مصاحف ورسوم للكعبة ومجوهرات إسلامية تحلق عالياً في مزاد «بونهامز»

990 ألف إسترليني خلال أقل من ساعتين من المضاربة عبر الهاتف... وقرط يخص آخر ملكات البنجاب يحقق ثمانية أضعاف سعره التقديري

ايات من القرآن يعرضها احد موظفي {بونهامز} (تصوير: جيمس حنا) - خزف «إزنيك» استحوذ  على اهتمام المضاربين
ايات من القرآن يعرضها احد موظفي {بونهامز} (تصوير: جيمس حنا) - خزف «إزنيك» استحوذ على اهتمام المضاربين
TT

مصاحف ورسوم للكعبة ومجوهرات إسلامية تحلق عالياً في مزاد «بونهامز»

ايات من القرآن يعرضها احد موظفي {بونهامز} (تصوير: جيمس حنا) - خزف «إزنيك» استحوذ  على اهتمام المضاربين
ايات من القرآن يعرضها احد موظفي {بونهامز} (تصوير: جيمس حنا) - خزف «إزنيك» استحوذ على اهتمام المضاربين

حقق مزاد «بونهامز» للفنون الإسلامية والهندية والتراثية النادرة الثلاثاء الماضي، أكثر من 990 ألف إسترليني خلال ساعتين من المضاربة على 368 قطعة بين عشاق الآثار والقطع التراثية من عصور إسلامية مختلفة، لاقتناء روائع ما صنعه الفنانون والخطاطون على مدى عقود من الزمان. وعرضت في المزاد العالمي قطع فنية من فنون العالمين، الإسلامي والهندي، النادرة.
وقالت جيسي بروموفسكي خبيرة الفنون الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن «أكثر المضاربات على المصاحف وتصاوير الكعبة جرت عبر الهاتف». وأضافت: «حققت أقراط وجواهر آخر زوجات مهراجا السيخ، الذي كان حاكماً فعلياً لإقليم البنجاب في عام 1843 قبل إقالته وإلقاء القبض عليه من قبل شركة الهند الشرقية عام 1846، سعراً غير مسبوق بنحو 175 ألف إسترليني، فيما حققت جواهر زوجة مهراجا السيخ ذات النمط الإسلامي، التي كانت معروضة قبل الثلاثاء الماضي، نحو 30 ألف إسترليني».
وقد شهد قسم المقتنيات الإسلامية والهندية بدار مزادات «بونهامز» في العاصمة لندن أيضاً بيع قرطين من الذهب من مجموعة مهراني جند كور، والدة آخر الحكام السيخ لإقليم البنجاب، متخطيَيْن التقديرات التي تراوحت ما بين 20 ألفاً إلى 30 ألف إسترليني.
وصرح أوليفر وايت، رئيس قسم المقتنيات الإسلامية والهندية في دار مزادات «بونهامز»، بأن «تلك الأقراط الذهبية تعود لسيدة قوية تحملت ضياع مملكتها وما لاقته من اضطهاد وحرمان وأظهرت قدراً كبيراً من الكبرياء والثبات. ويعكس المبلغ الكبير الذي دفع مقابل تلك الجواهر قيمتها الكبيرة».
وتتضمن باقي المعروضات مخطوطة من العصر المملوكي تصور فارسين يقومان بتدريبات في الرماية بالسهام في مصر أو سوريا، في نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر الميلادي، وقد بيعت هذه المخطوطة بمبلغ 47.500 جنيه إسترليني، رغم أن التقديرات تراوحت ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف جنيه إسترليني.
أيضاً بيع وعاء نحاسي وغطاؤه المطليان بالذهب، ويعود للعصر العثماني في تركيا، تحديداً عام 1233 هجريّاً (1818 ميلادية)، بسعر 18750 جنيهاً إسترلينياً، وكان السعر التقديري ما بين 6 آلاف و8 آلاف جنيه إسترليني. وبيع إبريق من الفخار يعود للعصر الفاطمي في مصر (القرن الثاني عشر الميلادي) بسعر 13750 جنيهاً إسترلينياً، وكان السعر التقديري 6 آلاف - 8 آلاف جنيه إسترليني.
ويمكن القول إن مزاد «بونهامز» الذي عقد الثلاثاء الماضي، تميز بمجموعة نادرة من المخطوطات، تصدرها تصاوير قرآنية ومخطوطة الكعبة المشرفة بتوقيع رستم غلام فنان بوبال، وهي بألوان الزيت لرسم بانورامي للكعبة المشرفة والجبال المحيطة بها، وتعود هذه التصويرة إلى منتصف القرن الـ19، في عهد شاه جيهان بيجوم، العصر الذهبي لمخطوطات بوبال. وتصويرة الكعبة هذه عرضت للبيع في المزاد السنوي بألفي جنيه إسترليني، فيما حققت مخطوطة مملوكية، وهي تحت رقم 7 في المزاد وتعود للقرن الـ14، سعراً قياسياً، وهي لفارسين أحدهما في مواجهة الآخر، أكثر من 47 ألف إسترليني، وكانت معروضة بـ4 آلاف إسترليني فقط، بحسب خبراء المزاد.
وجاء هذا المزاد الخاص بالفنون الإسلامية والهندية، تلبية للطلب العالمي على الأعمال الفنية ذات الصبغة الإسلامية والهندية النادرة وذات المستوى الفني العالي، وقد ضم المزاد 368 عملاً فنياً تغطي منطقة جغرافية وزمنية واسعة النطاق.
ومن المعروف أن مزادات «بونهامز» العالمية تأسست في عام 1793. وهي تنافس مزادات «سوذبيز»، وتعمل حالياً في 27 دولة وتقوم عادة بتنظيم المزادات بشكل متزامن في أربع قارات.
وفي مزاد لندن كان هناك أيضاً إقبال على تشكيلات من الجواهر وأواني السيراميك العثماني المعروفة بالخزف من طراز «إزنيك»، وكذلك أوان من النحاس والفضة المرصعة بالأحجار الكريمة والسجاد الحريري من عصور إسلامية مختلفة، وكلها قطع تعكس بحق براعة الصانع المسلم وتفانيه وذوقه الرفيع في اختيار المواد والألوان، كما تبرز أسلوب الحياة التي كان يعيشها النبلاء المسلمون لأنها كانت بالعادة تصمم خصيصاً لهم. وفي المزاد كان هناك عدد كبير من الأطباق الخزفية من طراز «إزنيك» العثمانية التي تخطف الأبصار في دقة صنعتها وزخرفتها النباتية.
و«إزنيك»، أو «إزنيق»، كما ينطقها الأتراك، مدينة صغيرة تقع بالقرب من إسطنبول التركية وكانت موطناً لصناعة الخزف بدءاً من نهاية القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السابع عشر، وهي الفترة التي شكلت العصر الذهبي لصناعة خزف «إزنيك». ونظراً لكونها مركزاً لصناعة الأواني الخزفية المنزلية، كثيراً ما تلقى الحرفيون المهرة في المدينة أوامر من البلاط العثماني لصناعة التحف الخزفية والزجاجية عالية الجودة طوال القرن الخامس عشر.
وشكلت نقوش الأرابيسك والتصاميم التي تحاكي البورسلين الصيني بلونيه الأزرق والأبيض، العناصر الأساسية للإبداعات الخزفية لتلك المدينة الصغيرة. وطوال القرن السادس عشر، شهدت صناعة وزخرفة الخزف بمدنية «إزنيك» انتعاشة كبيرة لتصل إلى ذروتها الفنية ما بين عامي 1560 و1600، وأصبحت التصاميم أكثر سلاسة وانسيابية وأقل تناسقاً، وتغيرت الألوان تدريجياً لتعتمد على الظلال الفاتحة للون الفيروزي (التركواز) والأخضر الهادئ والأرجواني الفاتح.
ومع نهاية القرن السابع عشر، ظهرت الألوان الأكثر جرأة مثل الأحمر والأخضر الفاقع، ليصبحا الأكثر شيوعاً، غير أن نشوب عدة حرائق في المدينة، وتعرض الإمبراطورية العثمانية لأزمة اقتصادية تسببا بتراجع الطلب على خزف «إزنيك»، ومن ثم تدهورت تلك الصناعة مع بداية القرن السابع عشر.
ويمثل عهد خزف «إزنيك» الذي يصادف القرن السادس عشر العصر الذهبي لصناعة الخزف التركية.
وقد ساعدت زيادة ثروات الإمبراطورية العثمانية وفعاليات البناء، على تغير مفهوم المظاهر بالنسبة للسراي وانتشار سمعة عظمة السلاطنة في العالم أجمع على تطور فن صناعة الخزف.
ومن نماذج البلاطات - وهي التي كانت تُستخدَم في تكسية جدران كثير من الجوامع والمباني في تلك الفترة التاريخية - يتبين لنا المهارة والدقة واستعملت في هذه البلاطات العناصر الزخرفية من كتابات، ورسوم هندسية، وفروع نباتية، وأزهار طبيعية، وزخارف عربية (أرابيسك)، هذا إلى جانب ما كان شائعاً من عناصر صينية مثل: زهرة اللوتس. كما استعملت فيها الألوان الأبيض والأزرق والفيروزي والأصفر والأخضر والبنفسجي.
وقد نمت هذه البلاطات، وصارت جنباً إلى جنب مع صناعة الأواني الخزفية في عصر نهضة الفن العثماني، في القرنين السادس عشر والسابع عشر وكانت تصنع في مدينة إزنيك.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)