«كايسيد» وروح الحوار وثقافته من أرض الواقع

«كايسيد» وروح الحوار وثقافته من أرض الواقع
TT

«كايسيد» وروح الحوار وثقافته من أرض الواقع

«كايسيد» وروح الحوار وثقافته من أرض الواقع

في عام 2012 استضافت العاصمة النمساوية مركزاً دولياً يحمل اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز، يدعو للحوار بين أتباع الديانات والثقافات والمعتقدات المختلفة، بالتعاون بين المملكة العربية السعودية، ومملكة إسبانيا، والحكومة النمساوية، والفاتيكان. المركز يرمز إليه بـ«كايسيد»»، ويعمل كمنظمة غير حكومية تخطط وتنظم وتمدّ يد العون والمشورة والمساعدة لمنظمات دولية تتبع للأمم المتحدة ولمنظمات المجتمع المدني ممن تشجع إمكانية التعايش المشترك.
أول من أمس، وبدعوة من «كايسيد» بالتعاون مع وزارة الخارجية النمساوية، استضافت محطة «أو آر إف» النمساوية الرسمية للإذاعة والتلفزيون، احتفالية ثقافية اجتماعية للحوار المشترك تحت عنوان «In the spirit of dialogue» أحسن الأعداد لها، وتم تقديم برنامجها الرسمي خلال ساعتين فقط بأسلوب حديث مختصر أنيق ومشوق.
أدارت الندوة بمهارة وخفة مذيعة تحمل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، تخصص أديان، ظلت تعمل في هذا المجال منذ عام 1997 مبعوثة لأكثر من بلد.
وبالطبع، لم يغب أثر فيينا عاصمة الفنون والموسيقى باختيار فرقة موسيقية من شبان ثلاثة قدموا فواصل ممتعة من العزف على الغيتار والكمان في مزيج رائع لنغمات غجرية وسلافية وفلامنكو مع لمسات آسيوية.
بدأت الأمسية بترحيب من أمين عام «كايسيد»، فيصل بن معمر، أعقبته كلمات مختصرة من مندوبين عن الدول المؤسسة، مؤكدين إيمان دولهم بما حققه مركز «كايسيد» من إنجازات خلال سنواته الخمس من مقره في فيينا وخارجها.
وفي هذا السياق، أشار السفير السعودي لدى النمسا ومندوبها لدى المنظمات العاملة في فيينا، خالد الجندان، إلى التزام بلاده بالحوار جسراً لنبذ العنف، ولتعزيز التماسك الاجتماعي والاحترام المتبادل، مشيداً بدور «كايسيد» كأول منظمة دولية تعمل على خلق منصات للحوار لتوفير فهم مشترك بين أصحاب الديانات.

للحوار مقومات ومتطلبات

في جلسة حول أساليب الحوار ومتطلباته تبادل الخبيران والمستشاران بـ«كايسيد»، الدكتور محمد أبو نمر، الأستاذ المتخصص في برنامج السلام الدولي وحل المنازعات، وباتريس برودور، أستاذ معهد الدارسات الدينية بجامعة مونتريال، الذي عمل مديراً لكرسي أبحاث كندا حول الإسلام والتعددية والعولمة، إلقاء الضوء على أساسيات الحوار ومنطلقاته ومتطلباته بصفته جسراً لبناء السلام، ومحاولة فهم وقبول الآخرين باعتبارهم أصحاب معتقد آخر يمكن تبادل الحديث وتبادل الرأي معهم بالمنطق.
شدد المحاضران على أن الحوار الناجح يتطلب في المقام الأول قبول المغامرة بالدخول في «الحوار» واعتماده أسلوباً للمعرفة، والتعلم، والتفاهم، والتغلب على الخوف من أجل تبديد الصور النمطية وسوء الفهم الذي يكون عادة بمثابة جدار فاصل قد يزيد من التوتر ويقود للصراعات.

نماذج ميدانية

لم تقتصر الأمسية، رغم قصرها، على سماع الخبراء وتجاربهم فحسب، بل استمع الحضور إلى نشطاء عكسوا نماذج ميدانية من داخل مجتمعاتهم وواقع حياتهم اليومية، حيث ساهم نشر ثقافة الحوار على خلق أرضيات أكثر تفهماً وقبولاً للآخر؛ مما يقلل من نسب العنف والتمييز.
وفي هذا المجال، يدعم مركز «كايسيد» برامج للتدريب على إدارة الحوار ليس بين رجال الأديان فحسب، وإنما في مجالات مختلفة، إضافة إلى ورش تعمل في التدريب على كيفية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة لمزيد من الترابط وسرعة الاتصال.
في هذا السياق، قدم رجلا دين مسيحي ومسلم من نيجريا تجاربهما الناجحة في إدارة حوارات خففت من التعبئة والانفصال بسبب الاختلافات الدينية ورفض الآخر والخوف منه.
من جانبه، تكلم الدكتور محمد سامق، الأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي – المسيحي، عن خطورة غياب ثقافة الحوار وعدم قبول الآخر، مشيراً إلى تجربة الحكومة السودانية التي قاد تعسفها لفصل جنوب السودان المسيحي عن شماله المسلم بسبب عدم فهم وقبول الآخر والتمييز ضده.

وماذا عن النساء؟

يفتخر «كايسيد»، أن 50 في المائة من قواه العاملة من النساء، إلا أن ذلك ليس كافياً في نظر الدكتورة الهندية إرم، التي طالبت بأن تتضاعف كذلك نسبة النساء من المستفيدات من خدمات «كايسيد» والمشاركات في فعالياته بمقره وبمختلف الأقاليم.
إلى ذلك، وفي دبلوماسية شديدة رحبت بنت المهاتما غاندي بخبرات ومهارات الشيوخ من العلماء، مشيرة إلى أهمية مشاركة الشباب والأجيال الحديثة باعتبارها المستقبل الذي يحتاج إلى الإيمان بحتمية التعايش المشترك واحترام الآخر وقبوله.
من جانبها، تحدثت الدكتورة آمال المعلمي، مساعد أمين عام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وعضو مجلس هيئة حقوق الإنسان، عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة السعودية في نشر ثقافة الحوار وتعزيز حقوق الإنسان والتنوع الثقافي.
وكانت المعلمي التي تعمل في مجالات تدريب المرأة وإبراز دورها، قد شدت انتباه الحضور بسؤال طرحته عما يعرف عن المرأة السعودية بعيداً عن النمطية التي تقولبها في خمار أسود وتبعية للرجل، مؤكدة أن مؤهلات المرأة السعودية تتميز بالقوة، والعزيمة، والفخر، والعمل لتحقيق برامج حكومتها وخطتها الواسعة 2030.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».