكسل مارس 2018 (أ.ف.ب)

الخلاف الذي سببه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مع أوروبا لم يكن الأول في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ولكنه الأكثر خطورة حتى الآن.
فالتوتر بين الحلفاء الأوروبيين وبين الولايات المتحدة بدأ مع دخول ترمب البيت الأبيض، وإعلانه بعد أسابيع قليلة انسحاب بلاده من الاتفاق المناخي الذي تم التوصل إليه في باريس. وزاد إلى ذلك انتقاداته اللاذعة التي وجهها لحلفائه في «الناتو»، خصوصاً ألمانيا، مطالبا إياهم بالوفاء بتعهداتهم المالية للحلف.
حينذاك استيقظ الأوروبيون لواقع أن كلام ترمب خلال حملة الانتخابية لم يكن كلاماً فقط، وأنه بدأ في تطبيقه فعلاً. واستوجب حينها قرار انسحابه من اتفاقية المناخ، وتهجمه على ألمانيا، إعلاناً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن أوروبا لم يعد بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتها، وأن عليها حماية نفسها. وهو كلام كررته قبل يومين بعد إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الذي شكل صدمة للأوروبيين، رغم أنه كان منتظراً.
وهذه المرة انضم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ميركل، ليتحدث بخطاب شبيه في مواجهة واشنطن، ويقول إنه «لم يعد بإمكاننا القبول بأن يقرر الآخرون عنا». ولكن كلام ماكرون هذا جاء بعد يومين على لهجة بدت «تصالحية» تحدث بها عندما أعلن في مقابلة مع قناة «دويتشه» الألمانية أن أوروبا ستبحث اتفاقاً بديلاً أشمل مع إيران.
هذه التصريحات التي تتأرجح بين الليونة وبين التشدد تظهر تخبطاً أوروبياً في التعاطي مع الولايات المتحدة بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني. أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس رامي خليفة العلي يختصر المشهد بالقول إن أوروبا تعيش «حالة من البحث عن خياراتها الاستراتيجية والسياسية»، مضيفاً في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن الأمر يعتمد على مدى تجاوب إيران وإرادتها في البقاء ملتزمة بالاتفاق بعد انسحاب واشنطن منه.
وقد يكون الاجتماع المرتقب بعد يومين بين وزراء خارجية أوروبا, القارة العجوز, وبين نظيرهم الإيراني محمد جواد ظريف خطوة أولى لجس النبض الإيراني، علماً بأن طهران كانت طالبت أوروبا بتقديم ضمانات على استمرار العمل بالاتفاق، وتحدثت عن مهلة محدودة لذلك.
وبدا من التعليقات الأوروبية الأولى التي تلت إعلان ترمب، أن أوروبا تبحث عن حلول لتجنيب شركاتها التي استثمرت المليارات في إيران منذ يوليو (تموز) 2015، خسائر وعقوبات أميركية هددت واشنطن ببدء فرضها خلال 3 أشهر. ويعتبر العلي أن «لهجة التصعيد الأوروبية تجاه واشنطن هدفها الوصول إلى تسوية حول أوضاع الشركات الأوروبية العاملة في إيران»، أو تمديد الفترة الزمنية التي كانت حددتها لبدء فرض هذه العقوبات.
ولكن هذا التصعيد، برأي العلي، لن يتعدى التوتر بين الطرفين، ولن يصل بالتأكيد إلى حد القطيعة. وعلى كل حال فإن مقارنة صغيرة بين حجم التجارة بين أوروبا وإيران من جهة، وبين أوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى، تظهر أن واشنطن هي شريك تجاري أساسي للاتحاد الأوروبي يبلغ حجم التبادل بينهما قرابة الـ800 مليار دولار، فيما حجم التجارة الأوروبية الإيرانية لا يتعدى الـ20 مليار دولار.
ويمكن لأوروبا أن تحاول تقديم ضمانات للشركات الأوروبية العاملة في إيران لحثها على البقاء هناك، وربما يكون هذا ما قد يصدر عن اجتماع صوفيا بعد أيام، الذي أعلن دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي أن «موقفاً أوروبياً موحداً» سيصدر عنه.
وكانت صدرت دعوات للاتحاد الأوروبي، خصوصاً من جمعيات الأعمال، بإصدار قانون شبيه بالذي صدر في التسعينات يلغي تأثير العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية التي تستثمر في ليبيا. ولكن إصدار شبيه اليوم أصعب بكثير «لأن الإرادة الأميركية بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية اليوم موجودة»، يقول العلي، فيما لم تكن موجودة في السابق عندما صدر القرار الأوروبي في التسعينات.
وسيقع قرار البقاء في إيران في النهاية على عاتق الشركات الأوروبية نفسها، لتختار المغامرة بالخروج من السوق الأميركية الأكثر قيمة بالنسبة إليها، مقابل البقاء في السوق الإيرانية الأصغر والأجد.
ويقول إيان بلاك، مسؤول ملف الشرق الأوسط سابقاً في صحيفة «الغارديان» البريطانية، الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم الاقتصادية (LSE) البريطانية، إن مصير الاتفاق النووي «سيحكمه الاقتصاد في النهاية مهما كان رد الاتحاد الأوروبي قوياً في السياسة». ويقول في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن «قوة الاقتصاد الأميركي تعني أن الشركات سيكون عليها الاختيار مهما كان الرد السياسي من أوروبا».
وعلى الرغم من أن الخلافات السياسية والاستراتيجية بين الدول الأوروبية وبين حليفها عبر الأطلسي، بدأت تظهر مؤخراً في الكثير من القضايا، إلا أن أوروبا ما زالت بحاجة للولايات المتحدة على الأقل «في المدى القريب والمتوسط»، كما يقول العلي، ولا يمكن أن تغامر بعلاقاتها معها. ولكن هذا لا يعني «الانجرار» وراء مطالب واشنطن.
وبالنسبة لأوروبا، فإن «المضايقات» التي تسببها العلاقة مع واشنطن في ظل إدارة ترمب، تدفعها للبحث عن استقلاليتها، «ولكن هذا لن يتحقق على المدى القريب» بحسب العلي. فترمب ينتهج أسلوباً لم تعهده أوروبا من قبل. فهو يتخذ قرارات بغض النظر عن العلاقات مع شركائه عبر الأطلسي، وهو نهج جديد لم تعهده العلاقات منذ الحرب العالمية الثانية.
وهذا النهج هو دافع للدول الأوروبية للسعي للخروج عن مظلة الولايات المتحدة، فيما يفسر الحديث عن «قوة دفاعية أوروبية» خارج «الناتو»؛ بدأ العمل عليها قبل أكثر من عام، ولكن لم تشهد الكثير من التقدم.
ويعتبر بلاك أن الاتحاد الأوروبي «قادر حتماً على بناء قوة دفاعية مستقلة عن الولايات المتحدة إذا قرر ذلك وعمل فعلياً تجاه تحقيقه، ولكن تقليدياً فإن الاتحاد الأوروبي لا يميل للاستثمار في الدفاع». ويضيف بلاك أن خروج بريطانيا من التكتل قريباً سيجعل الوضع أصعب، كما أن فرنسا أيضاً تعتبر الاستثمار في الدفاع مسألة وطنية أكثر منها مرتبطة بالتكتل الأوروبي.
وكان طغى على مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير (شباط) الماضي، الحديث عن هذه القوة الدفاعية الأوروبية التي تسعى ألمانيا وفرنسا لإنشائها. حينها وجه أمين عام حلف الناتو انتقادات للأوروبيين لسعيهم لبناء «قوة دفاعية تنافس (الأطلسي)»، ودعاهم إلى جعلها قوة «مكملة» لـ«الأطلسي»، وليست بديلة عنه إذا ما أصروا على إنشائها.
ويرى بلاك أن العلاقات الأوروبية الأميركية «تضررت كثيراً» منذ وصول ترمب للرئاسة. ولكنه يقول إن الأوروبيين سيحاولون «الحد من الضرر» على العلاقات الثنائية أثناء فترة إدارة ترمب، «وسيأملون ألا يفوز بفترة رئاسية ثانية، وأن تعود العلاقات إلى ما كانت عليه قبل انتخابه».



 ترمب يجدد تهديد «حماس» بجحيم

ترمب بمؤتمره الصحافي في منتجع مارلارغو بولاية فلوريدا الثلاثاء (أ.ب)
ترمب بمؤتمره الصحافي في منتجع مارلارغو بولاية فلوريدا الثلاثاء (أ.ب)
TT

 ترمب يجدد تهديد «حماس» بجحيم

ترمب بمؤتمره الصحافي في منتجع مارلارغو بولاية فلوريدا الثلاثاء (أ.ب)
ترمب بمؤتمره الصحافي في منتجع مارلارغو بولاية فلوريدا الثلاثاء (أ.ب)

جدد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، تهديداته لحركة «حماس» بفتح أبواب الجحيم عليها إذا لم تقم بتحرير الرهائن المحتجزين لديها، وإبرام صفقة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل قبل 20 من يناير (كانون الثاني) الحالي.

وقال الرئيس المنتخب: «إذا لم يطلقوا سراحهم (الرهائن) بحلول الوقت الذي أتولى فيه منصبي فسوف يندلع الجحيم في الشرق الأوسط، ولن يكون ذلك جيداً لـ(حماس) أو لأي شخص».

ورفض ترمب في المؤتمر الصحافي الذي أقامه، ظهر الثلاثاء، في منتجع مارلارغو بولاية فلوريدا، الإفصاح عن ماهية الخطوات وشكل الجحيم الذي يهدد به «حماس». وشدد على أنه ما كان ينبغي لهم (عناصر حماس) أن يقوموا بهجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقتل كثير من الناس، وأخذ الرهائن.

ودعا ترمب مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكليف، الذي عاد لتوه من العاصمة القطرية، الدوحة، للحديث عن تطورات المفاوضات.

وقال ويتكليف: «إننا نحرز تقدماً كبيراً، وأنا متفائل أنه بحلول موعد حفل تنصيب الرئيس ترمب سيكون لدينا بعض الأمور الجيدة للإعلان عنها». أضاف: «تهديد الرئيس والأشياء التي قالها والخطوط الحمراء التي وضعها هي التي تدفع هذه المفاوضات، وسأعود إلى الدوحة غداً، وسننقذ بعض الضحايا».

وأوضح ويتكليف أن ترمب منحه كثيراً من السلطة للتحدث نيابةً عنه بشكل حاسم وحازم، وأوضح أن قادة «حماس» سمعوا كلام الرئيس ترمب بشكل واضح، ومن الأفضل لهم إتمام الصفقة بحلول حفل التنصيب.

وفي تقييمه للوضع في سوريا، وخطط إدارته حول عدد الجنود الأميركيين الذين سيحتفظ بوجودهم في سوريا، بعد أن أعلن «البنتاغون» زيادة عدد الجنود من 900 إلى ألفي جندي، قال ترمب: «لن أخبرك بذلك؛ لأنه جزء من استراتيجية عسكرية»، وأشار إلى الدور التركي وصداقته مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والعداء بينه وبين الأكراد.

وشدد الرئيس المنتخب على أن النتيجة الرئيسية المهمة لما حدث في سوريا هي إضعاف كل من روسيا وإيران مشيراً إلى أن إردوغان «رجل ذكي للغاية، وقام بإرسال رجاله بأشكال وأسماء مختلفة، وقد قاموا بالاستيلاء على السلطة».