اكتشف روح لشبونة عبر موسيقى «الفادو»

من خلال الحنين والحزن والحب والألم

المغنية البرتغالية الشهيرة ماريزا ملكة الفادو
المغنية البرتغالية الشهيرة ماريزا ملكة الفادو
TT

اكتشف روح لشبونة عبر موسيقى «الفادو»

المغنية البرتغالية الشهيرة ماريزا ملكة الفادو
المغنية البرتغالية الشهيرة ماريزا ملكة الفادو

يكسر صوت المغنية «كوكا روزيتا» الصمت المخيم على أرجاء المكان بقوة عنيفة لدرجة أن الكثير من الزوار الأجانب الذين ليسوا على دراية باللغة البرتغالية يفهمون على الفور ما الذي تتمحور حوله موسيقى «فادو»، الحنين والحزن والحب والألم.
تعد حفلات الفادو مزيجا من الترفيه وفرصة للغوص في أعماق الروح البرتغالية. وتشتهر لشبونة التي تستضيف في مايو (أيار) الجاري مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) - بموسيقى الفادو.
ويقول ماريو باشيكو الذي يعمل في ملهى «كلوب دي فادو» - أحد أكثر النوادي الليلية المعروفة بموسيقى الفادو - «من لم يسمع الفادو لم يعرف لشبونة». واليوم، ليس السياح فحسب من يتحمسون لهذا النوع التقليدي من الموسيقى وإنما الكثير من البرتغاليين أيضا، حسب وكالة الأنباء الألمانية. ويقول باشيكو وهو أحد أشهر عازفي الجيتار في البلاد: «لم يكن الفادو شعبيا كما هو الآن. بفضل الجيل الجديد من الفنانين، تمر موسيقى الفادو حاليا بفترة نهضة».
يشير باشيكو إلى فنانين مثل كارمينهو وماريزا وآنا مورا وآنا صوفيا فيريلا وكوكا روزيتا. كان الشباب يعتبرون لفترة طويلة موسيقى الفادو قديمة الطراز ولكن هذا تغير في السنوات القليلة الماضية. فالمغنية جوانا ألميدا التي تبلغ من العمر عشرين عاما الآن، مثال جيد، حيث اكتشفت حبها للفادو قبل ثلاث سنوات.
وتقول: «ما جعلني أعشق الفادو هو نصوصها الحميمية للغاية والتي تمس الروح. موسيقى الفادو عبارة عن شعر يغني. وعند نقطة ما، صارت كل موسيقى البوب والروك الدولية ببساطة مملة لي».
نشأت موسيقى الفادو في مقاطعة موراريا في لشبونة في أوائل القرن التاسع عشر. وتشير سارة بريرا، مديرة متحف فادو في ألفاما: «تعني الفادو المصير وكانت تغنيها في المقام الأول بائعات الهوى في حانات مشبوهة». يحضر الشباب البرتغالي حفلات موسيقية تقام في عدد لا حصر له من حانات الفادو التي تقام في وقت متأخر من الليل في مقاطعة بايرو التو بلشبونة. وأحيانا ما تكون فادو كلاسيكية وتقليدية وأحيانا أخرى تكون عصرية مثل أنواع مدمجة مع موسيقى الجاز والإلكترونيك.
وربما أشهر مثال على دمج هذه الأنواع هو الموسيقي البرتغالي سلفادور سوبرال الذي فاز العام الماضي بمسابقة الأغنية الأوروبية في كيف بأغنيته «أمار بيلوس دويس». وبفضل فوزه، ستستضيف لشبونة مسابقة العام الجاري لتتمكن من حمل لقب عاصمة الموسيقى الأوروبية من الثامن إلى الـ13 من مايو.
وتلتهب الساحة الموسيقية في لشبونة سيما في الصيف حيث تقام الكثير من المهرجانات والحفلات الموسيقية التي تقام في الهواء الطلق. ويستمر مهرجان «أوت جاز»، على سبيل المثال، من مايو (أيار) إلى سبتمبر (أيلول)، حيث يقدم حفلات مجانية لموسيقى الجاز في أجمل حدائق المدينة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».