التهجير يقرع أبواب جنوب دمشق وغموض حول مصير «داعش»

{الشرق الأوسط} ترسم خريطة مناطق المعارضة قرب العاصمة السورية

صورة أرشيفية لأهالي في مخيم اليرموك بانتظار الإغاثة (أونروا)
صورة أرشيفية لأهالي في مخيم اليرموك بانتظار الإغاثة (أونروا)
TT

التهجير يقرع أبواب جنوب دمشق وغموض حول مصير «داعش»

صورة أرشيفية لأهالي في مخيم اليرموك بانتظار الإغاثة (أونروا)
صورة أرشيفية لأهالي في مخيم اليرموك بانتظار الإغاثة (أونروا)

مع إغلاق ملف وجود المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية لدمشق، تجري قوات النظام وحلفاؤها حالياً الاستعدادات لـ«حسم» ملف مناطق جنوب دمشق الخارجة عن سيطرتها، في إطار مساعٍ لتأمين العاصمة ومحيطها.
ويتوقع أن تشهد مناطق سيطرة فصائل المعارضة احتمالاً مشابهاً لما حصل في كثير من المناطق من تهجير قسري للمقاتلين وعوائلهم، يلف الغموض السيناريوهات التي يمكن أن تحصل في مناطق سيطرة تنظيم داعش.
وتعتبر مناطق جنوب دمشق المحاصرة مع منطقة القلمون الشرقي آخر معقلين تسيطر عليهما المعارضة المسلحة و«داعش» و«جبهة النصرة» في محيط العاصمة دمشق، بعد استعادة النظام وحلفائه السيطرة على معظم مدن وبلدات الريف الدمشقي وتهجير مقاتليها وأعداد كبيرة من سكانها.

البوابة الجنوبية
يقسم الجنوب الدمشقي الخارج عن سيطرة النظام إلى خمس مناطق رئيسية، أكبرها منطقة بلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، التابعة إدارياً لريف العاصمة، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية من العاصمة، ويحدها من الشمال «مخيم اليرموك» و«حي التضامن»، ومن الجنوب منطقة «السيدة زينب» التي تسيطر عليها ميليشيات إيرانية، ومن الشرق غوطة دمشق الشرقية، ومن الغرب ناحية «الحجر الأسود».
وتشكل الجهة الشمالية من بلدة يلدا، تماسا مباشرا مع الحدود الإدارية لمدينة دمشق في حي التضامن، فيما تشكل أراضي «ببيلا» من الجهة الجنوبية خط تماس مع منطقة «السيدة زينب».
وتصل مساحة تلك المنطقة إلى نحو أربعة كيلومترات مربعة، وسيطرت عليها فقبل نحو سبع سنوات فصائل إسلامية وأخرى من «الجيش السوري الحر»، أبرزها «جيش الإسلام» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» و«فرقة دمشق» و«جيش الأبابيل» و«شام الرسول».
ووقعت تلك الفصائل مع النظام اتفاق «هدنة» في فبراير (شباط) 2014، ذلك بعد طردها لتنظيمي داعش و«النصرة» إلى «الحجر الأسود» و«مخيم اليرموك». ومنذ ذلك الحين، الجبهة في تلك البلدات هادئة مع قوات النظام الذي يفرض حصارا عليها، لكنه تدخل إليها بين الحين والآخر مساعدات غذائية، ويسمح للمدنيين فقط بالخروج إلى العاصمة والعودة إلى بلداتهم بشكل شبه يومي عبر معبر ببيلا - القزاز.
في سبتمبر (أيلول) 2015، وقعت فصائل بينها «أحرار الشام» و«النصرة» مع «حزب الله» برعاية إيرانية - تركية، اتفاق وقف النار في بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب اللتين تقطنهما فصائل تدعمها إيران ومضايا والزبداني في ريف دمشق، لكن التدخل الروسي نهاية الشهر ذاته جمد هذا الاتفاق.
بعد ذلك بأشهر، أعيد الزخم إلى الاتفاق وضُمت إليه مناطق جنوب العاصمة، بحيث تضمن مقايضة: تهجير شيعة الفوعة وكفريا إلى ريف دمشق وجنوب العاصمة، مقابل نقل سنّة معارضين من ريف دمشق إلى إدلب. وتضمن اتفاق «الفوعة كفريا - الزبداني مضايا» تبادل تهجير نحو 20 ألف مدني ومسلح من ريفي إدلب ودمشق في مرحلتين. و«تثبيت وقف النار لمدة تسعة أشهر في المناطق الآتية: الفوعة، وكفريا، وبنش، ومدينة إدلب، ومعرة مصرين، وتفتناز، ورام حمدان، وزردنا، وشلخ، وطعوم ومدينة الزبداني، ومدينة مضايا، وجبل بلودان، إضافة إلى مناطق جنوب دمشق: يلدا، وببيلا، وبيت سحم، والتضامن، والقدم، ومخيم اليرموك، مع السماح بإدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية لجميع البلدات المشمولة بهذه الاتفاقية بصورة دورية مدة وقف إطلاق النار».
في أبريل (نيسان) 2017 تم تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق وتضمنت إجلاء نحو 8 آلاف من مدنيي ومسلحي الفوعة وكفريا وتهجير المعارضين وعوائلهم من مضايا والزبداني وما حولهما، على أن يتم في المرحلة الثانية إجلاء من تبقى من الفوعة وكفريا وتهجير مسلحي «النصرة» وعوائلهم من «مخيم اليرموك» لكن هذه المرحلة لم يكتمل تنفيذها حتى الآن واقتصرت على إخراج مرضى ومصابين من «النصرة» من المخيم وإدخال مساعدات غذائية إلى مناطق سيطرتها في جيب غربي اليرموك، مقابل إخراج حالات مرضية من الفوعة وكفريا وإدخال مساعدات غذائية إلى البلدتين.
تبع تنفيذ المرحلة الأولى محاولات ضغط من النظام على الفصائل في «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم» للقبول باتفاق «تهجير ديمغرافي» على غرار ما تم في كثير من المدن والبلدات والأحياء المحيطة بدمشق، أي «تسوية» أوضاع من يرغب وترحيل الرافضين وعوائلهم إلى شمال البلاد، لكن الفصائل رفضت عروض النظام وخرج الأهالي في مظاهرات عبروا خلالها عن رفضهم القاطع مغادرة بلداتهم، وغاب الحديث منذ عدة أشهر عن مثل هذه المحاولات.
وخلال اجتماعات آستانة الأخيرة التي تمخضت عنها اتفاقات إقامة مناطق «خفض التوتر» في سوريا، حاولت الفصائل ضم بلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم» إلى تلك اتفاق «خفض التوتر» الخاص بغوطة دمشق الشرقية لكنها لم تنجح بذلك، بسبب رفض إيران ذلك بحجة أن هذه المناطق في جنوب دمشق جزء من اتفاق «اتفاق الفوعة كفريا - الزبداني مضايا».
وتشهد تلك البلدات حاليا كثافة سكانية عالية، كون سكانها الأصليين لم يغادروها، ونزوح أعداد كبيرة من أهالي المناطق المجاورة (الحجر الأسود، مخيم اليرموك، حي التضامن) إليها بعد سيطرة تنظيم داعش عليها.

معقل «داعش»
المنطقة الثانية، هي ناحية «الحجر الأسود» التابعة إداريا لمحافظة ريف دمشق، وتقع جنوب العاصمة ويحدها من الشمال «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينيين التابع إداريا لمحافظة دمشق، وتمتدُّ جنوبا لتتصل بمشارف بلدة سبينة، بينما يحدها من جهة الغرب حي «القدم» الدمشقي، ومن الشرق بلدة «يلدا» وتبعد عن مركز العاصمة دمشق نحو 7 كيلومترات. ويقدر عدد سكان «الحجر الأسود» قبل الحرب بنحو 60 ألفاً، أغلبهم من نازحي هضبة الجولان التي نزحوا منها عام 1967، إضافة إلى خليط من كثير من سكان المحافظات السورية ومن اللاجئين الفلسطينيين.
وانضم كثير من سكان «الحجر الأسود» إلى الحراك السلمي منذ بدايته، وتشكلت فيه فصائل مسلحة تتبع لـ«الجيش الحر»، وذلك بعد عسكرة هذا الحراك، ومن أبرزها «لواء الحجر الأسود» و«صقور الجولان» والتي تكونت في غالبيتها من نازحي الجولان وخصوصا أبناء العشائر مثل «الهوادجة» و«البحاترة» و«الجعاثين».
بعد ذلك شهد «الحجر الأسود» وجود فصائل مسلحة مختلفة وتحت أجندات ومسميات متباينة، وطغى حضور فصائل متشددة على حساب «الجيش الحر» الذي انتهى وجود مجموعاته إما بالتفكك أو الاندماج مع «جبهة النصرة» أو تنظيم «داعش» الذي ظهر بشكل مريب في الناحية وتشكل من نازحي هضبة الجولان وبقيادتهم.
وبعد طرد «فصائل الحر» لمسلحي «داعش» و«النصرة» من بلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، انضمم هؤلاء إلى التنظيمين في «الحجر الأسود»، مما ساعد في تقوية نفوذهما بشكل أكبر والسيطرة على الناحية بشكل كامل.
وبسبب الصراع على النفوذ بين «النصرة» و«داعش» تمكن الأخير من طرد «النصرة» إلى «مخيم اليرموك»، ويسيطر بمفرده على «الحجر الأسود» الذي بات معقله الرئيس في جنوب العاصمة.

«عاصمة الشتات الفلسطيني»
المنطقة الثالثة، التي تعد الأبرز في جنوب العاصمة، هي «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينيين، وتتبع إدارياً محافظة دمشق، ويقع على بعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب العاصمة، وتصل مساحته إلى كيلومترين مربعين. ويحده من الجهة الجنوبية «الحجر الأسود»، ومن الجهة الغربية حي «القدم»، بينما يحده من الشرق حي «التضامن» ومن الشمال منطقة «الزاهرة».
وتم وضع اللبنات الأولى لإقامة «مخيم اليرموك» عام 1957 عندما كان بقعة صغيرة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح المخيم جزءا أساسيا من مكوناتها الجغرافية والديمغرافية وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن ورمزاً لحق العودة. كما غدا يُعرف بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني» كونه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والبالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ، علما بأنه يوجد في سوريا وحدها خمسة عشر مخيما تتوزع على ست مدن.
وإن كان المخيم بدا هادئا في السنة الأولى للأحداث عندما كانت المظاهرات المناهضة للنظام تعم المناطق المجاورة له في «الحجر الأسود» وجنوب «حي التضامن» وبلدتي «يلدا» و«ببيلا»، وحيي «القدم» و«العسالي»، فإن الحراك الثوري فيه كان كالنار المتقدة تحت الهشيم، الأمر الذي شعر به النظام مما دفعه حينها إلى تحذير الأهالي هناك عبر قيادي فلسطيني من على أحد منابر العاصمة بالقول: «اليرموك لن يكون أغلى من حمص وحماة...»، في إشارة إلى أن النظام يمكن أن يدمر المخيم على رؤوس سكانه.
«اليرموك» يحمل رمزية لحق العودة وحل البلاء به بفعل ثلاثة صواريخ أطلقتها طائرات النظام الذي طالما تحدث بمناصرته للشعب الفلسطيني في 16 ديسمبر (كانون الأول) 2012، وكانت كفيلة بإحداث نكبة لسكانه تجاوزت في مآسيها نكبة عام 1948 ونكسة 1967، حيث قتل وأصيب عشرات المدنيين، ونزح أكثر من 90 في المائة من سكانه الذين كان يبلغ عددهم حينها ما بين 500 إلى 600 ألف نسمة من بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني.
جاء ذلك، بعد نجاح فصائل من «الجيش الحر» في السيطرة على المخيم، عقب دخولها إليه من جهة «الحجر الأسود»، وحي «التضامن» إلى الشرق، وحيي «القدم» و«العسالي» من الغرب، حيث كانت تنشط مجموعات من «الجيش الحر» منذ شهور، مع وجود مجموعات مسلحة فلسطينية نائمة في المخيم اختارت أن تقف إلى جانب الشعب السوري ضد الظلم الذي طاله من جانب النظام الذي فرض بعد ذلك وقوات من الفصائل الفلسطينية المؤيدة له حصاراً جزئياً على أكثر من 20 ألف مواطن فضلوا البقاء في منازلهم على رحلة نزوح من غير المعروف متى ستنتهي، وسرعان ما تحول هذا الحصار إلى حصار خانق في عام 2013. قضى خلاله بسبب الجوع ونقص الأدوية 199 فلسطينيا.
بعد ذلك شهد اليرموك فوضى عسكرية عارمة بسبب وجود مجموعات مسلحة مختلفة وتحت أجندات ومسميات متباينة، وطغى أيضا حضور الفصائل الإسلامية المتشددة على حساب «الجيش الحر» الذي انتهى وجود مجموعاته، إما بالتفكك أو الاندماج مع «النصرة» أو «داعش» مع ظهور مجموعات فلسطينية قوية من قبيل «كتائب أكناف بيت المقدس» التي تردد أنها تتبع لـ«حماس» وتزعمها أبو أحمد المشير، وكذلك «كتيبة ابن تيمية» و«القراعين» و«السراحين».
وشكلت «النصرة» و«الأكناف» أقوى فصيلين في اليرموك، وتمكنا من إنهاء وجود كثير من الفصائل الأخرى، وسيطرتا بشكل تام على المخيم طوال عام 2014 من دون أي منازع، ليدور لاحقا الصراع الدامي على النفوذ بين الجانبين، وشبه حينها بأنه صراع «كسر عظم» من دون أن يتمكن أي من الفصيلين من إنهاء الآخر، لتشتعل بعد ذلك حرب الاغتيالات بين الجانبين.
وفي بداية أبريل 2015 كانت المفاجأة، تدخل «داعش» القابع في معقله «الحجر الأسود» في المعارك الدائرة في المخيم إلى جانب «النصرة» وتمكنا من إنهاء وجود «الأكناف» التي كانت تعد نحو 250 عنصراً، حيث انسحب خلال المعارك نحو مائة مقاتل من «الأكناف» إلى بلدتي يلدا وببيلا، أماكن وجود «الجيش الحر»، بينما انضم نحو 70 آخرين إلى الفصائل الفلسطينية المقاتلة إلى جانب النظام، على حين تمت تصفية من تبقى على أيدي «داعش» و«النصرة».
وبذلك بات «داعش»، إضافة إلى سيطرته على كامل «الحجر الأسود»، يتقاسم مع «النصرة» السيطرة على اليرموك، بينما تسيطر الفصائل الفلسطينية المقاتلة مع النظام على المنطقة الشمالية من المخيم وتقدر مساحتها بـ30 في المائة من مساحته وتمتد من ساحة الريجة حتى مدخل المخيم الشمالي المقابل لمنطقة «الزاهرة».
وفجأة شن «داعش» أبريل عام 2016 هجوما عنيفا على «النصرة» في أماكن وجودها في «اليرموك»، وسيطر على نحو 80 في المائة من المساحة التي كان يتقاسم السيطرة عليها معها، وحشرها في مساحة صغيرة غرب المخيم تمتد من جامع الوسيم جنوباً حتى ساحة الريجة شمالاً، وسط إجراءات مشددة للغاية منع من خلالها إدخال أي مواد غذائية إلى الأهالي في تلك المنطقة، وسط تقديرات تشير إلى أن عدد عناصر «النصرة» لا يتجاوز أكثر من 180 مقاتلا ومع أفراد عوائلهم نحو 800، وأن أكثر من نصفهم من أبناء «اليرموك»، بينما الآخرون كانوا قدموا من مناطق مجاورة، علما بأنه خرج أكثر من 40 جريحا من أصل 180 إلى شمال البلاد في إطار تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق «البلدات الأربع» على أن يخرج المسلحون في دفعات لاحقة قريبا.
ومع سيطرة «داعش» على «اليرموك» نزح كثير من المدنيين من المخيم إلى مناطق سيطرة «الجيش الحر» في «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، ولا يتجاوز عدد الباقين فيه 4 آلاف مدني.

مثال التنوع
المنطقة الرابعة، هي الجزء الجنوبي من حي «التضامن»، التابع لمحافظة دمشق، ويعتبر ذا أهمية استراتيجية، كونه بوابة دمشق الجنوبية الفاصلة بين المدينة وريفها، ويلاصقه «مخيم اليرموك» من الغرب وبلدة «يلدا» من الشرق والجنوب على التتالي، أما من الشمال فتحده منطقتي «الزاهرة» و«دف الشوك».
مثل الحي مثالا للتنوع بسوريا، حيث كان أعداد قاطنيه قبل بداية الأزمة تقدر بـ200 ألف يشكلون نسيجا اجتماعيا متفاوتا في العادات والتقاليد، فجلّ سكانه من نازحي هضبة الجولان العرب والتركمان ومن محافظات السويداء وإدلب ودير الزور ودرعا واللاذقية وطرطوس.
وشكل المنحدرون من محافظات درعا ودير الزور وإدلب اللذين يتجمعون في الجزء الجنوبي من الحي وتقدر مساحته بنصف مساحة الحي، نواة الحراك السلمي في عامه الأولى، على حين يوجد في الجزء الشمالي المقابل شوارع «الجلاء» و«نسرين» و«الغفاري» على التوالي، والتي يوجد فيها أيضا تنوع في النسيج الاجتماعي للسكان، إلا أن تسليح النظام للموالين له فيه من «العلويين» و«النصيريين» و«الدروز» وانضمام هؤلاء إلى الميليشيات الموالية له، جعل لهم سطوة كبيرة على باقي السكان من الطوائف الأخرى، ليبقى هذا الجزء من الحي تحت سيطرتهم.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، وبعد عسكرة الحراك، اجتاحت فصائل من «الجيش الحر» أبرزها «أبابيل حوران» الجزء الجنوبي من الحي وسيطرت عليه، مما أدى إلى نزوح غالبية سكانه، على حين شكل الجزء الشمالي من الحي منطلقا لعمليات جيش النظام وميليشياته ضد الفصائل المعارضة في الجزء الجنوبي، ومركزا كبيرا لاعتقال وتعذيب سكان المناطق المجاورة المناوئين للنظام.
وعمد النظام إلى تدمير منازل الأهالي بشكل شبه كامل في حي زليخة التابع إداريا لبلدة «يلدا» ويحاذي القسم الجنوبي من حي «التضامن» من الجهة الشرقية، وذلك عبر تفخيخها ومن ثم تفجيرها أثناء عمليات الكر والفر خلال المعارك التي كانت تحصل في الحي.
وبعد سيطرة تنظيم داعش على القسم الأكبر من مخيم اليرموك أبريل عام 2016، قام أيضا بالسيطرة على الجزء الجنوبي من حي «التضامن»، بينما تراجعت الفصائل التي كانت توجد فيه إلى بلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، حيث تسيطر فصائل إسلامية وأخرى من «الجيش الحر».

القدم
المنطقة الخامسة، هي حي «القدم» وهو من الأحياء الدمشقية العريقة المحيطة بالمدينة القديمة للعاصمة، ويقع إلى الجنوب منها، ويحده من الشمال حي «الميدان» ومن الجنوب بلدة «سبينه»، وغربا مدينة «درايا» وشرقا «الحجر الأسود».
ويعد من أوائل الأحياء الثائرة بوجه النظام، ذلك أنه ومنذ بداية عسكرة الحراك تحولت أزقة الحي وحاراته إلى ساحات حرب بين عناصر «الجيش الحر» وجيش النظام، مما أدى إلى نزوح معظم سكان الحي وتدمير بنية الحي بشكل كبير جداً.
يتألف حي القدم من قسمين أحدهما يقع غرب طريق دمشق - درعا القديم، والثاني شرق الطريق الدولية، وسيطر «الجيش الحر» على معظم القسمين في بداية الثورة، إلا أن النظام تمكن لاحقا من استعادة السيطرة على القسم الغربي.
ويضم القسم الشرقي الذي كان يسيطر عليه «الجيش الحر» مناطق «المادنية» و«بور سعيد» و«العسالي» و«محطة القطارت»، ومن أبرز الفصائل التي كانت توجد فيه «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» ويقدر عدد عناصرها بنحو 600.
وعلى غرار كثير من مناطق سيطرة المعارضة، تمكن النظام مؤخرا بعد حصار خانق على الحي من فرض اتفاق «تسوية» في مارس (آذار) الماضي على الفصائل تم بموجبه تهجير المقاتلين وعوائلهم من الحي إلى شمال البلاد. لكن تنظيم «داعش» ومن معقله في «الحجر الأسود» باغت قوات النظام وميليشياته وسيطر على المناطق التي كانت فصائل المعارضة تسيطر عليها، وكبد النظام العشرات من القتلى.

ضغوط متزايدة
بالترافق مع العملية العسكرية التي شنها النظام وحلفاؤه منتصف فبراير على مدن وبلدات وقرى غوطة دمشق الشرقية، وأفضت إلى اتفاقات «تسوية» تم بموجبها تهجير أكثر من 200 ألف مقاتل ومدني إلى شمال البلاد وسيطرة النظام على المنطقة التي شكلت طيلة سنوات المعقل الأبرز للفصائل المعارضة قرب دمشق، كان النظام وحليفه الروسي يؤكدان على الدوام أن هدفه المقبل بعد إغلاق ملف وجود المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية سيكون مناطق جنوب دمشق الخارجة عن سيطرته.
وبحسب مصادر أهلية من منطقة بلدات «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، فإن ممثلي النظام وحليفه الروسي وخلال تلك الفترة، كثفوا من زياراتهم للمنطقة، وعقدوا عدة اجتماعات مع ممثلين عن الفصائل المعارضة، وجهوا خلالها تهديدات لهم باجتياح المنطقة إذا لم يقبلوا باتفاقات مشابهة للاتفاقات التي جرت في مدن وبلدات وقرى الغوطة الشرقية (تسوية أوضاع لمن يرغب وترحيل لمن يرفض وإلا الاجتياح العسكري)، وسط «انعدام الأفق» أمام هذه الفصائل بعد محاصرتها من جميع الجهات من قبل النظام وميليشياته و«داعش»، على حد قول المصادر.
وعلاوة على ذلك، فإن النظام وحليفه الروسي يشترطان على الراغبين في الرحيل من المنطقة إلى شمال البلاد، ألا تتم عملية ترحيلهم إلا بعد مشاركتهم في إنهاء ملف «داعش» في «الحجر الأسود» و«مخيم اليرموك» وحيي «التضامن» و«القدم»، وفق المصادر التي اتهمت النظام بـ«استغلال المقاتلين لجعلهم رأس حربة في القتال ضد صقور (داعش) ومن ثم ترحيلهم».
ووسط هذه الخيارات المحدودة يسيطر التخبط والانقسام على الفصائل، بين من يريد البقاء في المنطقة وعدم الإفساح للميليشيات الإيرانية بابتلاعها، وبين من يرفض الزج بمقاتلي المعارضة بمعركة ضد «داعش» كي لا يكونوا وقوداً لتحقيق غايات النظام، بحسب المصادر الأهلية التي توقعت أن يكون مصير المنطقة كباقي مناطق سيطرة المعارضة التي فرضت عليها اتفاقات التهجير.

حشود وغموض
وعلى غرار الحشود التي استجلبها النظام وحلفاؤئه إلى محيط الغوطة الشرقية قبيل شن العملية العسكرية على المعارضة والأهالي فيها، يقوم ومنذ عدة أيام بتعزيز حشوده وآلياته في محيط مناطق سيطرة تنظيم داعش في جنوب دمشق من الجهات الشمالية والشرقية والغربية، حيث تقدر أعداد عناصر التنظيم في تلك المناطق بنحو ألفي عنصر ومع أفراد عائلته ما يقارب 6 آلاف.
وشوهدت في الأسبوع الماضي أرتال تضم مختلف الآليات والمعدات العسكرية وحافلات وشاحنات تقل عناصر من جيش النظام والميليشيات الموالية له إلى محيط مناطق سيطرة «داعش» جنوب دمشق، ذلك أنه يتم نشرها على ثلاثة محاور الأول: مدخل «مخيم اليرموك» الشمالي، والثاني: مدخلا شارعي «إسكندرون» و«دعبول» في القسم الشمالي من حي التضامن والمؤديين إلى القسم الجنوبي منه، والثالث: غربا على مدخل القسم الشرقي من حي «القدم».
وحتى نهاية العام الماضي كان مراقبون يبدون استغرابهم من استمرار نشاط «داعش» جنوب دمشق طيلة فترة سيطرته على تلك المناطق، في ظل الحصار المفروض عليه من قبل النظام، علما بأن علاقة التنظيم متوترة للغاية مع الفصائل التي تسيطر على بلدتي «يلدا» و«ببيلا» المجاورتين لـ«اليرموك» و«الحجر الأسود» من الجهة الجنوبية الشرقية.
وتشير مصادر إلى أن التفسير الوحيد للوضع، أن «الجهة الشمالية التي يسيطر عليها النظام هي مصدر إمداد التنظيم». وتشكك بما يتم الحديث عنه في الأوساط العامة حول العداء بين التنظيم والنظام وتستدل في تفسيرها بأنه، ومنذ سيطرة «داعش» قبل نحو عام على «اليرموك» لم يستهدف مناطق سيطرة النظام القريبة (الميدان، القاعة، الزاهرة) إلا نادرا وركز كل جهده على تصفية «النصرة» التي شكلت وعلى الدوام العثرة الكبيرة أمام أي محاولة لإبرام اتفاق تسوية مع النظام في المنطقة. وتضيف: «أيضا قبل ذلك أسهم (داعش) وبشكل كبير في إنهاء وجود أكناف بيت المقدس في (اليرموك) وهو فصيل كان يرفض بشكل مطلق التسوية مع النظام». وتعتبر المصادر، أن «كل ما جرى من تصفيات للمجموعات المقاتلة الرافضة للتسوية جاء على يد (داعش)، ولمصلحة النظام». وترجح أن يقوم قسم كبير من عناصر التنظيم بتسوية أوضاعهم.
وتشير المصادر إلى «ما أشيع في أواخر عام 2015 عن تعثر تنفيذ اتفاق إخراج نحو أربعة آلاف من عناصر (داعش) و(النصرة) من المنطقة الجنوبية بعد اغتيال قائد (جيش الإسلام) زهران علوش»، موضحة أن تنفيذ الاتفاق حينها لم يتعثر بل تم تنفيذه، لكنه لم يكن ينص على إخراج أربعة آلاف وإنما إخراج «الدواعش» الأجانب، وهذا ما تم بالفعل حينها ولم يبق في «الحجر الأسود» سوى «الدواعش» المحليين الذي هم في الأساس «عملاء جندهم النظام» لصالحه من أمثال قائد «لواء الحجر الأسود» بيان مزعل الذي سلم الكثير من مناطق ريف دمشق الجنوبي للنظام في عام 2013 مثل «السبينة» و«البويضة» و«حجيرة» و«الذيابية».
لكن حالة جمود جبهات «داعش» مع النظام، كسرها التنظيم في عملية حصلت في ديسمبر، حينما تسلل مقاتلوه إلى الجزء الشمالي من حي «التضامن» وقتلوا بعض عناصر الميليشيات الموالية للنظام وانسحبوا بعد ذلك.
وصعد التنظيم من وتيرة كسره لجمود الجبهات مع النظام في بدايات مارس الماضي، مع منعه جيش النظام تسلم مناطق سيطرة فصائل المعارضة في القسم الشرقي من حي «القدم» بعد اتفاق تهجير نفذه النظام هناك مع الفصائل، حيث شن مقاتلوه هجوما عنيفا من معقلهم في «الحجر الأسود» ضد عناصر النظام الذين دخلوا المنطقة وخاض معهم معارك عنيفة استمرت عدة أيام، أعلن بعدها التنظيم سيطرته على معظم المنطقة التي تم تهجير المعارضة منها في حي «القدم» جنوبي دمشق، بعد مواجهات عنيفة مع قوات النظام، قال إنها أدّت لتدمير وعطب آليات ثقيلة بينها دبابات وناقلة جند، ومقتل 175 عنصراً للنظام.
ما أقدم عليه «داعش» يفسره بعض المراقبين بأنه يأتي ربما في الإطار «التكتيكي» في العلاقة القائمة بين النظام والتنظيم، ويهدف من ورائه الأخير إلى مكتسبات إضافية لضمان تسوية تناسب عناصره بعد تراجع نفوذ التنظيم بشكل كبير في عموم البلاد، مشيرة إلى أنباء تتردد منذ زمن بعيد وتتحدث عن أن غالبية عناصر التنظيم خصوصا منهم أبناء ناحية «الحجر الأسود» يرغبون بتسوية أوضاعهم، مع انعدام الخيارات أمامهم لناحية الإجلاء إلى مناطق أخرى يسيطر عليها التنظيم، لأن الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل لا يمكن أن تقبل بنقل هؤلاء إلى منطقة «حوض اليرموك» معقل التنظيم في جنوب البلاد، كما أن فصائل المعارضة ستعارض مرور هؤلاء في مناطق سيطرتها للوصول إلى هناك، وكذلك يستبعد نقل هؤلاء إلى شرق البلاد كون تلك المنطقة منطقة نفوذ أميركية.
لكن مراقبين آخرين، يرون أن سيناريوهات إنهاء تنظيم «داعش» في جنوب دمشق «لا يمكن التكهن بها، فالمشهد يلفه كثير من الغموض»، مشيرين إلى أن النظام «يدرك تماما حالة الضعف» التي يعاني منها التنظيم حاليا في جنوب العاصمة، وبالتالي «قد ينقلب على العلاقة معه ولن يسمح له بفرض شروطه حتى وإن اضطره ذلك إلى القيام بعمل عسكري».



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».