لبنان: «تفضيلي» الانتخابات يهشم التحالفات

«العونيون» ابتعدوا عن «القوات»... و«المستقبل» لاذ باصطفافات العهد

لبنان: «تفضيلي» الانتخابات يهشم التحالفات
TT

لبنان: «تفضيلي» الانتخابات يهشم التحالفات

لبنان: «تفضيلي» الانتخابات يهشم التحالفات

«تحالفات هجينة»، هو المصطلح الأكثر استخداماً في وصف خريطة التحالفات الانتخابية النيابية اللبنانية. وهي انتخابات جمعت الأضداد، وقرّبت بين المتخاصمين، وأبعدت الحلفاء، وفتحت فجوات بين الخطاب السياسي لبعض الأحزاب وخطاب مؤيديها. وهكذا، اتجهت إلى تكريس «المصلحة الانتخابية» وتقديمها على أي مبدأ آخر، حتى لو تحالف اليمين مع اليسار، والمجتمع المدني مع بعض مؤيدي السلطة، والأثرياء مع الأحزاب، بل حتى لو دافع المرشحون لتبرير تحالفاتهم مع خصوم سياسيين، باعتبار «المصلحة الانتخابية تقضي بذلك».
غير أن صدمة التحالفات، ليست إلا جزءاً يسيراً من تعقيدات المشهد الانتخابي الذي يبدأ من قانون الانتخاب - وهو قانون يعتمد للمرة الأولى في لبنان نظام الاقتراع النسبي - ولا ينتهي بالصراع في اللوائح المتحالفة نفسها على الأصوات التفضيلية التي يفرض القانون على المقترعين تسمية إحداها في اقتراع اللائحة. ويقول بعض خبراء، إن القانون «أوجد معادلة الصراع الداخلي»، وفي طليعة تداعياته أنه سيقلص أحجام الكتل النيابية الكبيرة، مثل كتلتي «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» (التيار العوني)، ويتيح المجال لكتل سياسية أخرى بأن تزيد مقاعدها، مثل «القوات اللبنانية»، كما يفتح المجال أمام قوى 8 آذار للاقتراب من تحصيل ثلث مقاعد البرلمان.
أما الأمر المؤكد، فهو أن هذه الانتخابات ستنتج مشهداً جديداً للاستقطاب السياسي، يلغي الاصطفافات السابقة التي شهدها لبنان منذ عام 2005؛ ذلك أن التسوية الرئاسية اللبنانية، ستنتج قطبين جديدين، أولهما تحالف «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» على ضوء التقارب الموضوعي بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، في مقابل قطب آخر يمثله رئيس البرلمان نبيه برّي ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
تنهي الانتخابات النيابية اللبنانية التي انطلقت مرحلتها الأولى أمس (الجمعة) باقتراع المغتربين في 6 بلدان عربية، مراوحة سياسية بين الأقطاب اللبنانيين أنتجها البرلمان السابق في العام 2009. لم يولد قانون الانتخابات اللبناني، الذي توصل إليه الأفرقاء الشهر الماضي، إلا بعد انعقاد عشرات الجولات من اللقاءات، امتدت على مدى خمس سنوات، ودرست خلالها طروحات عدة أنتجت قانوناً يعتمد الاقتراع وفق النظام النسبي، وهو النظام الذي يعتمد لأول مرة في لبنان منذ إعلان دولة «لبنان الكبير» عام 1920. ويشكل إقرار القانون الجديد نقلة نوعية مهمة في مسيرة الحياة السياسية وتحولاً إلى النسبية بعد 91 سنة من أنظمة تقوم على الأكثرية، مع الإشارة إلى أن القانون الأكثري اعتمد منذ عام 1926. ويفرض القانون على المرشحين اختيار لائحة من اللوائح المطبوعة سلفاً، واختيار صوت تفضيلي واحد على أساس القضاء الذي ينتخب فيه، علماً بأن مجموع الأسماء التفضيلية التي حازها كل مرشح يحدد أسماء الفائزين في كلّ لائحة.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اعتبر في رسالة وجهها إلى اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، عشية انطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية في الدول العربية ودول الانتشار، أن «الانتخاب واجب وطني، وهو فعل وجود». وأردف، إنه «الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية»، معتبراً أن «الحرية مسؤولية، وكذلك الاختيار». وحث عون المواطنين على التحرّر من «وسائل الضغط والأغراء التي تفسد الضمائر»، وإلى رفض الاقتراع «لمن يدفع ويسخو بالمكرمات»؛ لأن «من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعباً عليه أن يبيع الوطن».
عون، الذي التزم منذ وصوله للرئاسة بإجراء انتخابات نيابية جديدة، اعتبر أيضاً أن «صحة التمثيل وفعاليته... يؤمنهما القانون الانتخابي الجديد»، وقال إن «الصراع الذي نشأ بين أعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي لا يعود إلى القانون، لكن إلى المرشحين» نتيجة «نقص في التعاون بين أفراد اللائحة الواحدة».
- بيروت... والجنوب
بموجب القانون الجديد، قُسمت الدوائر الانتخابية إلى 15 دائرة. في العاصمة بيروت هناك دائرتان: «دائرة بيروت الأولى» (ذات الغالبية المسيحية في الجزء الشرقي من العاصمة) تضم أحياء المدوّر والرميل والصيفي والمرفأ والأشرفية. وينتخب أبناء بيروت في هذه الدائرة ثمانية نواب: ثلاثة نواب عن الأرمن الأرثوذكس، ونائب واحد عن كل من الأرمن الكاثوليك والموارنة والروم الكاثوليك والأقليات (السريان واللاتين والكلدان والأشوريون واليهود). أما «دائرة بيروت الثانية» ذات الغالبية المسلمة (في الجزء الغربي من العاصمة) فتضم أحياء المزرعة والمصيطبة، ورأس بيروت، وعين المريسة، وميناء الحصن، وزقاق البلاط، والباشورة، وخصّص لهذه الدائرة 11 نائباً، هم ستة نواب عن السنة، واثنان عن الشيعة، ونائب واحد عن كل من الدروز والروم الأرثوذكس والإنجيليين (البروتستانت).
وقُسم الجنوب إلى 3 دوائر انتخابية: أولها دائرة «الجنوب الأولى» التي تضم قضاءي صيدا وجزين، وتتمثل بخمسة نواب: اثنان عن الموارنة، واثنان عن السنة، ونائب واحد عن الروم الكاثوليك، ودائرة «الجنوب الثانية» وتضم صور والزهراني (قرى قضاء صيدا) وتتمثل بسبعة نواب، ستة منهم عن الشيعة ونائب واحد عن الروم الكاثوليك، أما دائرة «الجنوب الثالثة» فتضم أقضية حاصبيا، ومرجعيون، وبنت جبيل، والنبطية، وتتمثل بـ11 نائباً، هم: ثمانية نواب عن الشيعة، ونائب واحد عن كل من الروم الأرثوذكس، والسنة، والدروز.
- كبرى المحافظات
محافظة جبل لبنان هي المحافظة الأكبر سكاناً في البلاد، وتضم ضواحي كبيرة في شرقي العاصمة بيروت، ولقد قُسمت إلى 4 دوائر انتخابية، هي: «جبل لبنان الأولى» التي تضم قضاءي كسروان وجبيل، وتتمثّل بثمانية نواب هم: سبعة نوّاب عن الموارنة، ونائب واحد عن الشيعة. و«جبل لبنان الثانية» التي تضم قضاء المتن الشمالي، وتتمثل بثمانية نوّاب، هم: أربعة نواب عن الموارنة، ونائبان عن الروم الأرثوذكس، ونائب واحد عن كل من الروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس. و«دائرة جبل لبنان الثالثة» التي تضم قضاء بعبدا (المتن الجنوبي أو المتن الأعلى)، وتتمثل بستة نواب، هم: ثلاثة عن الموارنة، واثنان عن الشيعة، ونائب واحد عن الدروز. وأخيراً «دائرة جبل لبنان الرابعة» التي تضم قضاءي عاليه والشوف، وتتمثل بـ13 نائباً، هم: خمسة عن الموارنة، وأربعة عن الدروز، واثنان عن السنة، وواحد عن كل من الروم الكاثوليك، والروم الأرثوذكس.
- الشمال... والبقاع
الشمال اللبناني، بشمال غربي لبنان قُسم إلى 3 دوائر انتخابية، هي: «دائرة الشمال الأولى» التي تضم محافظة عكار بأقصى الشمال، وتتمثل هذه الدائرة بسبعة نواب، هم: ثلاثة نواب عن السنة، ونائبان عن الروم الأرثوذكس، ونائب واحد عن كل من الموارنة والعلويين. و«دائرة الشمال الثانية»، التي تضم طرابلس والمنية والضنّيّة، وتتمثّل بـ11 نائباً، هم: ثمانية عن السنة ونائب واحد عن كل من العلويين والموارنة والروم الأرثوذكس. و«دائرة الشمال الثالثة» التي تضم أقضية البترون، وبشرّي، والكورة، وزغرتا، وتتمثّل بعشرة نوّاب، هم سبعة عن الموارنة، وثلاثة عن الروم الأرثوذكس.
وأخيراً، قُسمت محافظة البقاع – وهي الأكبر مساحة في البلاد، والتي تغطي معظم شرق لبنان – إلى 3 دوائر، هي: «دائرة البقاع الأولى» (بشمال المحافظة) التي تضم قضاءي بعلبك والهرمل، وهي تتمثل بعشرة نواب، هم: ستة نواب عن الشيعة، ونائبان عن السنة، ونائب واحد عن كل من الموارنة والروم الكاثوليك. و«دائرة البقاع الثانية» التي تضم قضاء زحلة، وتتمثل بسبعة نواب هم: نائبان من الروم الكاثوليك، ونائب واحد عن كل من الشيعة والسنة، والموارنة، والروم الأرثوذكس، والأرمن الأرثوذكس. و«دائرة البقاع الثالثة» التي تضم قضاءي البقاع الغربي وراشيا في جنوب البقاع، وتتمثّل بستة نواب، هم: نائبان عن السنة، ونائب واحد عن كل من الدروز، والشيعة، والروم الأرثوذكس، والموارنة.
- انتخابات المغتربين
لقد انطلقت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية أمس (الجمعة)، باقتراع المغتربين اللبنانيين في ست دول عربية، على أن يُستكمل انتخاب المغتربين في 34 دولة أخرى يوم غد (الأحد). وللعلم، يتيح قانون الانتخاب الحالي، للمرة الأولى، للناخبين اللبنانيين في بلاد الاغتراب، الاقتراع في الانتخابات النيابية. ووفق المعلومات الرسمية، تسجّل للمشاركة بالاقتراع 82970 ناخباً يتوزّعون على 40 بلداً في 6 قارات، خُصّص لهم 96 مركزاً تضم 232 قلم اقتراع. وسيشكّل المسجّلون في الخارج 2.22 في المائة من عدد الناخبين الإجمالي البالغ 3.744.245 ناخباً يحق لهم الانتخاب في دورة عام 2018.
عملية انتخاب المغتربين ترافقت بتحدٍ يتمثل بالشفافية، لكن وزير الداخلية نهاد المشنوق أقر بأن تأمين رؤساء الأقلام (المراك) إلى مختلف مناطق العالم: «غير ممكن الآن؛ لأن الداخلية ليس لديها القدرة على إرسال رؤساء الأقلام إلى مختلف مناطق العالم في هذه الفترة الزمنية القصيرة للإشراف على الانتخابات في الخارج».
ومن ثم، أعلنت الداخلية أنها اتخذت «إجراءات جدية بما يتعلق بمراقبة الاقتراع في الخارج لجهة تركيب كاميرات في مراكز الاقتراع»، وأنه «يوجد مندوبون عن هيئة الإشراف ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية لمتابعة عملية الانتخاب في الخارج»، وسيكون «من المسموح لمندوبي اللوائح تواجدهم مثل الموجودين داخل قلم اقتراع في لبنان». كذلك، أشارت في وقت سابق إلى أنه سيصار إلى نقل صناديق الاقتراع بالشحن المضمون عبر «دي إتش إل»؛ تمهيداً لفرز الصناديق في بيروت.
هذا، وأحيطت انتخابات المغتربين بجدل واسع، على ضوء الاتهامات الموجّهة لوزير الخارجية جبران باسيل – رئيس «التيار الوطني الحر» وصهر الرئيس عون – بتسريب «داتا» المغتربين للتيار الذي يرأسه، وهو ما نفاه باسيل قائلا إن المعلومات «موجودة لدى كل الماكينات الانتخابية، وكل واحدة منا يملك جزءاً منها».
- عدد اللوائح يعكس حجم التنافس
على صعيد آخر، كان قد أقفل باب تسجيل لوائح المرشحين للانتخابات يوم 26 مارس (آذار) الماضي، ورسا العدد النهائي على 77 لائحة انتخابية، بحسب ما أعلنت المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية والبلديات. وسجّل أكبر عدد من اللوائح في «دائرة بيروت الثانية»؛ إذ بلغ عددها 9 لوائح، وكان أقل عدد من اللوائح المسجلة في «دائرة الجنوب الثانية» (صور – الزهراني) وبلغ لائحتين فقط.
وفيما يلي عدد اللوائح، مع الإشارة إلى أنه لا يحق للمرشحين المنفردين خوض الانتخابات، كما لا يحق شطب أسماء من اللوائح، أما الحرية الوحيدة المتاحة فاستخدام صوت تفضيلي يعطى لمرشح واحد من اللائحة المختارة:
«دائرة بيروت الأولى» 5 لوائح
«دائرة بيروت الثانية» 9 لوائح
«دائرة الشمال الأولى» (عكار) 6 لوائح
«دائرة الشمال الثانية» (طرابلس - المنية - الضنّيّة) 8 لوائح
«دائرة الشمال الثالثة» (البترون - بشرّي - الكورة - زغرتا) 4 لوائح
«دائرة البقاع الأولى» (بعلبك - الهرمل) 5 لوائح
«دائرة البقاع الثانية (زحلة) 5 لوائح
«دائرة البقاع الثالثة» (البقاع الغربي - راشيا) 3 لوائح
«دائرة الجنوب الأولى» (صيدا - جزين) 4 لوائح
«دائرة الجنوب الثانية» (صور - الزهراني) لائحتان
«دائرة الجنوب الثالثة» (حاصبيا - مرجعيون - بنت جبيل - النبطية) 6 لوائح
«دائرة جبل لبنان الأولى» (كسروان - جبيل) 5 لوائح
«دائرة جبل لبنان الثانية» (المتن الشمالي) 5 لوائح
«دائرة جبل لبنان الثالثة» (بعبدا أو المتن الجنوبي-الأعلى) 4 لوائح
«دائرة جبل لبنان الرابعة» (الشوف - عاليه) 6 لوائح
وحملت هذه الأرقام مؤشرات على طبيعة المنافسة بين اللوائح الانتخابية؛ إذ تتراجع حظوظ منافسة لائحة «الثنائي الشيعي» في «الجنوب الثانية» (صور - الزهراني)، بينما تتصاعد شدة المنافسة في بيروت، حيث تتواجه الأحزاب، ولا سيما في بيروت الغربية ذات الثقل السنّي، كما تتواجه فيها قوى المجتمع المدني. ويتوقّع خبراء أن تكون المنافسة على أشدها في «الشمال الثانية» (طرابلس - المنية - الضنّيّة) أيضاً بثقلها السنّي و«الشمال الثالثة» (بشري - الكورة - البترون – زغرتا) ومعركتها مسيحية بالكامل، وأيضاً في «جبل لبنان الثانية» (كل المقاعد مسيحية) و«الجنوب الأولى» (صيدا وجزين)، حيث ينقسم الثقل بين صيدا السنّية وجزين المسيحية.
ثم هناك دوائر حساسة يتوقع أن يحدث التمثيل النسبي فيها خروقاً للوائح الكبرى، وأهمها: «جبل لبنان الرابعة» (الشوف - عاليه) ذات الرمزية الدرزية الكبرى، و«بيروت الثانية»، حيث يخوض رئيس الحكومة سعد الحريري معركة الزعامة السنّية، و«البقاع الأولى» (بعلبك - الهرمل)، حيث الخزان الشيعي الكبير. ويتوقع حدوث خروق أيضاً في دوائر أخرى جبلية وبقاعية وشمالية.
- 111 امرأة يخضن انتخابات التحالفات الهجينة
> أطلق الاتفاق على قانون انتخابات جديد في صيف 2017، صافرة الانطلاق لانتخابات جديدة، بدأت تداعياتها تظهر مطلع العام الحالي إثر المناقشات الحامية لتشكيل تحالفات انتخابية. فالتقديرات السابقة بأن «الثنائية المسيحية» التي أفضت إلى إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية، وتتمثل في «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، خالفتها الوقائع بعد انفصال الحليفين انتخابياً، حيث لم يرصد أي تحالف بينهما، بينما وازن «المستقبل» في تحالفاته بين الطرفين؛ إذ تحالف مع «القوات» في الأطراف والمناطق النائية، ومع «العونيين» في المدن.
وعلى غرار «الوطني الحر»، لم يتحالف «المستقبل» مع شخصيات سنّية وازنة؛ إذ خاض الانتخابات في جميع المناطق السنّية بلوائح مكتملة، منافساً أقطاباً لهم حيثيات شعبية، وخصوصاً في طرابلس (إحدى أهم دوائر السنة مع بيروت الثانية)، بينما عوض عنها بتأييد من شخصيات لها حيثيات شعبية أيضاً مثل الوزير الأسبق محمد الصفدي، وسجل تحالفاً مع رئيس الحكومة السابق تمام سلام في بيروت. وبينما كان منتظراً أن تدخل «القوات» مع «المستقبل» في أوسع تحالف بعد فشل تحالف «العونيين» مع «القوات لم تفضِ الأمور إلى اتفاق. وإذ لم يسجل أي تحالف بين «تيار المستقبل» مع «الثنائي الشيعي» الذي يمثله «حزب الله» و«حركة أمل»، لم يسجل في المقابل أي تحالف بين «القوات» و«الثنائي الشيعي». وقالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إنها في كل تحالفاتها أحجمت عن التحالف مع شخصيات تتموضع في قوى «8 آذار» أو قريبة من النظام السوري.
من جهة ثانية، جمعت الائتلافات الانتخابية في اللوائح، الأضداد في السياسة، في حين فرقت حلفاء اجتمعوا في دوائر محددة، وتفرقوا في أخرى. فغياب الكيمياء السياسية بين «التيار الوطني الحر» و«حركة أمل»، لم تمنع تحالفهما عبر «حزب الله» في دائرتي بعبدا (جبل لبنان الثالثة) و«بيروت الثانية». وخاض العونيون معركة ضد الحزب في بعلبك - الهرمل، وهي دائرة يعتبرها الحزب مصيرية، كما تحالف الحزب مع منافسي التيار في دائرة جبيل.
ورغم أن العونيين يخوضون المعركة مع «تيار المستقبل» في بيروت الأولى وفي زحلة والمتن، فهم يخوضونها ضده في صيدا، حيث تترشح النائب بهية الحريري، كما يتنافسان في دائرة عكار، حيث يتحالف «المستقبل» مع «القوات اللبنانية»، كما يتحالف الطرفان في بعلبك - الهرمل، وفي البقاع الغربي - راشيا.
وينظر إلى بعض التحالفات على أنها هجينة، وتخالف الخطاب السياسي الذي تنطلق منه بعض القوى، إذا ما تم النظر إلى تحالف «التيار الوطني الحر» مع «الجماعة الإسلامية» في صيدا مثلاً أو «جمعية المشاريع» في بيروت، وتحالف النائب بطرس حرب مع «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في «الشمال الثالثة»، وتحالف مقربون من «تيار المستقبل» مع «الحزب الشيوعي» في «الجنوب الثالثة».
وفي حين ينظر البعض إلى أن التحالفات قضت على فرص التغيير، حيث قلصت التكتلات بين القوى السياسية التقليدية حظوظ الوجوه الجديدة من خارج الاصطفافات الحزبية - وتحديداً من المجتمع المدني - ينظر آخرون إلى أن النظام السياسي اللبناني القائم، يفرض تكتلات مشابهة تمنع التغيير «حفاظاً على التوازنات السياسية التي تخط طريقة الحكم». وهو النظام المعمول به منذ برلمان 1992. وعادة ما تنتج الانتخابات 4 أو 5 قوى أساسية، تتفق فيما بينها على تسيير ملفات، وتكون هناك قوى وسطية ترجح كفة فريق على آخر في حال الاختلاف، مثل كتلة «اللقاء الديمقراطي» بزعامة النائب وليد جنبلاط في السنوات التي تلت التوترات السياسية في 2005.
ومع خوض «حزب الله» معاركة لإيصال مرشحيه في بعلبك - الهرمل وزحلة وجبيل إلى الندوة البرلمانية، يشير الخبراء إلى أن القانون الانتخابي بصيغته النسبية يعود بالمنفعة على «الثنائي الشيعي» وحلفائهم في 8 آذار الذين يتوقع حجم كتلتهم إلى 40 نائباً في البرلمان. أيضاً، يتوقع البعض استفادة «القوات اللبنانية» أولاً و«التيار الوطني الحر» ثانياً، مقابل تراجع حصتي «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي - الحزب التقدمي الاشتراكي»، ويُرجّح وصول 58 نائباً مسيحياً من أصل 64 بأصوات مقترعين مسيحيين.
وأخيراً، أقفلت مهلة تقديم الترشيحات على 976 مرشحاً، بينهم 111 امرأة، وهذا رقم قياسي للمرشحين للانتخابات النيابية منذ الاستقلال؛ إذ إن آخر رقم قياسي كان في انتخابات عام 2009 وبلغ 702. وقبله، بلغ الرقم 484 مرشحاً في انتخابات عام 2005، و545 مرشحاً عام 2000، و599 مرشحاً عام 1996، و408 مرشحين عام 1992.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.