أروى بناوي تحتفل بالشخصية السعودية وثقافتها بالبنط العريض

6 مصممين يضعون حجر أساس أول أسبوع موضة في الرياض

«تي - شيرت» بسيط كُتب عليه «نحن مملكة» - أروى بناوي  في مجموعة من التايورات المستوحاة
«تي - شيرت» بسيط كُتب عليه «نحن مملكة» - أروى بناوي في مجموعة من التايورات المستوحاة
TT

أروى بناوي تحتفل بالشخصية السعودية وثقافتها بالبنط العريض

«تي - شيرت» بسيط كُتب عليه «نحن مملكة» - أروى بناوي  في مجموعة من التايورات المستوحاة
«تي - شيرت» بسيط كُتب عليه «نحن مملكة» - أروى بناوي في مجموعة من التايورات المستوحاة

«في رأيي المتواضع، أعتقد أنّ الكل يتفاعل مع الموضة ويفهم لغتها، فهي تسجل لثقافة المجتمعات وتعكس تطلعات شبابها»، هذا ما قالته المصممة السعودية الشابة أروى بناوي التي كانت واحدة من بين 6 مصممين ساهموا في صنع التاريخ مساء يوم الخميس، بعرض تشكيلاتهم في أول يوم من أيام أسبوع الموضة بالرياض. اليوم الذي كانت فيه أنظار صناع الموضة والترف مصوّبة نحو العاصمة السعودية، وقلوب المنظمين ترجف خوفاً من أي مفاجآت غير متوقعة، ولا سيما أنّهم أخذوا ما يكفي منها في اليوم السابق بسبب أحوال الطقس غير المتوقعة التي أدّت إلى تأجيله يوماً كاملاً. لكن لحسن حظ الجميع، فإنّ الرياح كانت في صالحه، بما فيها رياح التغيير. وكانت الخيمة الضخمة التي نُصبت بالقرب من مدخل فندق «الريتز - كارلتون» جاهزة لتكون مسرحاً لعروض أزياء كلٍّ من طوني ورد ونجا سعادة من لبنان، وميزون أليكساندرين من البرازيل، وجون بول غوتييه من باريس، ودار «أزوري» من مصر، و«بيبيسارا» من كازاخستان، وطبعاً أروى بناوي من السعودية. هؤلاء الستة، لم يصنعوا أزياء مبتكرة استغرق تنفيذ بعضها وتطريزها أشهراً فحسب، بل ساهموا في وضع حجر الأساس لمجال يعشقه السعوديون منذ عقود، وأصبح بإمكانهم الآن الاستمتاع به، وأيضاً استعراض إمكاناتهم فيه من عقر بيوتهم.
افتتح الأسبوع المصمم اللبناني طوني ورد، بتشكيلة هوت كوتير تؤكد مهارته الطويلة في مجال أكسبه إعجاب نجمات هوليوود وولاء زبونات عربيات، واختتمه المصمم جون بول غوتييه. وبينما تألق كلٌّ من نجا سعادة بأول تشكيلة يقدمها خارج لبنان، وماركة «بيبيسارا» الكازاخستانية بتشكيلة تخاطب كل الأذواق والأهواء بقصّاتها المنسابة وتفاصيلها الراقية، فإنّ الشابة السعودية أروى بناوي هي التي تسلطنت. كانت نجمة اليوم الأول من دون منازع، سواء من ناحية روحها الشابة التي انعكست على كل قطعة في هذه التشكيلة، أو من ناحية تفاصيلها التي تعكس ثقافة الشّارع السعودي بكل ما تحمله من انطلاق وتفاؤل. وكما أشارت المصممة بعد عرضها، إلى أنّها موجة يتبناها أبناء البلد منذ الإعلان عن «رؤية 2030»، أكّدت تشكيلتها بأنّ المنطقة كانت فعلاً تحتاج إلى أسبوع خاص بها تقول من خلاله إلى كل العالم إنّها تحتضن مبدعين شباباً كانوا في أمسّ الحاجة إلى منبر مناسب. افتتحت العرض بمجموعة من التايورات المستوحاة من البدلة الرجالية، غلبت عليها سترات واسعة عند الخصر وأكتاف قوية، في حين زينت بعضها بقماش التويد لتؤكد اللمسة الذكورية. لكن شيئا فشيئاً بدأت الصورة تتغير لتشمل تارة لمسات بوهيمية، قالت أروى، إنّها استوحتها من أجواء الصحراء، وتارة لمسات سبور مستوحاة من الشارع السعودي، قالت: «إنها تعبّر عن المرأة السعودية المعاصرة التي تريد أزياء عملية لا تقيّد حركتها، تحملها من النهار إلى المساء».
كان واضحاً في العرض أنّها تحتفل بروح الشباب وثقافته كما بطموحاته. فهي لم تكتفِ بجانب القوة والاستقلالية التي تجلّت في قطع عدة، بل أضافت إليها الكثير من البهارات المأخوذة من محيطها وتاريخ المملكة ككل. تقول بحماس: «تاريخنا غني للغاية، وهو الأمر الذي يجهله الكثير من الناس في الخارج؛ لأنّ الشخصية السعودية بطبعها متواضعة لا تميل إلى الاستعراض. والغريب أنّني ألاحظ أني كلما كبرت زاد تقديري للطقوس التقليدية التي كنت أعيشها وأنا طفلة وظلّت مخزّنة في أعماقي لتطفو إلى السطح بشكل أو بآخر في تصاميمي».
لكنّها لم تُخف أنّ موجة التغيير التي تشهدها البلاد كانت محفزاً قوياً لها، خصوصاً بعد أن تمخضت عن إطلاق أول أسبوع موضة في البلاد؛ الأمر الذي منحها جُرعة أكبر من الاعتزاز بثقافتها. فهذه فرصة المصممين السعوديين لكي يُظهروا للعالم مخزونهم الحضاري بأسلوب أنيق. كل هذا تستشفه من بين ثنايا أغلب القطع التي قدمتها، سواء كانت «تي - شيرت» بسيطاً كتبت عليه «نحن مملكة»، أو كانت تفاصيل متفرقة هنا وهناك، وظّفت فيها إمّا ألواناً وأشكالاً من مناطق متفرقة من المملكة، حيث أخذت من عسير مثلاً ألوانها المتوهجة، وإمّا باستعمالها خامات محلية مثل قماش الشماغ الذي استعملته تبطيناً في جاكيت مصمم بأسلوب «سبور»، وهكذا.
بيد أنّ ما تستشّفه هنا لم يقتصر على الاعتزاز والفخر، بل شمل أيضاً تمرداً على تلك الصورة النمطية التي كوّنها الغرب عن المرأة السعودية «فهي ليست ضعيفة، ولم تكن كذلك أبداً» حسب قولها: «كنت كلما أسافر وأقابل الناس يستغربون عندما أقول لهم إنّني سعودية؛ لأنّهم لا يتصورون أنّني يمكن أن ألبس بنطلوناً جينز، وأتكلم لغتهم بطلاقة، وأمارس حياتي بشكل طبيعي، أدرس وأعمل وأجتهد. كنت في البداية أتضايق، لكنّني فيما بعد حوّلت الأمر إلى عامل يحفّزني على معانقة هويتي والاحتفال بها بطريقتي».
اللافت، أنّ أروى البناوي ليست وحدها من ترفع راية التحدي؛ إذ يبدو أنّ معظم المصممات السعوديات، من الجيل الشاب تحديداً لهن ردة فعل مماثلة على تلك الصورة النمطية القديمة والساذجة المترسخة في أذهان الغرب عنهن، ويردن تغييرها بأسلوب إيجابي وراقٍ. الكلام وحده لم يعد يكفي أو ينفع، وبما أنّ الموضة هي أقرب لغة إلى القلب وأسهلها وصولاً إلى العالم، فهي أيضاً أجمل وسيلة يستعملنها لتحقيق مرادهن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».