لاري كينغ لـ«الشرق الأوسط»: فيدل كاسترو خيب أملي... ولا أقاطع ضيوفي

يحتفل غداً بـ61 عاماً متواصلة من الإذاعة والتلفزيون أجرى خلالها أكثر من 60 ألف مقابلة

لاري كينغ لـ«الشرق الأوسط»: فيدل كاسترو خيب أملي... ولا أقاطع ضيوفي
TT

لاري كينغ لـ«الشرق الأوسط»: فيدل كاسترو خيب أملي... ولا أقاطع ضيوفي

لاري كينغ لـ«الشرق الأوسط»: فيدل كاسترو خيب أملي... ولا أقاطع ضيوفي

من طبيعة الصحافي البحث عن النجوم والرموز لمقابلتهم واستنطاقهم، والحصول على عناوين و«مانشيتات» عريضة. فكيف هو اللقاء حين يكون مع علم في اصطياد النجوم واللقاء بهم... لاري كينغ. المصافحة كانت في ممر وولدورف استوريا في مدينة لوس أنجليس الأميركية، ثم الحوار هاتفياً يوم الثلاثاء الماضي من لندن.
كينغ البالغ من العمر 84 عاماً، سيحتفل يوم غد بمرور 61 عاماً على عمله الإذاعي والتلفزيوني. 61 عاماً متواصلة دون انقطاع. أشياء كثيرة حصلت مصادفة غيرت مجرى حياته، ومنها حين التقى بأحد المدراء في CBS الأميركية والذي نصحه بالذهاب إلى فلوريدا، وقال له إنها ولاية ناشئة في مجال الإعلام والفرص فيها كثيرة. عمل لاري في إذاعة في ميامي، وكانت الوظيفة غير محددة. مهام متعددة ومنوعة دون تحديد وصف لما سيفعله. في 1957 وجد نفسه على الهواء، في الإذاعة يتحدث. والقصة أن أحد المذيعين استقال، فجاء المدير العام وطلب من لورنس هارفي زايغر (لاري كينغ) أن يخرج على الهواء، وطلب منه اختيار اسم جديد لأن اسمه الأخير صعب النطق وليس إعلاميا، فاختار لورنس هارفي زايغر منذ ذلك الوقت اسمه ولقبه الجديد لاري كينغ، وبعد عامين من تلك البداية، غير اسمه بشكل قانوني في أوراقه الثبوتية إلى ذلك.
قصة لاري كينغ، ومسيرته الإعلامية طويلة جداً، لا يمكن اختصارها. لكن مقابلة «الشرق الأوسط» معه، تحدث عن البدايات. ماذا لو عاد به الزمن أي وظيفة سيختار؟ وعن العوارض الصحية ومنها القلب وسرطان البروستاتا، ماذا غيرت في حياته؟
«لو لم أكن إعلامياً لاخترت الكوميديا الارتجالية، أحب شرائح لحم الضأن، والمرض جعلني أتوقف عن التدخين». هكذا يختصر لاري كينغ جزءا من حياته، ويقول إنه لا يعرف لماذا وصل إلى هذه الشهرة، لكنه يكره مقاطعة الضيوف، وغير مؤمن بمصطلح «الأخبار الملفقة» المتداول حديثاً، وحزين على عدم قراءة الجيل الجديد للأخبار بشكل جيد.
الرئيس الوحيد الذي خيّب آماله هو فيديل كاسترو، كان يتمنى إجراء مقابلة معه ولم يستطع، حتى رغم سفره إلى كوبا، وهو يرى في كاسترو شخصية تستحق المقابلة واللقاء.
لاري كينغ صاحب أكثر من 61 عاماً متواصلة من العمل الإعلامي، يتحدث عن اللحظات الممتعة والفاصلة وهل ينبغي على الإعلامي أن يتقاعد في سن معيّنة، وعن اللحظة الأولى على الهواء، والآن، ومن هم الأربعة الذين يتذكر لقاءاتهم، أو يعتبرها المفضلة لديه، فإلى الحوار:

> أنت تعمل في الإعلام منذ أكثر من 60 عاماً، وستحتفل بالعام الـ61 في هذا المجال في الأول من مايو (أيار). ما شعورك حيال ذلك؟
- لم أعتقد يوماً أنني سأستمر لهذه المدة الطويلة، فكرت أنه يمكن أن أتقاعد بعد أن غادرت الـCNN في عام 2010 ولكنني لم أستطع، ولكننا بدأنا بعد ذلك بالبرنامج التلفزيوني المتواصل منذ أكثر من 6 أعوام. ما يجعلني أستمر هو أنني أحب عملي، أحب طرح الأسئلة ولم يكن لدي أدنى فكرة أنني سأستمر على الهواء لـ61 عاماً.
> لو عاد بك الوقت، هل كنت ستعمل في الإعلام أم أنك ستختار مهنة أخرى وحقلاً آخر؟
- لو عاد بي الزمن لعملت في الإعلام. أحب ما أقوم به، لكن لو لم أقم بذلك، فقد أختار وقتها أن أكون كوميدياً، تحديداً الكوميديا الارتجالية، وأنا أقوم بذلك من وقت لآخر، سرد القصص بأسلوب كوميدي حين أتحدث في محافل عامة. ولكن ستكون مهنتي المفضلة في الإعلام، وسعيد أن المصادفة قادتني لذلك. وصدقني، لا شيء يعادل التواصل مع العالم ومقابلة الناس وطرح الأسئلة على أشخاص هم محط اهتمام الجميع.
> هل تعتقد أن من يعمل في الإعلام يمكنه أن يتقاعد يوماً ما؟
- من الصعب التقاعد من الإعلام، لا أسمي الإعلام عملاً. أحب ما أقوم به وأحب مقابلة الناس، لا أعلم ممّ ولم سأتقاعد. ويجب على أي شخص يعمل في مجال الإعلام ألا يسأل نفسه هذا السؤال، لأنه لن يستطيع فعل ذلك.
> سنعود معك إلى بدايات مسيرتك المهنية، هل تذكر ما كانت أسوأ لحظة بالنسبة لك في الإذاعة أو في التلفزيون؟
- أول يوم لي في الإذاعة، كان مخيفاً، لم أكن أعلم ما سأقول، أعطوني اسماً جديداً، وكنت متوتراً. أردت دائماً العمل في الإذاعة لكنني في ذلك اليوم لم أعتقد أنني سأتكلم جيداً، ولم أستطع أن أقول شيئاً. المدير العام شرح لي أنها مهنة تواصُل، وقال لي «تواصَل»، فشّغلت المايكروفون وأخبرت المستمعين حقيقة ما كان يحصل، وحقيقة حصولي على اسمٍ جديد للتو، وحقيقة توتري. ومنذ تلك اللحظة لم أعد متوتراً وأصبحت ثقتي بنفسي مطلقة على الهواء. أحب ما أقوم به. لذا يمكنني أن أقول إن أسوأ لحظة كانت أول لحظة.
> خلال مسيرتك الطويلة، من كان الضيف المفضل الذي حاورته؟
- من الصعب اختيار واحد، ولكن يمكنني تسمية فرانك سيناترا، ومارلون براندو، ومارتن لوثر كينغ، ونيلسون مانديلا... في مجال الترفيه، أختار سيناترا وبراندو. هما ضيفاي المفضلين.
> وفي المجال السياسي؟
- قابلت رؤساء، ورؤساء حكومات، وزعماء من مختلف أنحاء العالم، فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والمكسيك، وجنوب أميركا... واللائحة طويلة.
> بعد إجرائك أكثر من 60 ألف مقابلة، من هي الشخصية التي كنت تتمنى محاورتها ولم تحظَ بالفرصة؟
- فيديل كاسترو، اعتقدت أنه يمكنني تدبير لقاء معه عندما ذهبت إلى كوبا منذ بضعة أعوام، ولكنني لم أستطع. كاسترو قاد بلاده لأكثر من 60 عاماً، ولا أعتقد أن هناك زعيماً غيره فعل ذلك. بغض النظر عن الرأي السياسي به، لكان الحديث معه ساحراً.
> إن كانت لديك فرصة لإجراء آخر مقابلة في حياتك مع من ستكون؟
- أتمنى أن أعيش طويلاً، ما يكفي لمقابلة «ذاك الرئيس الذي لم يولد بعد». أحب مقابلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إنها سيدة قوية وساحرة، أعتقد أنها أقوى شخصية في أوروبا، كذلك أحب مقابلة رئيسة وزراء بريطانيا السيدة تيريزا ماي، والرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
> هل تذكر جميع المقابلات التي أجريتها؟
- أبداً، ألتقي بالكثيرين وأجري الكثير من المقابلات ولا أذكر الكثير منها. لكن هناك مقابلات مفضلة لدي.
> من يساعدك في إعداد الأسئلة؟
- لا أحد يحضّر لي الأسئلة، أنا أحضر أسئلتي بنفسي. معي فريق عمل رائع يقدّم لي معلومات ووقائع عن الأشخاص، وهذا أفضل فريق عملت معه. كان طاقم العمل في الـCNN أكبر، ولكن الفريق الحالي هو الأفضل. وأهم نقطة في طرح الأسئلة هي الاستماع للإجابات، لأنها تنقلك إلى استطراد وسؤال جديد في غالبية الأحيان.
> ظننت أن هناك فريقا كبيرا من المعدين!
- لا، كما قلت لك، يجمعون المعلومات عن الضيوف ويجهزونها.
> ماذا عن خبرتك مع الروس، لماذا قبلت عرضهم للانتقال إلى قناة RT (روسيا اليوم)؟
- لم أنتقل إلى قناة روسيا اليوم RT، بل هم من عقدوا اتفاقاً مع Ora.tv، أنا أملك نسبة من الشركة ولكنها ليست النسبة الأكبر، هم رخّصوا برنامجي ولكنني لا أعمل معهم، ولا يتدخلون أبداً ببرنامجي، ولا يملكونه. في برنامجي Politicking تُنتقَد روسيا وكذلك بوتين، ولا يتم اقتطاع أي قسم منه. أعتقد أن عملي يسير جيداً.
> وقبل ذلك، خلال عملك مع الـCNN هل أُرغمت يوماً على قول أي أمر، أو تغيير وجهة نظرك السياسية؟
- أبداً، أعتبر نفسي محظوظاً، لم يُطلَب مني ذلك أبداً خلال سنوات عملي، لم يملِ علي أحد ما يجب أن أقوم به وما لا يجب فعله.
> ما رأيك بما يدور اليوم في أروقة الإعلام، وبمصطلح «الأخبار الملفقة»؟
- لا أعلم ما يعنيه هذا المصطلح، أنا في مجال الإعلام منذ زمن، في منزلي أشاهد الـCNN ولم أقل أو أسمع أي كلمة ملفقة، ولم أرَ تغطية أخبار غير صحيحة. هناك أخبار متعنتة على بعض القنوات ك MSNBC وFOX. أخبارهم متعنتة ولكن لم أرَ قط أخباراً ملفقة. لذا قد نقول إن هذه القناة أو تلك أخذت موقفاً معيناً، انحازت، لكنها لا تستطيع تلفيق الأخبار، خصوصاً الوسائل الإعلامية المهنية والمعروفة.
> هل تعتقد أن الإعلام بخطر بسبب مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أنهما يكمّلان بعضهما؟
- على مواقع التواصل، يعبّر كل إنسان عن رأيه ويعطي معلومات، والناس يستعملونها بكثرة. لا أعير الكثير من الاهتمام للموضوع، هناك بعض المجهولين الذين يعبّرون عن رأيهم وليسوا سيئين، ولكنني لا أهتم. أتابع باهتمام الشبكات الكبرى مثل «سي بي إس»، «إن بي سي» و«إيه بي سي». وأحب وأحترم عمل الكثير من وسائل الإعلام مثل «نيويورك تايمز»، و«لوس أنجليس تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«بي بي سي» وغيرها. الإعلام بخير، والصحف بدأت تختفي في أميركا وكذلك الكتب والموسوعات، لأن كل شيء أصبح معتمداً على الإنترنت. العالم في تغيرّ.
> هذا يأخذنا لسؤال مرتبط، بصيغة أخرى، هل ترى أن الصحافة ستختفي أو المطبوعات هي ما سيختفي؟
- أحب المطبوعات وأتمنى ألا تختفي، كنت أكتب عاموداً لسنوات لـUSA TODAY ول MIAMI HERALD آسف وأحزن لأن أولادنا لا يقرأون الصحف. لدي أولاد مراهقون لا يقرأون الصحف، يجمعون معلوماتهم من هواتفهم ومن التلفزيون. ولكن لا يمكننا إيقاف الزمن والتطور التكنولوجي. أمر مؤلم أن تقرأ في الصحيفة اليوم أخباراً سمعتها في الأمس.
> في إحدى مقابلاتك غضب ضيفك جيري ساينفيلد. أخبرنا لمَ؟
- غضب لأنني سألته عن إلغاء برنامجه، وهذا كان خطأ مني. في الواقع لم أشاهد برنامجه قط لأننا كنا على الهواء في الوقت نفسه، فلم يتسن لي مشاهدة برنامجه قبل استضافته، إلى حين مغادرتي CNN والآن أشاهد برنامج ساينفيلد منذ سنوات، وهو رائع وفهمت سبب نجاحه، وبعد ذلك أصبحنا أصدقاء ومثّلت في فيلمه The Bee Movie وقدّمنا مشاهد معاً. ثم ظهر ضيفاً في برنامجي مرة أخرى.
> يُقال إن لاري كينغ لا «يحشر ضيوفه» في الزاوية، ولا يقاطعهم بل يسألهم أسئلة ويدعهم يجيبون براحة. ما هو تعليقك على هذا؟
- لا أؤمن بالمقاطعة، ولكنني لم أخف يوماً من طرح أي سؤال. أنا أسأل بطريقة مختلفة غير تصادمية، نحن نقدم برنامجاً ترفيهياً أكثر من كونه برنامجاً حوارياً وأصل دائماً إلى الهدف الذي أريده. سمعتُ هذا التعليق عدة مرات، ولكنني لم أر أبداً مثالاً جيداً عنه.
> لم قد يقال عنك هذا الكلام؟
- لم أفهم يوماً السبب، ربما بسبب الغيرة، أنا أطرح أسئلة جيدة، أستمع إلى الإجابات، وأنا متابع جيد. أنا صحافي أريد أن أعرف كل شيء عن كل شيء، لا يمكنني أن أملي على الناس ما يحبون وما لا يحبون، أقدم برنامجي بأسلوبي وأحب عملي ويمكنك أن تحبني أو لا تحبني. إن شاهدت أي مقابلة من مقابلاتي، ستتعلم الكثير، وستكون أكثر اطلاعاً بعد انتهائها.
> لمَ لاري كينغ مختلف؟ لم أنت أكثر شهرة من أي إعلامي؟
- لا أعلم أنني مختلف، أقدم نفسي على طبيعتي فقط، أحدهم قال لي منذ سنوات «السرّ الوحيد في مهنتك هو أنه لا يوجد أي سرّ، كن أنت» وهذا ما أفعله دائماً، لا أعلم كيف أعمل. أحب التلفزيون والإذاعة والمطبوعات، وأحب عالم التواصل برمته، إن كنت تحب ما أفعله فأنت تحبه، وإن لم تحبه فلا يمكنني إرغامك.
> لكن لماذا أنت أحد أشهر المذيعين؟ لماذا أنت؟
- فكرت بذلك كثيراً، قد يكون السبب أنني لا أحاول الظهور أو التظاهر أنني نخبوي، ولا أملك أجندة معينة. أنا فضولي، وأحب الأسئلة القصيرة وأسأل أسئلة قصيرة، وأترك الغرور خارج باب الاستوديو، بل خارج الحياة. أسئلة ما يريد الناس سؤاله، وألقى الإجابة. باختصار هذا ما أفعله طيلة السنوات الماضية.
لا أريد أن أبالغ، لكن أستمتع بالحديث مع أي شخص ولا فرق لدي في التحدث مع شخص في الشارع أو مع الرئيس، أحب الاستماع إلى قصص الآخرين وطرح الأسئلة حولها، وهذه هي النقطة والتي سأكررها: أطرح الأسئلة ببساطة والأسئلة التي يريد أن يعرفها رجل الشارع البسيط، الأسئلة التي لم يفكروا بها، هذا ليس شرطاً، المهم أنهم يريدون أن يعرفوا الإجابة المتعلقة بهذه الأسئلة. هذا كل ما في الأمر.
> هل شاهدت مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في برنامج «ستون دقيقة» على قناة سي بي إس؟
- طبعاً وكان رائعاً. أنا مهتم فعلاً بما يفعله، هو يغيّر البلاد وأرى الأمور الكبيرة قادمة إلى السعودية، أشياء لم نرها من قبل.
> هل تعتقد أنك ستجري مقابلة مع الأمير محمد؟
- هذا سيكون رائعاً، أحب إجراء مقابلة مع العاهل السعودي الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. متفائل بذلك... أرى السعودية تتغير بسرعة، وهذا نوع من أنواع الثورة. إنه شاب مميز، أحب الأشخاص الذين يغيّرون ويحوّلون وهذا ما يفعله الأمير محمد بن سلمان. وأتمنى له الأفضل.
> ما هي نصيحتك لمن يعملون في الإعلام ويريدون أن يكونوا مثلك؟
- دائماً كونوا أنتم ولا تستسلموا. إن استطاع أحدهم إقناعكم أنكم لن تبلغوا هدفكم فلن تحققوه. إن أردتم الوصول ستصلون، هناك فرصة دائما للموهوبين في عالم الإعلام ستحصلون عليها إن أردتموها وإن امتلكتم الكفاءة المطلوبة.
> لدي سؤالان أو ثلاثة، عن حياتك الشخصية، إن أذنت لي؟
- تفضل
> مررت بأكثر من ظرف صحي حرج، مرض القلب، والسكري في 1987، وسرطان البروستاتا في 1999 وأخيراً عملية جراحية بسبب سرطان الرئة، كيف أثرت عليك هذه الظروف في مسيرتك المهنية، الحياتية، خصوصاً أنك دائماً تبوح بالخوف من الموت؟
- حسناً، كيف أثرت على حياتي؟ جعلتني أكثر صحة، وصحياً بشكل كبير. غيرت عاداتي الغذائية وبعض السلوكيات. توقفت عن التدخين، وأحاول أن أتناول الغذاء بشكل صحي. أصبح اهتمامي أن أحافظ على جسمي وعقلي بشكل جيد.
هذه العوارض الصحية المختلفة أجبرتني أيضاً على أن أزور الأطباء باستمرار، وأن أجعل الفحص الطبي المستمر أمراً أساسياً، ومن هذا الفحص عرفت بسببه بسرطان الرئة مبكراً وعالجته.
لدي وعي صحي كافٍ، لست مهووساً بذلك أو مدمناً على مراجعة الأطباء، لكنني مهتم. وأعتقد أنني محظوظ جداً.
> الذين يحبون لاري كينغ ويتابعونه منذ عشرات السنين يريدون معرفة جدوله اليومي، وجبته المفضلة، مسلسله المفضل، هوايته المفضلة. تفاصيل لا علاقة لها بالإعلام؟
- أستيقظ مبكراً جداً، الفطور يومياً مع مجموعة من الأصدقاء. نتناول الإفطار ونناقش السياسة والرياضة، كل ما يحدث في الأخبار، نتحدث عنه. أقرأ 5 صحف بشكل يومي كذلك، ثم أتوجه للاستوديو لتسجيل برنامجي وأنتهي من ذلك بداية المساء.
أحب مشاهدة الأخبار والرياضة على شاشة التلفزيون، أتعلم دائماً، وأقرأ باستمرار. ومن الهوايات التي أحبها، أو العادات بشكل أدق، الذهاب إلى السينما، مشاهدة الأفلام أمر ضروري.
للمتعة والضحك، أشاهد جميع الحلقات القديمة من مسلسل «ساينفيلد»، أخبرتك في بداية الحديث أنني لم أشاهد حلقة واحدة حين أجريت المقابلة مع جيري ساينفيلد.
من النشاطات شبه الدائمة، أذهب إلى مباريات البيسبول لفريق أولادي. ووجبتي المفضلة شرائح لحم الضأن، وهذه الوجبة كانت ولا تزال المفضلة لدي، منذ الطفولة مع بطاطا مطبوخة وسلطة السيزر. ولو سألتني عن الحلويات، فسأختار كعك الليمون.


مقالات ذات صلة

«منتدى مصر للإعلام» يناقش تأثير التحولات الرقمية المتسارعة على المهنة

يوميات الشرق جلسة لمنتدى الإعلام تناقش التحديات التي تواجهه (الشرق الأوسط)

«منتدى مصر للإعلام» يناقش تأثير التحولات الرقمية المتسارعة على المهنة

تحت شعار «2030: مَن سيستمر؟» انطلقت أعمال وجلسات النسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام 2025 بالعاصمة المصرية القاهرة لبحث مستقبل المهنة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الدكتور عبد الله المغلوث مساعد وزير الإعلام أعلن عن المنصة الرقمية للتواصل الدولي خلال الملتقى (واس)

السعودية تطلق مبادرات رقمية لتعزيز التواصل الدولي

أطلقت وزارة الإعلام السعودية منصة رقمية شاملة تُعنى بتعزيز التواصل الدولي، وطورتها بالاشتراك مع هيئة الحكومة الرقمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
آسيا مسؤولون وصحافيون يحضرون مؤتمراً صحافياً لـ«طالبان» في مركز الإعلام والمعلومات الحكومي بكابل - أفغانستان - 12 أكتوبر 2025 (أ.ب)

أفغانستان: «طالبان» تسحق حرية الإعلام

أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، الاثنين، أن جماعة «طالبان» دمّرت المشهد الإعلامي في أفغانستان، منذ سيطرتها على مقاليد الحكم بالبلاد، في أغسطس (آب) 2021.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - كابل)
آسيا قوات كوماندوز تابعة للجيش الباكستاني في راولبندي بباكستان (أ.ف.ب - أرشيفية)

باكستان ترفض مزاعم قناة تلفزيونية هندية حول إرسال إسلام آباد قوات إلى غزة

رفضت باكستان بشكل قاطع الدعاية التي بثتها قناة تلفزيونية هندية، وزعمت فيها أن باكستان تستعد لإرسال 20 ألف جندي إلى غزة تحت إشراف دول غربية وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الولايات المتحدة​ مكاتب إذاعة آسيا الحرة كما بدت في مارس الماضي بعد قرار ترمب وقف تمويلها (رويترز)

إذاعة «آسيا الحرة» توقف البث بسبب نقص التمويل من الحكومة الأميركية

أعلنت إذاعة «راديو فري إيجا» التي أسست قبل 30 عاماً لتغطية أخبار الصين ودول آسيوية أخرى، الأربعاء، أنها ستتوقف عن البث بسبب نقص التمويل من الحكومة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الجريمة... مشاهدة عالية ومصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
TT

الجريمة... مشاهدة عالية ومصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")
من "ادخلوا المتهم" ("إر ام سي")

شهدت وسائل الإعلام الفرنسية خلال العقد الأخير تحوّلاً جذرياً في طبيعة المحتوى الذي تقدّمه للجمهور. فقد انتقلت قضايا القتل والحوادث الجنائية من مجرد أخبار هامشيّة تحتل حيزاً ضئيلاً في النشرات الإخبارية، إلى ظاهرة إعلامية كاسحة تستحوِذ على اهتمام ملايين الفرنسيين. بل إن بعض المراقبين ما عادوا يترددون في وصف هذا الاهتمام بـ«الهَوَس الجماعي»، وهو وصف تدعمه أرقام المشاهدة الخيالية، والمبيعات القياسية للمجلّات المتخصّصة، والملايين من المتابعين على المنصّات الرقمية.

غير أن هذه الظاهرة لم تعُد مقتصرة على الحيِّز الإعلامي فحسب، بل تجاوزته لتصبح أداة سياسية فعّالة تستخدمها مختلف الأطراف السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية وتمرير أجندات معيّنة، ما بات يثير تساؤلات جوهرية حول تأثير هذه التغطية المكثّفة على المجتمع الفرنسي ومنظومته القيَمية.

شعار "المعهد الوطني للسمعي البصري" INA (إينا)

الأرقام المُذهلة

الأرقام لا تكذب، وهي تؤكد بما لا يدَع مجالاً للشكّ أن القضايا الجنائية أصبحت جزءاً أساسياً من النظام الإعلامي للفرنسيين. فقد كشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة «فيافوس» بمناسبة «المؤتمر السنوي للصحافة» في مدينة تور، بوسط فرنسا، عام 2025، عن أن 69 في المائة من الفرنسيين يتابعون بانتظام التغطية الإعلامية للحوادث والقضايا الجنائية. والأكثر دلالة أن 71 في المائة من هؤلاء المهتمّين يبحثون بشكل استباقيّ ومتعمّد عن معلومات حول القضايا الجنائية، بينما يتابع 26 في المائة منهم هذه الأخبار بشكل يوميّ ومُنتظم.

هذه المؤشّرات تنفي الزَّعم القائل بأن الاهتمام بالجريمة مجرّد فضول عابر أو اهتمام سطحي، بل هو سلوك متجذِّر وعميق يشكِّل جزءاً من الروتين اليومي لشريحة واسعة من المجتمع الفرنسي.

وعلاوة على ذلك، أكّد 62 في المائة من المُستجوَبين أنه «من الضروري» أن يتطرّق السياسيون إلى الحوادث الجنائية في خطاباتهم وبرامجهم، ما يوضح كيف تحوّلت هذه القضايا من مواضيع إعلامية بحتة إلى قضايا ذات أبعاد سياسية واجتماعية تشكّل الرّأي العام وتؤثّر في الخيارات الانتخابية.

التوسّع الكمّي في التغطية الإعلامية

من جهة ثانية، كشفت دراسة أخرى أجراها «المعهد الوطني للسمعي البصري» (INA) في فرنسا عن تطوّر مثير للقلق، فقد ازدادت حصّة الحوادث الجنائية في المساحة التحريرية لوسائل الإعلام بنسبة 73 في المائة بين عامي 2002 و2021.

هذه الزّيادة الهائلة تعني أن ما يقرُب من ثلاثة أرباع المساحة الإضافية في النشرات الإخبارية والبرامج أصبحت تخُصص لتغطية الجرائم والحوادث.

وتكشف المعطيات الجديدة عن منطق تجاريّ واضح، هو أن مثل هذه البرامج تحقّق نسب مشاهدة عالية، وبالتالي، تجني عوائد إعلانية ضخمة. وهذا ما يفسّر التفاوت في تغطية القنوات، فبينما تكاد الحوادث الجنائية تنعدم في القنوات العمومية والثقافية، كقناة «آر تي» الثقافية التي تخصّص أقل من 1 في المائة للأخبار الجنائية، فإنها تمثّل أكثر من 9 في المائة من تركيبة القنوات الإخبارية الخاصة كقناة «تي إف أو إم 6» مع تركيز خاص على أعمال العنف ضد الأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال. وللعلم، هذا التفاوت ليس عبثياً، بل يعكس نموذج التمويل والضّغوط التجارية التي تخضع لها كل قناة. ذلك أن القنوات الأكثر اعتماداً على المنطق التجاري والإعلانات - إضافة إلى وسائل الإعلام المحلّية - تميل إلى منح حيّز أكبر لهذا النوع من الأخبار.

السبب بسيط، وهو أن الحوادث الجنائيّة سهلة الإنتاج، بسبب تعاون المصادر الأمنية والقضائية بسهولة مع الصحافيين، الأمر الذي يجعل كلفة إنتاج هذا المحتوى منخفضة بالمقارنة مع كلفة إنتاج التحقيقات الاستقصائية الأخرى، كما أن أرباحها كبيرة.

شعار قناة "دوبل في 9" (آ ف ب/غيتي)

مصدر إيرادات للقنوات الصغيرة

وبالفعل، غدت البرامج المتخصّصة في القضايا الجنائية مصدر إيرادات رئيس للقنوات الصغيرة بفضل أرقام المشاهدة الاستثنائيّة التي تحقّقها. وكمثال، هناك قناة «آر إم سي» التي استطاعت أن تتصدر المشهد لسنوات بفضل برنامج «أدخلوا المتهم»، وهو برنامج انطلق عام 2000 ووصل إلى موسمه السادس والعشرين عام 2024.

ويتناول هذا البرنامج القضايا الجنائية الكبرى في فرنسا، مستعيناً بإعادة تمثيل الأحداث وشهادات المحقّقين والخبراء، مع أسلوب سردي درامي يُصور في ديكورات مُظلمة توحي بالغموض.

الأرقام كشفت عن أن حلقات الموسم الثالث والعشرين من البرنامج حققت نحو 513.000 مشاهدة لكل حلقة، وهذه أرقام وإن بدت متواضعة مقارنة بالبرامج الترفيهية الكبرى، فإنها استثنائية بالنسبة لقناة صغيرة.

الوضع نفسه ينطبق على قناة صغيرة أخرى تدعى «دوبل في 9» التي نجحت بفضل برنامج «تحقيقات جنائية» في تحقيق نسب مشاهدة عالية؛ إذ سجلت حلقة من ديسمبر (كانون الأول) 2020 رقماً قياسياً هو 1.3 مليون مشاهدة، مع متوسط نِسَب مشاهدة عامة تصل إلى 600 ألف في الحلقة الواحدة. هنا أيضاً يقدّم البرنامج تحقيقات معمّقة في قضايا جنائيّة معقدة، مع تركيز خاص على الجوانب الإنسانية والنفسيّة للجرائم، وقد تكون استمرارية البرنامج لأكثر من 15 سنة، على الهواء، دليلاً قاطعاً على نجاحه التجاري وقدرته على الاحتفاظ بجمهوره.

قنوات أخرى كبيرة، مثل «تي إف1» و«كنال بلوس» و«فرانس 2»، لم تتخلف عن الركب، بل أطلقت هي الأخرى برامج متخصّصة، أو أفردت حيّزاً كبيراً ضمن برامجها الوثائقية لتغطية القضايا الجنائية، في سباق محموم للاستحواذ على حصّة من هذه السوق الإعلامية المربحة.

يوتيوب: ثورة رقمية في تغطية قضايا الإجرام

على صعيد موازٍ، إذا كانت القنوات التلفزيونية التقليديّة قد استثمرت بكثافة في برامج الجريمة، فإن منصّات التواصل الاجتماعي، وتحديداً «يوتيوب»، شهدت ثورة حقيقية في هذا المجال.

صانعو المحتوى الرقمي أدركوا مبكّراً حجم الطلب الجماهيري على القصص الجنائية، وتمكّنوا من بناء إمبراطوريات إعلامية مستقلّة تنافس القنوات التقليديّة. موقع «ترو كرايم» الفرنسي سجّل وجود أكثر من 67 قناة فيديو متخصّصةً في محتوى الجريمة، ما يعكس حجم هذه الصناعة الإعلامية الناشئة.

«ماك سكيز»

في هذا السياق، يُعد صانع المحتوى الفرنسي الشاب «ماك سكيز» النموذج الأبرز لهذا النجاح الرقمي؛ إذ أطلق قناته على «يوتيوب» عام 2018، وفي غضون ست سنوات فقط، وصل عدد المُشتركين إلى ما يقارب مليوني مشترك بحلول عام 2024، وهذا رقم يفوق حجم جمهور العديد من البرامج التلفزيونيّة المتخصّصة. ثم إن محتواه الأسبوعي يحصد بانتظام ملايين المشاهدات، ما يجعله أحد أنجح صانعي المحتوى الفرنسي على الإطلاق.

طبعاً، هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، ذلك أن كل حلقة تحتاج لما بين 7 و10 أيام من البحث والتحضير، ويعمل معه فريق محترف يضمّ محرّرين للفيديو، وخمسة رسّامين، وثلاثة فنّانين متخصّصين في الرسوم الثّلاثية الأبعاد.


هل الذكاء الاصطناعي بريء من «تحريف الأخبار»؟

زيادة الاعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)
زيادة الاعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)
TT

هل الذكاء الاصطناعي بريء من «تحريف الأخبار»؟

زيادة الاعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)
زيادة الاعتماد تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

مرة أخرى تتجدد المخاوف بشأن زيادة انتشار «المعلومات المضللة» مع الإعلان عن نتائج بحث جديد، تظهر «تحريف» الذكاء الاصطناعي للأخبار. وفي حين أبدى خبراء مخاوف من تقويض ثقة الجمهور في الأخبار، شددوا على ضرورة «حوكمة» الذكاء الاصطناعي.

وفق بحث نشره اتحاد الإذاعات الأوروبية وهيئة الإذاعة البريطانية، الأسبوع الماضي، فإن «تطبيقات الذكاء الاصطناعي باتت تحرّف محتوى الأخبار في نصف ردودها تقريباً». وتابع البحث أن «45 في المائة من ردود الذكاء الاصطناعي احتوت على مشكلة واحدة كبرى على الأقل، و81 في المائة منها تتضمن شكلاً من أشكال المشاكل».

وكان البحث المشار إليه قد درس 3 آلاف ردّ على أسئلة عن الأخبار من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، هي «تشات جي بي تي» و«جيميناي» و«كوبايلوت» و«بربليكستي» بـ14 لغة مختلفة. وشارك فيه 22 مؤسسة إعلامية للخدمة العامة من 18 دولة. بينها؛ فرنسا وألمانيا وإسبانيا وأوكرانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

وبيّن البحث أن ثلث إجابات مساعدي الذكاء الاصطناعي أظهرت أخطاء جسيمة في المصادر، مثل الإسناد المفقود أو المضلل أو غير الصحيح، كما تضمنت 72 في المائة من ردود «جيميناي» مشاكل كبيرة في المصادر، مقارنة بأقل من 25 في المائة للتطبيقات الأخرى. وأضاف أنه «كانت هناك مشاكل في الدقة في 20 في المائة من ردود جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي محل الدراسة».

«اتحاد الإذاعات الأوروبية» أعرب، في تعليق له على الحصيلة، عن «مخاوفه» من أن يتسبب ذلك في «تقويض ثقة الجمهور في الأخبار»، خصوصاً مع زيادة الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي بديلاً لمحركات البحث التقليدية. وقال جان فيليب دي تيندر، مدير الإعلام في «اتحاد الإذاعات الأوروبية»، في بيان صحافي نقلته «رويترز»، إنه «عندما لا يعرف الناس ما الذي يثقون به، ينتهي بهم الأمر إلى فقدان الثقة في أي شيء على الإطلاق».

من جهتها، صرّحت الدكتورة سالي حمود، الباحثة الإعلامية اللبنانية في شؤون الإعلام المعاصر والذكاء الاصطناعي، وأستاذة الإعلام والتواصل، لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن «الذكاء الاصطناعي، حتى هذه اللحظة يفتقر إلى كثير من الحوكمة، ما يجعل ردوده منحرفة وغير دقيقة بحسب المعلومات التي يجري تلقينه بها... والتحريف إنما يستهدف دعم سردية معينة على أخرى، ما جعل الذكاء الاصطناعي جزءاً من الصرع والحروب الحالية».

وأكدت حمود على «ضرورة أن يعي الصحافيون ذلك، وأن يضعوا ما ينتجونه من محتوى على المنصّات الرقمية في محاولة تغيير السرديات السائدة وتقليل انحراف الأخبار والمعلومات»، مشيرة إلى محاولات عدة لـ«حوكمة الذكاء الاصطناعي» ومشددة على «ضرورة مشاركة الجميع؛ باحثين وعلماء وإعلاميين في وضع أسس التعامل مع الذكاء الاصطناعي».

حمود اعتبرت من جانب آخر، أنه «لا بد من التعاون العربي في هذا المجال لحماية اللغة والسردية والفكر والثقافة العربية في ظل سيطرة السرديات الغربية»، وسط تزايد الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمصادر للأخبار. وللعلم، وفق تقرير الأخبار الرقمية لعام 2025 الصادر عن «معهد رويترز» فإن نحو 7 في المائة من جميع متصفّحي الأخبار على الإنترنت و15 في المائة ممّن تقل أعمارهم عن 25 سنة يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحصول على الأخبار.

محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، علّق أيضاً على هذا الموضوع فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الذكاء الاصطناعي – في رأيه – يمثّل اليوم بالفعل تحدّياً وجودياً لسلامة المعلومات. وهو بدلاً من تحريف الأخبار... يختلق النموذج اللغوي الكبير حقائق تبدو مقنعة شكلاً، لكنها مضللة وغير صحيحة، ما يضخم التضليل المعلوماتي والتزييف العميق بكميات هائلة وبمصداقية شكلية فقط». وأردف فتحي: «هذا الواقع يبدّد الخط الفاصل بين الحقيقة والزيف، ويهدد ثقة المستخدمين في المحتوى الرقمي»، لافتاً في هذا الصدد إلى دراسة أخرى أفادت بأن «قدرة الإنسان على تمييز الفيديوهات المزيّفة تصل إلى نحو 24.5 في المائة فقط للفيديوهات العالية الجودة».


«قيود البنتاغون» تفتح نقاشاً دستورياً حول حرية الصحافة الأميركية

مبنى "البنتاغون" بضواحي مدينة واشنطن (آ ب)
مبنى "البنتاغون" بضواحي مدينة واشنطن (آ ب)
TT

«قيود البنتاغون» تفتح نقاشاً دستورياً حول حرية الصحافة الأميركية

مبنى "البنتاغون" بضواحي مدينة واشنطن (آ ب)
مبنى "البنتاغون" بضواحي مدينة واشنطن (آ ب)

لم يكن خروج عشرات الصحافيين من مكاتبهم داخل مبنى «البنتاغون»، مقر وزارة الحرب الأميركية، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، حدثاً إدارياً عابراً. فالمشهد، الذي بدا أقرب إلى احتجاج جماعي صامت، كشف عن عمق التحوّل في علاقة المؤسسة العسكرية الأميركية بالإعلام، وأعاد إلى الواجهة سؤالاً قديماً جديداً هو: هل لا تزال الديمقراطية الأميركية قادرة على التوفيق بين مقتضيات الأمن القومي وحق المواطن في المعرفة؟

«البنتاغون» مغلق أمام الإعلام

القرار الذي أصدره وزير الحرب، بيت هيغسيث، بفرض وثيقة جديدة على الصحافيين المعتمدين داخل «البنتاغون»، تحظر عليهم طلب أو تداول أي معلومة غير مصرّح بها مسبقاً، فجّر عاصفة من الاعتراضات في الأوساط الإعلامية والقانونية.

الوثيقة، الممتدة على إحدى وعشرين صفحة، تحمل طابعاً تنظيمياً ظاهرياً، لكنها عملياً تعيد تعريف حدود العمل الصحافي في واحدة من أكثر المؤسّسات نفوذاً في العالم. إذ تنصّ على أن أي محاولة للاتصال بمسؤول من دون إذن رسمي تُعد «تشجيعاً على خرق القانون».

وزارة الحرب دافعت عن الإجراء بصفته «خطوة لحماية المعلومات الحسّاسة»، لكن معظم المؤسسات الإعلامية الأميركية الكبرى رأت فيه سابقة خطيرة تتعارض مع التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية التعبير والصحافة، ويمنع الحكومة من فرض رقابة مسبقة.

وعن هذا علّق البروفسور جوناثان تيرلي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية: «الشفافية ليست امتيازاً تمنحه الحكومة للإعلام، بل واجب دستوري لضمان المحاسبة العامة. وما يجري في البنتاغون يختبر صلابة هذا المبدأ في زمن صعود النزعات السلطوية».

وحدة غير مسبوقة في صفوف الإعلام

اللافت أنه في مشهد نادر، توحّدت مؤسسات إعلامية أميركية من مختلف الاتجاهات؛ من «فوكس نيوز» و«نيوزماكس» المحافظتين إلى «واشنطن بوست» و«سي إن إن» و«نيويورك تايمز» الليبرالية، في رفضها التوقيع على الوثيقة.

وأصدرت هذه المؤسسات بياناً مشتركاً قالت فيه إن «الصحافة الحرّة لا يمكن أن تعمل تحت إشراف الجهات التي يُفترض أن تراقبها».

وحدها شبكة «وان أميركا نيوز»، المقرّبة من الرئيس دونالد ترمب، وحركة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة) وافقتا على الشروط الجديدة، لتصبح الوسيلة الوحيدة التي احتفظت بحق الوصول الدائم إلى مكاتبها داخل «البنتاغون». أما بقية المراسلين فقد غادروا المبنى حاملين ملفّاتهم وأجهزتهم في مشهد وصفته «واشنطن بوست» بأنه «الأكثر رمزية منذ الحرب العالمية الثانية»، حين أُغلقت أبواب وزارة الدفاع (الحرب، اليوم) أمام المراسلين لأول مرة منذ تأسيسها عام 1943.

بين الأمن القومي وحق المواطن

تكمن خطورة الأزمة، وفق عدد من الخبراء، في انتقالها من كونها مسألة تنظيم إداري إلى قضية دستورية وديمقراطية تمسّ جوهر النظام الأميركي.

ففي بلد تبلغ فيه ميزانية الدفاع نحو تريليون دولار سنوياً، يغدو الوصول إلى المعلومات العسكرية والسياسات الدفاعية جزءاً أساسياً من حق الجمهور في مراقبة كيفية إنفاق أمواله العامة.

ويوضح مايكل أوهانلون، الباحث في معهد بروكينغز، أن «الجيش الأميركي مؤسسة وطنية، لكنها ليست فوق المساءلة. وبالتالي، من دون إعلام حرّ، يصبح الحديث عن الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية مجرّد شعار».

غير أن البيت الأبيض تبنّى رواية مختلفة. إذ قال الرئيس ترمب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع هيغسيث: «لسنا بحاجة إلى صحافيين يتجوّلون بين جنرالاتنا كما لو كانوا في نزهة. نحن نحمي أسرار بلدنا». وأردف أن «الحكومة تحمي أسرارها؛ لا لأنها تخفي شيئاً، بل لأنها لا تثق بمَن يحاولون تسييسها». وهذه عبارة فسّرها مراقبون على أنها استمرار في نهج الإدارة الذي يرى في الإعلام «طرفاً معادياً» وليست «سلطة رقابية».

الوزير بيت هيغسيث (آ ب)

المعركة القانونية المقبلة

من جهة ثانية، استعانت نقابة مراسلي «البنتاغون» بمكتب محاماة لرفع دعوى أمام القضاء الفيدرالي، مطالبة بإلغاء الوثيقة بوصفها تقييداً غير دستوري لحريّة الوصول إلى المعلومات.

وتشير مصادر قانونية إلى أن الدعوى قد تتحوّل إلى قضية مفصلية في تاريخ القضاء الأميركي، على غرار قضايا «أوراق البنتاغون» خلال السبعينات التي أرست مبدأ حق الصحافة في نشر الوثائق السرّيّة إذا كان النشر يخدم المصلحة العامة.

ويقول المحامي توماس ديفين، الخبير في قضايا الشفافية، إن «النزاع الحالي لا يدور حول امتيازات الصحافيين، بل حول حق كل مواطن في معرفة ما تفعله حكومته بأمواله وباسمه. فحين تُغلق المعلومة، تُغلق الديمقراطية معها».

تسييس المؤسسة العسكرية

ولكنَّ جانباً آخر من الجدل يتّصل بشخصية الوزير نفسه. فبيت هيغسيث، وهو مقدّم سابق في الجيش ومذيع يميني سابق في «فوكس نيوز»، يُعدّ من أبرز المدافعين عن سياسات ترمب الإعلامية. ولقد بنى فريقه داخل الوزارة على قاعدة الولاء السياسي، وفق ما كشفت عنه تسريبات صحافية عدة. ولذا، يرى محلّلون أن ما يحدث راهناً في «البنتاغون» انعكاس لتسييس متزايد للمؤسسة العسكرية، وتحويلها من جهاز بيروقراطي مهني إلى سلاح في معركة ترمب المفتوحة مع الإعلام. ذلك أن القرار ليس فقط حول إدارة الوصول إلى المعلومة، بل حول مَن يملك رواية القوة في واشنطن: الصحافة أم السلطة؟

أيضاً، يرى مراقبون أن النتائج المُحتملة لهذا النهج قد تؤدي إلى تداعيات عدّة، أبرزها:

- إضعاف الرقابة المدنية. مع حرمان الصحافيين من مصادرهم غير الرسمية، ستتقلص قدرة الإعلام على الكشف عن التجاوزات أو مراقبة النفقات العسكرية.

- انزلاق قانوني محتمل. إذا أقرّت المحاكم بصلاحية الوثيقة، سيصبح ذلك سابقة قد تشجّع مؤسسات فيدرالية أخرى على فرض قيود مشابهة.

- تآكل الثقة العامة. في ظل انقسام سياسي حاد، قد يعمّق هذا القرار الشكوك في صدقية المؤسسات الرسمية وحيادها.

ولكن من منظور أوسع، تُعد «قيود البنتاغون» جزءاً من جدل أعمّ حول إعادة تعريف الشفافية في الحقبة الترمبية. إذ إن الإدارة الحالية تطرح نموذجاً يرى في الانضباط الإعلامي شرطاً للأمن القومي، في حين يرى منتقدوها أن الشفافية -في حد ذاتها- هي ضمانة هذا الأمن. بل يقول البعض إنه «في الديمقراطيات، المعرفة لا تهدِّد الدولة، بل الجهل هو الذي يهددها».

وهكذا في ضوء ما تقدّم، ما عادت قضية «البنتاغون» صراعاً عابراً بين الصحافة والسلطة، بل صارت اختباراً لمناعة النظام الأميركي أمام نزعة السرّيّة الحكومية. فكلّما ضاقت مساحة الوصول إلى المعلومة، تراجع حضور المواطن في المعادلة السياسية، وتحوّلت الديمقراطية إلى طقسٍ شكليّ خالٍ من الجوهر الرقابي.

وكذلك، بين مَن يرفع شعار الأمن القومي ومَن يتمسّك بحق المعرفة، تقف الولايات المتحدة أمام سؤالها المؤسس والأصعب منذ قيامها: مَن يراقب مَن في واشنطن؟